اعتاد جراحو مستشفى المدينة بمقديشو على معالجة جروح جرحى أصيبوا بطلقات نارية. ولكنهم لم يألفوا، من قبل، استقبال مئات القتلى والجرحى مرة واحدة، على ما حصل الاسبوع الماضي. فالاشتباكات بين المقاتلين الاسلامويين وبين القوات الاثيوبية والحكومة الصومالية، أودت بحياة نحو أربعمئة شخص معظمهم من المدنيين. وامتلأت أروقة مستشفى مقديشو بالجرحى، والشوارع بجثث القتلى. ويبدو ان العاصمة الصومالية على شفير الانزلاق الى حال من الفوضى الدموية من جديد، بعد مرور ثلاثة أشهر على اعلان الحكومة الصومالية والقوات الاثيوبية السيطرة على العاصمة، وهزيمة الميليشيات الاسلاموية فيها. فالمقاتلون الاسلامويون تجمعوا ورصوا صفوفهم، وتحالفوا مع قبيلة الپ"هوية"النافذة التي كانت تسيطر، الى وقت قريب، على معظم أحياء العاصمة. ولا ريب في أن بقاء القوات الاثيوبية في العاصمة الصومالية يفاقم النزاع بين الحكومة والقبائل والاسلامويين، ويؤججه. وعلى خلاف ما عزمت عليه أول الأمر، عززت القوات الاثيوبية وجودها العسكري في مقديشو، عوض الانسحاب. فالاتحاد الافريقي تقاعس عن التزام تعهدات قطعها بإرسال ثمانية آلاف جندي من قوات حفظ السلام، ومهمتها المفترضة السهر على الحفاظ على وقف اطلاق النار الهش، والحلول محل الاثيوبيين بالصومال. ولم يصل الى مقديشو سوى 1200 جندي أوغندي من قوات حفظ السلام الافريقية. واقتصر عمل هؤلاء على حماية المطار وبعض المنشآت المهمة. وخلف إخلال الحكومات الافريقية بالتزاماتها فراغاً أمنياً في العاصمة الصومالية، ما اضطر القوات الاثيوبية الى البقاء في مقديشو ومواجهة الميليشيات الاسلامية نيابة عن الحكومة الصومالية. والحق أن الصوماليين يعتبرون القوات الاثيوبية، شأن القوات الاميركية، قوات احتلال. وهم يجمعون على ضرورة تحرير مدينتهم من المحتلين. ولا شك في أن دعم الحكومة الاريترية الميليشيات الاسلاموية يزيد الامور سوءاً في الصومال. وسبق لأريتريا أن زودت هذه الميليشيات بالسلاح، وهي تنوي مواصلة دعمها الاسلامويين. فهي رفضت دعوة الرئيس الاوغندي في اثناء زيارة أسمرا الاسبوع الماضي، الى وقف تدخلها في الصومال، على رعم زعمها رفض"أي تدخل أجنبي في هذا البلد". وجليّ أن أريتريا لم تفوت فرصة تصفية حساباتها مع جارتها الاثيوبية اللدودة على أرض الصومال. ولكن ما السبيل الى انهاء القتال الدائر بالصومال؟ فقد يسهم فرض حظر صارم على دخول الاسلحة الى الصومال في لجم العنف الدائر هناك. ولا شك في أن انتزاع الاقتصاد الصومالي من براثن المسلحين واجب وضروري. فمنذ تدهور الاوضاع الامنية مقديشو، تضاعفت أسعار السلع الغذائية، وشاعت جباية المسلحين الخوات. فلا مفر من مفاوضة كبار زعماء قبيلة الپ"هوية"، والسعي الى فك تحالفهم مع المسلحين الاسلامويين. ومن شأن نجاح هذه المفاوضات إضعاف معارضي الحكومة. وقد يكون الاحتذاء على مثال"تجمع المحاكم الاسلامية"مفيداً في بعض المسائل. كسب ود القبائل الصومالية بعدما نجح في ضبط الامن، وحرر اعمال التجارة من قيود المسلحين. واليوم، يشتكي كبار تجار"الهوية"من بلوغ الضرائب الجمركية على السلع الاساسية بمرفأ مقديشو، ثلاثة أضعاف ما كانت عليه من قبل. وعلى الحكومة الصومالية معالجة شكاوى هؤلاء التجار، وضبط الامن، ومكافحة جباية المسلحين الخوات المالية. فهذا النوع من المعالجة قد يحمل زعماء القبائل على مفاوضة الحكومة. ولا ريب في ان فرص تعايش قبيلة الپ"هوية"مع الحكومة ضئيلة. ولكن بديل مفاوضة هذه القبيلة هو الفوضى"المستدامة"أو المتصلة على مدى عقد من الزمن أو أكثر. عن "ايكونوميست" البريطانية، 7 / 4 / 2007