فضيحة "المال مقابل الألقاب" في بريطانيا اتخذت منحىً كريهاً مع إطلاق وجوه بارزة من المجتمع اليهودي البريطاني اتهامات تفيد بأنّ إحدى الشخصيات المحورية في الفضيحة وجامع الأموال الأول في حزب العمال، اللورد مايكل ليفي، مُستهدف لسببٍ واحدٍ فقط وهو أنه شخصية يهودية بارزة - أي بعبارة أخرى، أنّ اللورد ليفي وقع ضحية معاداة السامية. لكن عدداً آخر من اليهود ينفي بشدّة المزاعم التي تربط الفضيحة بمعاداة السامية. ويلعب ليفي، إضافة إلى دوره في جمع الأموال، دور المبعوث الخاص لرئيس الوزراء توني بلير إلى الشرق الأوسط، على رغم أنه شخصية غير منتخبة. وأُوقف مرتيْن على التوالي خلال السنة الماضية في إطار تحقيقات الشرطة الهادفة إلى معرفة ما إذا حصلت فعلاً محاولة لبيع الألقاب الملكية مجلس اللوردات في مقابل منح حزب العمال قروضاً سرية، ولتوضيح صحة سعي بعض العاملين لحساب بلير في مقر رئاسة الوزراء، 10 داونينغ ستريت الى طمس المسألة، معطلين بالتالي التحقيق القضائي. وأُدرج أربعة رجال أعمال، قدموا قرضاً لحزب العمال قيمته خمسة ملايين جنيه إسترليني لتمويل الحملة الانتخابية في العام 2005، على لائحة المرشحين لنيل الألقاب. وبصورة عامة، قام حزب العمال بجمع 12 مليون جنيه إسترليني بعيداً من الأضواء في شكل قروض سرية من 14 رجل أعمال ثري. واستجوبت الشرطة بلير شخصياً مرتيْن، لكن من المستبعد أن توجّه إليه أي تهمة. وازدادت الأمور تعقيداً بالنسبة إلى اللورد ليفي بعد أن عمدت روث تيرنر، مديرة العلاقات الحكومية في رئاسة الوزراء البريطانية، الى تسريب وثيقة كانت موجهة الى جوناتان باول، المسؤول الأول في مكتب بلير. وفي هذه الوثيقة، تدعي تيرنر أنّ اللورد ليفي طلب منها أن"تكذب"لمصلحته أثناء التحقيقات التي أجرتها الشرطة. وعلى غرار اللورد ليفي، اعتُقلت تيرنر مرتيْن. وبحسب صحيفة"صنداي تايمز"، طلب اللورد ليفي من المسؤول الأول في 10 داونينغ ستريت أن يخفي الحقيقة عن الشرطة وأن ينفي أي علاقة له بنظام الألقاب. وكان اللورد ليفي أصدر تصريحاً من خلال المحامين الذين يمثلونه نفى فيه بشدة ارتكابه أي جرم أو خطأ، وأوضح أن التقارير الإعلامية"التي قيل انها تستند إلى وثائق مُسرّبة تدرسها الشرطة، منحازة ومتناقضة ومبهمة وغير دقيقة". ومن المعروف أنّ اللورد ليفي يشعر بأنه تعرّض لخيانة حزب العمال وأشخاص الذين يسرّبون معلومات سلبية عنه. وأخبر حاخام اللورد ليفي، اسحاق شوشيت، القناة التلفزيونية الرابعة في بريطانيا أنه يعي تماماً"انّ المجتمع اليهودي يزداد حساسيةً إزاء تعرض يهودي الى حملة ضده". ويُذكر أنّ شوشيت، وهو حاخام في الكنيس الذي يتردد إليه اللورد ليفي في شمال لندن، كان صرّح لصحيفة"ديلي تلغراف"أنّ"قوى معادية للسامية تسعى الى النيل من ليفي". ويقارن ديفيد روان، المحرر في صحيفة"جويش كرونيكل"الأسبوعية، ليفي بشخصية خيالية عرفها القرن التاسع عشر، هي