كان هناك زمن تُدعى فيه الابتكارات محض خيال؛ وكانت التقنيات تُنسج في قصص الأطفال قبل أن تتجسد واقعًا، لكن ذلك الزمن لم يعرف «ليب» الذي يختتم أعماله اليوم بعد أربعة أيام من النقاشات والابتكارات التي لم تترك مجالًا إلا وطرقته، في مدينة الرياض التي لم تكتفِ بأن تكون عاصمةً سياسيةً واقتصادية، بل أصبحت مركزًا عالميًا للتقنية والابتكار، ومختبرًا مفتوحًا لتجارب المستقبل. والتي استطاعت أن تقول أكثر من مرة بأن اقتصاد المستقبل ينمو هنا؛ وفعلًا كذلك ولغة الأرقام أصدق تعبير، وعودنا ليب أن يتحدث بها بطلاقة، فلقد استقطب آلاف الزوار من بينهم 1000 متحدث عالمي يمثلون نخبة العقول التقنية والاستثمارية، بينما تجاوزت قيمة الصفقات المعلنة 14.9 مليار دولار مما يجعله ليس مجرد مؤتمر، وإنما منصة استثمارية ضخمة تشكل معالم الاقتصاد الرقمي الجديد. لكن؛ دعوني أسألكم أين يكمن جوهر ليب؟ قد نبحث عن الإجابة في أسماء الشركات الكبرى، أو في العروض المبهرة، لكن الحقيقة أعمق من ذلك فهو كما ذكرت في مقال سابق ليس مجرد مؤتمر، إنه مرآة تعكس طموح الإنسان ورغبته في تجاوز الحدود، تمامًا كما فعلت العقول التي تقوده وعلى رأسها معالي وزير الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس عبدالله بن عامر السواحه الذي أعتبره ملهمًا ومعلمًا وقدوة على الصعيد الشخصي، فأبو يوسف لا يكتفي بالحلم، بل يؤمن بأن التقنية ليست هدفًا وإنما وسيلة تجعل المستحيل ممكنًا، وتحول الفكرة إلى إنجاز، والابتكار إلى طفرة، و ليس مفاجئًا أن نراه اليوم أحد العقول التي تدفع بالمملكة إلى مصاف الدول التقنية الكبرى، إذ سجل قطاع التقنية في المملكة نموًا مذهلًا، حيث ارتفع حجم الاستثمارات في الشركات الناشئة إلى أكثر من 1.3 مليار دولار في عام 2024 محققًا زيادة تفوق 40 % عن العام السابق. وأثبت كذلك بأن التحول الرقمي الذي شهدته المملكة قبل سنوات ليس مجرد خطة، بل مشروعًا استراتيجياً يغير قواعد اللعبة، حيث تم استثمار 9 مليارات دولار في مشاريع الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية منها استثمارات مباشرة من شركات عالمية مثل Microsoft وOracle، أما قطاع الروبوتات فقد شهد الإعلان عن خطط لإدخال أكثر من 400 روبوت ذكي ومتطور في قطاعات الصناعة والخدمات اللوجستية خلال العام المقبل. حتى أصبح ليب في كل عام منصة تجمع العقول لا لتتحدث لتُلهِم وتُلهم، ترى العيون مشعة داخل أروقته لا لأنها تحدق في الشاشات، ولكن لأنها ترى المستقبل يتشكل أمامها، وهنا تكمن أعظم رسالة يحملها هذا المؤتمر: الطموح وحده لا يكفي، بل يجب أن يكون مدعومًا برؤية، وإرادة، وشجاعة. وكما كان وسيظل سمو سيدي ولي العهد -حفظه الله- بالنسبة لنا كسعوديين وعرب وعجم - رمزًا للإصرار والتغيير - فإن ليب بالنسبة للعالم الرقمي هو خطوة نحو مستقبل لا يُصنع إلا بأيدي أولئك الذين يجرؤون على القفز خارج المألوف، تمامًا كما فعلت المملكة عندما قررت أن تكون رائدة في التقنية، لا متلقية لها. ليب ينتهي اليوم، لكنه لا يختتم بقدر ما يفتح أبوابًا جديدة لكل من يؤمن بأن الغد ليس مجرد امتداد لليوم، بل صفحة بيضاء نرسمها نحن بأفكارنا، وأحلامنا، وإيماننا بأن كل شيء ممكن.