كان يُفترض بدولة كوريا الشمالية المنفصلة أن تزول قبل سنوات، على غرار زوال أنظمة شيوعية أخرى، مثل ألمانياالشرقية. فبعد انهيار رأس المعسكر الشيوعي ظهر جلياً أن كوريا الشمالية عاجزة عن تلبية حاجات مواطنيها. فقتلت المجاعة فوق مليون نسمة من 22 مليوناً، وأرهق سوء تغذية مزمن السكان، أجساماً وأنفساً. وبينما كان الكوريون الشماليون يتضورون جوعاً، و"برنامج الغذاء العالمي"يستجدي تمويل المساعدات الغذائية لهم، انغمس كيم جونغ - إيل في ملذات الأكل الايطالي، ودعا طبّاخاً شهيراً، هو ارمانو فورلانيس، ليعدّ له ما لذّ وطاب في منتجعه الساحلي الفاخر، على مقربة من العاصمة، بيونغيانغ. وتُعزى"نجاة"كوريا الشمالية من الانهيار الذي أصاب أنظمة شيوعية أخرى، الى ظروف أخّرته وحالت دونه. ففي 1994، توصل الرئيس الأميركي بيل كلينتون، الى"اتفاق إطار"مع كوريا الشمالية، تعهدت بيونغيانغ بموجبه تعليق برنامجها النووي العسكري الى أجل غير مسمى، لقاء مفاوضات مباشرة تختم بعلاقات عادية ومساعدات أميركية بينها مفاعلات نووية تعمل بالماء الخفيف لتوليد الطاقة. وجددت مادلين أولبرايت، في تشرين الأول اكتوبر 2002، الاتفاق. وفشلت المفاوضات فتوجه كلينتون الى بيونغيانغ. ولم تكن زيارته أسعد حظاً. فلما تسلمت إدارة بوش الحكم قطعت الطريق على العلاقات العادية وعلقت المفاوضات الثنائية. ولو انتهز كلينتون الفرصة لكان للولايات المتحدة سفارة ببيونيانغ، ولما عمدت كوريا الشمالية الى تفجير سلاح نووي في تشرين الأول 2006. وقد يكون خلاف هذا صحيحاً. فإدارة بوش عزت الأزمة الى"الاطار الاتفاق". وهذا تهمة باطلة. فاتفاق كلينتون شلّ انتاج كوريا الشمالية البلوتونيوم العسكري طوال عهده. واستؤنف الانتاج هذا في 2002، إثر خلاف بين ادارة بوش وكوريا الشمالية على برنامج تخصيب اليورانيوم الكوري. فرأت بيونغيانغ في سياسة واشنطن"غشاً"، جزته بفسخ الاتفاق ومفاعيله. ولمّا بات منعها من تطوير أسلحة نووية، وتصديرها عسيراً، أقرت الأممالمتحدة، بدعم من الصين، عقوبات اقتصادية على بيونغيانغ. ولكن أحداً لا يتوقع أن تجبر الصينكوريا الشمالية على انتهاج طريق غير نووي. فكوريا الجنوبية والصين تترددان في فرض سياسة تؤدي الى انهيار اقتصادي، والى نزوح جماهيري لا طاقة لبلدان الجوار به. ويرى خبراء أن"الغش"الذي ارتكبته كوريا الشمالية ضُخّم شأنه. ولم يكن ليحمل على الغاء اتفاق كانت له منافع كثيرة. فكوريا لا تملك الأجهزة المعقدة التي لا يستقيم شطر اليورانيوم، وهو مرحلة تسبق انتاج سلاح نووي إلا بها. وفي 2003، انسحبت كوريا الشمالية من معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية، وخرجت من المراقبة الدولية. فكان على ادارة بوش، بعدما رمت الاتفاق، الفرجة على الكوريين الشماليين وهم يرتكبون الكبائر. وبعد الكشف عن برنامج تخصيب اليورانيوم، وتجارب الصواريخ البالستية التي تؤهلها تعديلات بسيطة لإصابة الشاطئ الغربي للولايات المتحدة، واختلال الثقة بكوريا الشمالية، لام النقاد ادارة كلينتون على استبعادها ضربة عسكرية. والحق أن فريق كلينتون كان على دراية بمعارضة الصين وكوريا ضربة مثل هذه. وأبلغ البلدان واشنطن أن كوريا الشمالية تملك ترسانة أسلحة تقليدية ضخمة وجيشاً يعد مليون عسكري، وأن تهديدها سيول بتحويلها"بحراً من نار"حقيقي. وفي حال نشوب حرب أرضية، قدرت الخسائر البشرية، في أيامها التسعين الأولى، ب 52 ألف جندي أميركي و 490 ألف جندي كوري جنوبي، بين قتيل وجريح، الى خسائر فادحة في صفوف المدنيين ودمار هائل. والخيار الثاني، وهو الاستغناء عن القوة والثبات على تعليق المفاوضات، حض الصين على عزل"حليفتها"، وتجميد حسابات قادتها المصرفية. وهي التدابير عينها التي تتوسل بها ادارة بوش. وعلى أثر التجربة النووية، في 9 تشرين الأول، وافقت كوريا الشمالية، بطلب من الصين، على استئناف المحادثات السداسية في بيجينغ، على ما تؤثر ادارة بوش. فعلى رغم انكارها خوض مفاوضات مباشرة، ندبت ادارة بوش كبير مفاوضيها الى محادثات ثنائية مع مندوبي كوريا الشمالية في بيجينغ. وحصلت محادثات قبل انعقاد مؤتمر اللجنة السداسية في كانون الأول ديسمبر. وكانت صيغة أولية لاتفاق على شكل تفاهم بين الأطراف الستة، في أيلول سبتمبر 2005. وهذا التفاهم استرجع بنود اتفاق 1994، أي انهاء برنامج التسلح النووي لكوريا الشمالية في مقابل ضمان أميركي بعدم الاعتداء، والمساعدة على بناء مفاعلات تعمل بالمياه الخفيفة، ووعد بالسير على طريق علاقات ديبلوماسية عادية. وتترجح المحادثات بين انعقاد وتعليق. وتسعى الولاياتالمتحدة الى إرساء حال داخل نظام كوريا الشمالية ترجح كفة من يريدون حقاً عقد الصفقة الديبلوماسية. عن ريتشارد برنشتاين ، "نيويورك ريفيو أوف بوكس" الأميركية 1 /3/ 2007