كانت قاعة الحسين الثقافية في العاصمة الاردنية عمّان، على موعد مع نقلة فريدة في الموسيقى مساء الاحد. كل شيء جاهز في"المطبخ"ليقدم أطيب الوصفات وأشهاها. الاضاءة العصرية، مسرح يعج بآلات موسيقية متنوعة بين شرقية وغربية. أعداد الجمهور كبيرة نسبياً. فتحت أبواب القاعة عند الثامنة. الثامنة والربع كانت القاعة تغص بالشبان والشابات الاردنيات وبعض السياح. وجوه شابة، تبتسم، وتنتظر. حين دخلت الفرقة، علا الهتاف مرحباً ب"مطبخ الموسيقى". وهذا المطبخ هو مشروع أطلقه المجلس البريطاني لتقوية جسور التواصل بين الشرق والغرب موسيقياً. فجمع 14 فناناً من ستة بلدان عربية هي الأردن والمغرب وتونس ومصر وسورية ولبنان، ليشاركوا خمسة بريطانيين في طبخ"مقطوعات موسيقية جديدة تمزج بين الهيب الهوب والجاز والروك والفانك والموسيقى الالكترونية ترافقها آلات العود والناي وايقاعات النغمات الصوفية والصوت الشرقي الراقي. عرف مغني الراب اللبناني"آر. جي بي"من أين تأكل الكتف، فغنى وصال وجال ودعا الجمهور الى الرقص. ما يلفت النظر، هو تلك التوليفة الموسيقية الناتجة من تزاوج الآلات الموسيقية الشرقية مع الغربية، خصوصاً دخول الناي الآلة العربية الاصيلة على موسيقى الراب، وتعاونها مع البيانو في موسيقى الجاز، وتقاسيم العود التي تلون الموسيقى الالكترونية. ثمة ما يُدهش في المطبخ الموسيقي. استطاعت الفرقة أن تخلق مساحات لكل فنان على حدة ليبرز موهبته. الا أنه يجب التوقف قليلاً عند بعض ما قُدم خصوصاً ارتجالية العود والناي والبيانوالتي قدمت في بداية الحفلة. حتى اليوم لم تعتد أذن المستمع العربي النقلة النوعية التي قام بها العديد من العوادين الحديثين والتي ساهمت في جعل العود آلة منافسة للغيتار من حيث الايقاعات و"الأكورات"والجمل الموسيقية، ومزاوجة البيانو مع الناي والعود، لاسيما ان القطعة ارتكزت على الارتجال، ما يوحي ان الموسيقى تولد من رحم المكان الموجودة فيه. برع الشبان في اثبات نظرية أن باستطاعة الموسيقى ان تكون لغة محكيّة مفهومة، فكانت النغمات والدندنات خير وسيلة للتواصل. وما يلفت النظر أن المقطوعات التي قدمت، حتى في التمرينات التي سبقت الحفلة، لم تعتمد نوتة موسيقية مكتوبة. قسمت الحفلة الى قسمين، في الأول عمدت الفرقة الى ابراز قوة كل عازف فردياً ضمن المجموعة، وبرز ذلك في مقطوعة"تحميل"التي تناوب على حياكتها كل من البيانو والعود والدرامز والناي والكمنجة والطبلة. فأظهر كل عازف منفرداً ما فهمه وكونّه من أفكار جديدة من التلاحم الموسيقي الحاصل، فعمد البيانو الى محاكاة الجمهور عبر ارتجال جازي - صوفي دفع الجمهور إلى التصفيق طويلاً، اما الناي الذي جرح بحزنه كثيرين، فقد أطرب الجمهور وكانت وصلته كمقاطع من القدود الحلبية ألهبت المسرح. عازف الطبلة تمّيز بتقنياته العالية في السيطرة على آلته وبال"تكنيك"المرتكز على خلفية موسيقية واسعة. ولعبت أنغام العود على موازنة الموسيقى ورافق ال"درامرز"بإيقاعاته الغربية كل الآلات الموسيقية الشرقية، ونجح عازف الغيتار الكهربائي في عزف أنغام موسيقية شرقية على رغم أن الآلة غربية، الا أن ثقافة العازف واطلاعه الموسيقي حولاها الى ما يشبه العود. في القسم الثاني من الحفلة ألهب مغني الراب الجمهور بكلمات أغانيه التي عبرّت عن واقع الشباب العربي ومشكلاته، وأطربت المغنية الاردنية الجمهور بصوتها الشجي المائل الى الغناء باللكنة الغربية، ما ميّزها بشخصية موسيقية منفردة. ولفت نظر الجمهور، المغربي هشام بآلته الموسيقية التقليدية"هجهوج"المصنوعة من جلد الجمل والتي تشبه الى حد كبير الربابة. وبرعت الفرقة في تقديم موّال مغربي وآخر شامي على ايقاع"شواية"المغربي التقليدي. تألفت الفرقة من المغنين،"آر جي بي"وأسما لبنان وهشام باجو المغرب وربا أبو صقر الاردن، ومن العازفين أوسو غيثار ومحمد مدحت كمنجة من مصر، اسكندر بسبس موسيقى الكترونية ولطفي سوا طبلة من تونس، يعقوب سعيد ابو غوش باز من الاردن، ومسلم رحال ناي وعصام رافع عود من سورية، وليو تايلر درامز وآندرو مكورماك بيانو من بريطانيا. يقول المثل الشعبي"كثرة الطباخين تُفسد الطبخة"، الا أن ما قدّمه طباخو" مطبخ الموسيقى"من وجبات، كان"شهياً ولذيذاً".