قد ينساق المرء، شأن الولاياتالمتحدة، الى الترحيب بنجاح الهجوم الاثيوبي على الصومال. فأثيوبيا حملت ميليشيا اسلاموية تناوئ الاممالمتحدة وتستبد في شؤون الناس الدينية، وتؤوي الإرهابيين، على التراجع. ولكن الأعوام الماضية التعيسة والمأسوية هي قرينة على أن الهجمات الاستباقية الأحادية لا تذلل المشكلات، وخصوصاً إذا كان المحتل عدواً لدوداً والخصومة معه قديمة. والحق أن الصومال بلد ألف الفوضى في العقدين الأخيرين. فحكومته الانتقالية ضعيفة، وأعضاؤها يتحدرون من القبائل الإقليمية وبعضهم كان من أمراء الحرب. وتناوئ الحكومة الانتقالية الميليشيات الاسلاموية، وهذه حذت حذو"طالبان"في ترهيب السكان. وبعد محاصرة المحاكم الشرعية الحكومة الانتقالية في بيداوة، سعت اثيوبيا الى وقف المد الاسلاموي، فاجتازت الحدود الدولية وواجهت الاسلامويين. ولم يندد المجتمع الدولي بهذا الاجتياح. وعلى رغم استهجانهم اجراءات"المحاكم الاسلامية"المتشددة وغير المتسامح، ورفضهم قطع رأس من يقصر عن تأدية الصلاة خمس مرات يومياً، لم يرحب الإسلاميون المعتدلون الصوماليون بالجنود الاثيوبيين. فالتاريخ الصومالي- الاثيوبي المشترك هو تاريخ عداوة وخصومة. وفي اواخر السبعينات، اندلعت الحرب بينهما، وتنازعا على ملكية أراض. وفي حال ساندت الحكومة الاثيوبية الحكومة الانتقالية في بيداوة، وبدت الحكومة الصومالية تابعة للجارة العدوة، خسرت هذه الحكومة دالتها على شعبها، وفقدت شرعيتها. وقوضت واشنطن نفوذها كقوة عظمى في الصومال، فهي انحازت الى أمراء حرب صوماليين، ومولت تصديهم لقوات المحكمة الشرعية. وعلى الادارة الاميركية السعي الى وقف العدوان على الصومال، والحؤول، تالياً، دون تفشي النزاع في دول الجوار، ودون اشعال فتيل الحرب في القرن الافريقي. ومن المرجح أن يجد الارهابيون في الصومال الواقع في براثن الفوضى ودوامة العنف ملاذاًَ آمناً لهم. فهؤلاء سارعوا في تجنيد المقاتلين والانتحاريين في اليمن وأريتريا وليبيا وسورية، وفي الدعوة الى"الجهاد"ضد الغزاة. ولا ريب في ان ازمة نازحين ولاجئين تترتب على الحرب في القرن الأفريقي. وعلى مجلس امن الاممالمتحدة المسارعة الى الانعقاد، والاتفاق على إرسال قوات حفظ سلام دولية محايدة الى الصومال للحلول محل القوات الاثيوبية. وعوض تهميش المحاكم الاسلامية والقبائل الكبيرة المنضوية فيها، على المجتمع الدولي استغلال لحظة ضعف هذه المحاكم، وحملها على الحوار مع الحكومة الانتقالية. عن افتتاحية "انترناشونال هيرالد تريبيون" الدولية، 28/12/2006