حسم رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان أمس، جدلاً استمر شهوراً حول نيته الترشح للرئاسة التركية، بإعلانه ان حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامته، قرر ترشيح وزير الخارجية عبدالله غل للانتخابات الرئاسية التي حدد موعد دورتها الأولى يوم الجمعة، على ان تكون الدورة الثالثة الحاسمة في 9 أيار مايو المقبل. ووضعت المعارضة العلمانية المناهضة للحزب الحاكم ذي الجذور الإسلامية"العقبة الأولى"في طريق انتخاب غل، بتعهدها مقاطعة جلسات الانتخابات والطعن بشرعيتها اذا قل عدد حضورها عن ثلثي النواب 367 علماً ان حزب العدالة يتمثل بغالبية 353 نائباً في البرلمان المؤلف من 550 مقعداً راجع ص8. وفي وقت اعتبر محازبو اردوغان قراره"تضحية"منه بالمنصب لمصلحة شريكه التاريخي في الحزب الإسلامي الجذور، رأت الأوساط العلمانية في هذا الترشيح تكراراً للعبة تبادل الأدوار بين رفيقي الدرب والتي بدأت بتولي غل رئاسة الوزراء اثر فوز الحزب في الانتخابات الاشتراعية في تشرين الثاني نوفمبر 2002، وذلك عوضاً عن اردوغان الذي كان مبعداً عن المعترك السياسي بتهمة التحريض على الحقد الديني خلال توليه رئاسة بلدية اسطنبول. وتنحى غل لاحقاً عن المنصب لمصلحة شريكه. وجاء قرار اردوغان العزوف عن الترشح للرئاسة بعد توتر في الأوساط العلمانية التي خرجت الى الشارع قبل عشرة أيام، مطالبة ببقائه بعيداً عن القصر الجمهوري، آخر حصون العلمانية في الساحة السياسية. وحرص، لدى إعلانه قرار ترشيح غل، على التأكيد انه سيكون رئيساً"محايداً"يحترم مبادئ تركيا الحديثة التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك. كذلك حرص غل في مؤتمر صحافي عقده لاحقاً، على تأكيد احترامه لقيم الجمهورية العلمانية، مدافعاً في الوقت ذاته عن قرار زوجته خير النساء ارتداء الحجاب لتصبح للمرة الأولى السيدة الأولى المحجبة في تركيا. وغل البالغ من العمر 57 عاماً يكبر اردوغان بأربع سنوات. وما لم يحصل تطور يقلب الأوضاع، بدت أوساط الحزب الحاكم مرتاحة لحظوظ غل، اذ يتمتع الحزب منذ 2002 بغالبية مطلقة في البرلمان الذي ينتخب الرئيس لولاية واحدة من سبع سنوات. ولانتخابه من الدورة الأولى يتعين على غل ان يحصل على 367 صوتاً، أي انه يحتاج الى 15 صوتاً من خارج حزبه المعارضة والمستقلين. ولم يقدم النواب المعارضون والمستقلون مرشحاً بديلاً لغل حتى الآن. واذا لم يفز بالدورة الأولى، فإن الحزب يراهن على انتخاب غل في الدورة الثالثة حين تكون الغالبية المطلقة البسيطة 276 صوتاً كافية لذلك، ما لم يقاطع سائر النواب، من خارج الحزب، الجلسة. ويعتبر منصب الرئيس التركي فخرياً، باستثناء المصادقة على القوانين والتعيينات في مناصب أساسية في الإدارة. وبادر غل الى لقاء زعماء أحزاب المعارضة البرلمانية طالباً دعمهم من اجل انتخابه ب"الإجماع"في حين أبدى زعيم المعارضة العلمانية دنيز بايكال سروره لأن تظاهرات العلمانيين واحتجاجاتهم"أوقفت اردوغان عند حده". وقال مصطفى أوزيوريك النائب البارز عن حزب الشعب الجمهوري بزعامة بايكال، ان الحزب سيقاطع جلسة الانتخاب الجمعة، وسيطعن بشرعيتها أمام المحكمة الدستورية إذا قل عدد النواب الذين سيحضرونها عن ثلثي أعضاء المجلس. في غضون ذلك، قال مقربون من اردوغان ان ترشيح غل جاء لأسباب حزبية داخلية وسياسية خارجية، مبررين ذلك بأن الحزب سيحتاج الى شخصية اردوغان ومجهوده للفوز في الانتخابات البرلمانية المقررة نهاية هذه السنة، مع الأخذ في الاعتبار أهمية عودة الحزب الى البرلمان بالقوة ذاتها، وتسخير خبرة غل في السياسة الخارجية لخدمة تركيا وتفعيل دور الرئاسة إقليمياً ودولياً. ونفى نواب في حزب العدالة والتنمية ان يكون اردوغان تأثر بتظاهرات العلمانيين، وقال أحدهم:"لو كان اردوغان أخذ تلك التحركات في الاعتبار لما رشح سياسياً متزوجاً من محجبة مثل غل"، علماً ان العلمانيين وخصوصاً في المؤسسة العسكرية، يعتبرون الحجاب"رمزاً للإسلام السياسي". في المقابل، يأمل الإسلاميون في تركيا بأن يساهم وصول غل الى القصر الجمهوري في حل كثير من مشاكل المتدينين في البلاد، وأهمها مسألة الحجاب. ويتسلم الرئيس الجديد مهماته في 6 أيار، ويتوقع ان يخلفه على رأس الديبلوماسية التركية وزير الاقتصاد والاتحاد الأوروبي علي باباجان المقرب منه والمعروف أوروبياً.