شارك مئات المواطنين في العاصمة التركية أنقرة في تظاهرة نظّمها حزب اليسار الديموقراطي، احتجاجاً على احتمال ترشيح رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان نفسه لرئاسة الجمهورية في الانتخابات المقررة في أيار مايو المقبل. واعتبر المتظاهرون الذين تقدهم زعيم الحزب زكي سيزر أن وصول اردوغان الى قمة الهرم السياسي في الدولة، يشكل خطراً كبيراً على النظام العلماني فيها و يثير اضطرابات داخلية، وطالبوه بترشيح شخصية وسطية بالاتفاق والتنسيق مع أحزاب المعارضة. كذلك تستعد جمعية الفكر الاتاتوركي لتنظيم تظاهرة مليونية الأحد المقبل، تشارك فيها جميعات المجتمع المدني وأحزاب سياسية، للتعبير عن رفضها وصول"إسلامي"الى القصر الجمهوري . وجاء ذلك بعد رفض اردوغان طلب المعارضة الاتفاق معها على مرشح مشترك يخلف الرئيس الحالي أحمد نجدت سيزر على اعتبار أن الغالبية البرلمانية التي يتمتع بها حزب العدالة والتنمية الحاكم، تمكنه من الانفراد بقرار انتخاب من يريده لرئاسة الجمهورية. وهددت المعارضة بمقاطعة الانتخابات في حال رشّح اردوغان نفسه، وخرجت بفتوى قانونية تقول باستحالة عقد جلسة انتخابات الرئيس في البرلمان من دون حضور 367 نائباً على الأقل، ما يعني أن الحزب الحاكم سيحتاج الى حضور عشرين نائباً من نواب المعارضة على الأقل من أجل إجراء الانتخابات . وبدأ اردوغان مشاورات مع أوساط حزبه والمجتمع الأهلي، بشأن ترشحه الى الرئاسة ومن المحتمل أن يعلن اعتباراً من 16 الشهر الجاري، قراره في هذا الشأن. لكن لا يتوقع أن يكشف موقفه قبل اجتماع مقرر هذا الأسبوع، لحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه. وستكون لحزب العدالة والتنمية الإسلامي الجذور الحاكم منذ الانتخابات الاشتراعية في العام 2002، الكلمة الفصل في شأن رئيس الجمهورية المقبل، بحكم امتلاك الحزب الغالبية المطلقة في البرلمان. وينتخب النواب رئيس الدولة لولاية واحدة من سبع سنوات، وهو منصب يعتبر فخرياً لأنه لا يملك صلاحيات تنفيذية. وتنتهي ولاية الرئيس الحالي احمد نجدت سيزر المعروف بدفاعه الشرس عن العلمانية والذي اغضب بانتظام الحكومة ذات التوجه الإسلامي المحافظ، في 16 أيار مايو المقبل. وستجري الانتخابات بحلول ذلك التاريخ. وعرف اردوغان 53 سنة بمهارة كيف يبقي على حال الترقب حتى الآن، ولم يدل بأي تصريح حول طموحاته الرئاسية المحتملة. لكنه بدأ منذ يوم الجمعة الماضي، بلقاء قياديين نقابيين وممثلي منظمات غير حكومية وكذلك نواب من حزبه في مجالس خاصة، للوقوف على رأيهم في شأن احتمال ترشحه، وهي طريقة"لجس النبض"بحسب المراقبين السياسيين. ومن بين النواب ال26 الأوائل الذين التقاهم، عبر 25 عن تأييدهم له، بحسب الصحف التي نشرت أن هؤلاء النواب أوضحوا له بان ناخبي حزب العدالة والتنمية لم يفهموا كيف أن زعيم حزب وصل الى الحكم بغالبية 34 في المئة من الأصوات، لا يترشح"بطبيعة الحال"الى الرئاسة. وإذا لم يحدث ذلك، سيعتبر الأمر بمثابة رضوخ لضغط العلمانيين. واردوغان ليس سياسياً عادياً وترشيحه قد يثير البلبلة. فهو ناشط إسلامي سابق، بدأ بالبروز قبل انتخابه رئيسا لبلدية اسطنبول، كبرى مدن البلاد، في العام 1994. وسجن أربعة اشهر لتلاوته شعراً ذا توجه إسلامي قبل أن يؤسس حزب العدالة والتنمية في العام 2001. وترتدي زوجته الحجاب أسوة بزوجات غالبية كوادر الحزب، علماً بأن الحجاب محظور في الوظائف العامة والجامعات، ويعتبره المؤيدون للعلمانية إشارة الى دعم الإسلام السياسي. وتركيا التي يدين 99 في المئة من سكانها بالإسلام، متمسكة بمبادئ العلمنة التي يدافع عنها الجيش. ويعتقد كثيرون من الأتراك أن اردوغان لا يمكن أن يكون حيادياً بموجب الدستور. وتعترض الأوساط المؤيدة للعلمنة منذ اشهر، على فكرة أن يصبح اردوغان الرئيس الحادي عشر للدولة التركية، معتبرة انه سيتوج بذلك طموحاته ل"أسلمة"تركيا سراً، من خلال الاستيلاء على"آخر حصن"للعلمانية. وتتوقع المنظمات غير الحكومية المؤيدة للعلمانية إجراء تظاهرة حاشدة في أنقرة في 14 الشهر الجاري، لردع اردوغان عن الترشح الى الرئاسة. كما أعلن مجلس التعليم العالي الذي يضم رؤساء جامعات والمؤيد العنيد لمبدأ العلمنة، معارضته بصورة غير مباشرة لاردوغان، مؤكداً في بيان الخميس الماضي، أن على الرئيس المقبل أن"يؤمن بالعلمانية". وفي حال قرر اردوغان عدم ترشيح نفسه الى الرئاسة فإن أسماء شخصيات عديدة من حزبه مطروحة، لكن المرجح بينها هو وزير الخارجية عبدالله غل الذي يعد ذراعه اليمنى. عندئذ سيقود اردوغان حزبه الى الانتخابات الاشترعية المرتقبة في تشرين الثاني نوفمبر المقبل.