شخصية رجل المال أغوستوس ميلموت في رواية"حياتنا اليوم" The Way We Live Now للكاتب أنتوني ترولوب. وكان ميلموت يموّل الوسط السياسي وارتقى إلى أعلى مراتب المؤسسة السياسية والمجتمع، ولكن، بعد سقوطه قام أصدقاؤه القدامى بنفيه ونبذه، ممّا دفعه إلى تسميم نفسه. ولكن، يشدّد روان على فكرة أنّ ميلموت كان مخادعاً، على عكس اللورد ليفي. وأعلن روان لهيئة الإذاعة البريطانية"بي بي سي"عبر برنامج"توداي"- راديو فور، أنّ قراء"جويش كرونيكل"يشعرون بالقلق حيال ميل وسائل الإعلام إلى"تضخيم"الشق اليهودي من قضية اللورد ليفي، وأضاف:"بالأمس، أراد أحد القراء أن يعرف لماذا تصرّ بعض الصحف، لا سيما صحيفة"ديلي ميل"، على إعلامنا أن اسمه أي اللورد ليفي الثلاثي هو مايكل أبراهام ليفي، وأنّ أبويْه كانا من اليهود المتدينين، وانه تعرّف على رئيس الوزراء في حفلة أقامتها السفارة الإسرائيلية، في الوقت الذي لا نسمع شيئاً عن روث تيرنر وجوناتان باول واسمهما الثلاثي أو حتى انتمائهما الديني". كما أعرب قراء صحيفة"جويش كرونيكل"عن قلقهم إزاء أولئك الذين يعملون في رئاسة الوزراء، من الذين يصب الابتعاد عن اللورد ليفي في مصلحتهم، إذ يرون من المناسب أن يتبنوا القصة التقليدية"التي تروي سيرة أحد رجال المال اليهود الذي قدم من الخارج إذ يصلح ليكون كبش محرقة". وبالتالي، ثمة نمط مناسب جداً وسهل في توريط اللورد ليفي في هذه المسألة. وفي هذا الصدد، ذكر روان السير إريك ميلير، مطوّر العقارات الذي ساهم في إدارة مكتب رئيس الوزراء العمالي هارولد ويلسون، والذي"انتحر في أحد أيام التكفير"، بالإضافة إلى جوزف كاغان، الصناعي صاحب معمل معاطف"غانكس"Gannex، التي كان يرتديها ويلسون، وقد منحه هذا الأخير لقب لورد عند انتحاره عام 1977، كان ويلسون يخضع لتحقيق من الشرطة بتهمة الفساد"وفي العام 1980، سُجن لورد كاغان لمدة 10 أشهر بتهمة اختلاس أموال من شركاته الخاصة. وكتب الصحافي جوناتان فريدلاند في صحيفة"ذي غارديان"أن العديد من اليهود البريطانيين رصدوا منذ زمن"أحكاماً مسبقة قديمة الطراز"تكررت في المقالات الصحافية التي تصف اللورد ليفي بصورة"رجل الأعمال اللامع من شمال لندن". وحاول"مجلس النواب اليهود"، وهو الهيئة التمثيلية الأهم للمجتمع اليهودي في بريطانيا، الدفاع عن اللورد ليفي، وأصدر الرئيس التنفيذي للمجلس، جون بنيامين، بياناً صحافياً ورد فيه أنه ينبغي لوسائل الإعلام أن"تكون حذرة للغاية وأن تحرص على ألا تتغلغل الأفكار النمطية المعادية للسامية في وصف الشخصيات اليهودية العامة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمال". وينبغي لأهل الصحافة أن"يبدوا لدى وصف الشخصيات اليهودية المعروفة القدر نفسه من العناية الذي يبدونه في وصف شخصيات تنتمي إلى أقليات أخرى. إلاّ أن شخصيات بارزة الأخرى في المجتمع اليهودي، من ضمنهم أولئك الذين حذّروا تكراراً من ازدياد