شن المخرج السوري مأمون البني هجوماً عنيفاً على التلفزيون الحكومي متهماً إدارته بوضع العراقيل أمام الإنتاج الدرامي الذي"ادخلوه ضمن لعبة"زائفة"لم تواكب التطورات في القطاع الخاص". ويرى البني أن الدراما السورية تعيش الآن في أزمة خطيرة وان هناك"مؤامرة"مصرية عليها. ويقول في حديث إلى"الحياة":"يجب على الدولة أن تقدم المساعدات والإمكانات، وأن تتفهم دور الدراما، وأنها والسينما لا تنشبان ثورة، إنما تسهمان مساهمة فعلية يومية في مساعدة المواطن كي يفهم مشكلاته وحياته ويطور ذوقه، لأن الذوق البصري له علاقة بالذوق الفكري". ويلفت إلى أن اللغة البصرية هي"لغة مؤثرة في الثقافة وفي الحضارة، لذلك انسحب التلفزيون السوري منها منذ فترة طويلة، لأنه لم يعد لديه موهوبون بل أنصاف موهوبين، ادخلوا الإنتاج التلفزيوني ضمن لعبة إنتاجية زائفة، كون القوانين الروتينية الموجودة داخله لم تواكب رفع الأسعار في القطاع الخاص، فظلوا على تعرفتهم المتواضعة". ويضيف البني الذي يعمل حالياً مديراً عاماً لمحطة"شام"الفضائية الخاصة المتوقفة عن العمل منذ نحو عام:"هذه التعرفة رديئة ولا يمكن أي مخرج أو ممثل أو مبدع أن يعمل في التلفزيون ضمن هذه الشروط الصعبة: شروط رقابية وشروط مادية مجحفة وروتين فظيع. صحيح ان المخرج هو صاحب السيطرة التامة في التلفزيون عندما يوافق على النص الذي سيخرجه، ولكن قبل الموافقة، عليه أن يقدم تنازلات كبيرة حتى يستطيع أن يصل إلى الإنتاج"، مؤكداً أن العمل بحد ذاته سيكون متواضعاً،"لأن الكاتب لا يقدم إلى التلفزيون إلا النص المتواضع. والنص الجيد يشتريه القطاع الخاص بسعر أعلى، ويختار المخرج الأفضل، بينما في التلفزيون الرسمي هناك بوتقة صغيرة من المخرجين المظلومين غير القادرين على تطوير موهبتهم ضمن القوانين السائدة المفروضة عليهم". ويشير إلى"أن المخرج الذي يأتي به التلفزيون من القطاع الخاص"عليه أن يدفع 85 في المئة من أجره كضريبة، بينما المخرج الذي يعمل داخل التلفزيون يدفع 36 في المئة". ويقول:"أتقاضى عن الحلقة الواحدة في القطاع الخاص ألفي دولار أميركي، بينما التلفزيون يدفع لي 500 دولار، وأنا لا اقبل أن اعمل إلا عندما يكون اجري سليماً وواضحاً". ويتابع:"العمل داخل التلفزيون مضغوط رقابياً أكثر من الأعمال التي تأتي من خارج التلفزيون. مثلاً، أي عمل يقدم لهم يُكتب عليه صالح للقطاع الخاص، أي غير صالح للقطاع العام، وهذه مشكلة. من المفروض ان ينتج القطاع العام أعمالاً لنقد السلبيات والفساد الاجتماعي والسياسي أكثر من القطاع الخاص لأنه أقوى. ولكن المعادلة بالعكس، والدليل على ذلك أن الأعمال التي تسير بهذا المنهج لم ينتجها التلفزيون، مثل"مرايا"و"بقعة ضوء"و"غزلان في غابة الذئاب"و"أحقاد خفية"، أما المسلسلات التي أنتجها فلا اعرفها ولم أشاهدها". ويرى البني"أن إدارة التلفزيون غير قادرة على إيجاد حل ولا تعطي أهمية للدراما التلفزيونية، وأن أكثر الممثلين يرفضون العمل مع التلفزيون". ويقول:"لا توجد محاسبة، أين إنتاج التلفزيون على الشاشة في رمضان؟ كيف يعرض التلفزيون 45 عملا للقطاع الخاص بقنواته الثلاث، ولا يعرض أي عمل من إنتاجه. وإذا عرض عملاً من إنتاجه يعرضه في ساعات متأخرة". ويوضح أن زوجته واحة الراهب، وهي مخرجة تلفزيونية،"كي تستطيع أن تأخذ عملاً داخل التلفزيون ? وغالباً ما يكون سهرة تلفزيونية من ثلاث حلقات أو أربع - عليها أن تدخل في صراع كبير، علماً أن كل عمل أنتجته وقدمته إلى التلفزيون نالت عليه جوائز، مع هذا هي تُحارب في التلفزيون وترفض". ويعبّر البني عن أسفه لعدم تفهم نقيب الفنانين السوريين صباح عبيد لدور النقابة، كونه يعتقد أن نقابة الفنانين هي المشرفة على الفن بالكامل في سورية،"وهذا يعني أن لا احد يستطيع أن يتدخل في أي شيء سواء كان التلفزيون أو لجنة صناعة السينما أو الرقابة". ويضيف:"هناك مقاطعة للأعمال السورية من بعض المحطات. فمحطة دبي بعدما كانت تعرض مجموعة أعمال سورية كل عام، خصوصاً في رمضان، ابتعدت نهائياً من اختيار أي عمل أو برنامج سوري. من هنا أعتقد بوجود نوع من المحاربة، فمثلما هناك محاربة للسياسة السورية، بدأت الدراما تدفع الثمن، لان أكثر المحطات التي تعتمد على تمويل حكومي قاطعت أو شبه قاطعت الدراما السورية"، لافتا إلى"أن بعض المحطات التي كانت تأخذ خمسة أعمال سورية في رمضان أصبحت تقتصر على عمل واحد، وهذا العمل يخضع لشروط". ويتحدث عن طرحه المشكلة على رئيس الوزراء السوري محمد ناجي العطري الذي وعد أثناء زياراته إلى الدول العربية بعرض المشكلة"، مشيراً إلى"أن الإنتاج السوري كان في حدود 40 مليون دولار في العام الماضي، لكن العائدات اقل من هذا المبلغ، لان بعض الأعمال خسر وبعضها الآخر لم يوزع، حتى أن بعض الأعمال وزع إلى محطة أو محطتين، إضافة إلى أن بعض المحطات ونتيجة لسبب ما أصبح يشتري الأعمال السورية بعد رمضان ويدفع مبالغ ضئيلة جداً". ويؤكد أن خطاب هذه الدراما"كان إلى حد ما أقوى وأكثر تأثيراً من الخطاب السياسي لبعض المحللين السوريين عبر المحطات الفضائية". وبعد الزوبعة التي أثارها الفنان السوري عباس النوري بين الفنانين السوريين والمصريين عندما أدلى بتصريحات صحافية قال فيها إن"أصغر مخرج دبكة في التلفزيون السوري أهم من أي مخرج مصري"، يذهب البني أبعد من ذلك، مؤكداً وجود"مؤامرة"مصرية على الدراما السورية عبر سحب الفنانين السوريين. ويقول:"درسوا عدد النجوم في سورية ولاحظوا أنهم قلائل ويمكن استقطابهم، والذي حدث هو أن الدراما السورية كانت تعتمد على هؤلاء من أمثال جمال سليمان وأيمن زيدان وباسل ياخور وسلاف فواخرجي والتيم حسن، وجميعهم انسحبوا الآن من الإنتاج السوري وأصبحوا يعملون في مصر". ويرى"ان سبب تردي الدراما المصرية أو عدم تطورها يعود إلى أنها تكتب على قياس النجم".