معاداة السامية في بريطانيا، انتقدوا بشدّة الادعاءات التي تقول إنّ اللورد ليفي وقع ضحية معاداة السامية. وهاجم الرئيس الأسبق لمجلس النواب، الدكتور ليونل كوبيلويتز، البيان الذي صدر عن المجلس. وصرح لصحيفة"جويش كرونيكل:"ما كان هناك أي حاجة لإصدار مثل هذا التصريح، لا علاقة هنا للانتماء اليهودي على الإطلاق. فلماذا أصدروا هذا التصريح؟". وكتبت الصحافية والمذيعة والكاتبة ميلاني فيليبس، وهي من أبرز الأصوات الداعمة لإسرائيل، في يومياتها التي تنشرها على الإنترنت:"نأمل أن يقوم المجتمعون في كنيس ميل هيل هذا الأسبوع بمواجهة حاخامهم اسحاق شوشيت، وأن يمدوا ياردات من الشريط اللاصق على المنطقة ما بين أنفه وذقنه". وأضافت أنّ القول إنّ اللورد ليفي"وقع ضحية معاداة السامية في الوقت الذي يخضع لتحقيقات الشرطة التي اعتقلته ومن ثم أطلقت سراحه، لأمر مثير للاشمئزاز. ليس هناك أدنى برهان لدعم هذه الادعاءات. وإذا كان اللورد ليفي يواجه المتاعب، فليس لهذا أي شأنٍ بهويته الإثنية". وحذّرت فيليبس من خطورة تبعات القول إنّ"الجالية اليهودية ترص الصفوف لحماية أحد أبنائها الذي يخضع لتحقيق الشرطة. إن الأمر فظيع بكل بساطة، كما انه مُضر. هل فقد هؤلاء الأشخاص عقلهم كلياً؟ ألا يعون مدى الأذى الذي تسببوا به؟". وأضافت:" في وقتٍ لا نشهد فيه ازدياداً للأحكام المسبقة ضد اليهود فحسب بل أيضاً الادعاء الوقح بأن أي يهودي يستقطب الاهتمام يسارع الى إطلاق إشارة خطر كاذبة في محاولة للتلاعب بجدول الأعمال بحسب المصالح اليهودية، فإنّ رؤية اليهود يتصرفون على هذا النحو حيال اللورد ليفي يزيد في تعقيد الوضع ويجعل اليهود البريطانيين أكثر عرضةً للأذى من ذي قبل". من جهته، كتب الناقد والمحرر في صحيفة"تايمز"، دانيال فنكلشتاين، أنّ الحاخام شوشيت ارتكب"خطأً فظيعاً. فإذا بدأ أحدهم بالتلويح بمعاداة السامية كلما واجه يهودي مشاكل، فهو يساهم في تقويض الفكرة نفسها، ما يجعل الناس يشكّون في الشكاوى الحقيقية". وتساءل فنكلشتاين ما إذا كان اللورد ليفي موضع اهتمام فقط لأنه يهودي، وأنه"يتعرض لحملة"لأنه اليهودي الوحيد المتورط ، وما إذا كانت معاداة السامية تمثل فعلاً الموقع الذي يجد نفسه فيه. ويجيب فنكلشتناين بالقول:"لا لا لا لا لا لا لا"7 مرات على التوالي، مضيفاً:"ثمة ما يكفي من معاداة السامية فعلياً، ومن الصعب بمكان حمل الناس على النظر الى المسألة بجدية". وكتب المعلق ستيفان بولارد على موقعه الخاص:"عندما سمعت الحاخام، صرخت"اصمت". نعم، لمست بعض المعالم التي تدل على معاداة السامية في التغطية الإعلامية. لكن أساس القضية يقوم على ادعاءات تتعلق بالفساد والتدخل بالتحقيق الخاص بهذا الفساد". ويضيف بولارد:"صدف أن كان أحد الموقوفين يهودياً. وإن كان الحاخام يعتقد انّ اللورد ليفي ما كان ليُعتقل في حال كان من اتباع الكنيسة الإنغليكانية، أو أنّه اعتُقل فقط لأنه يهودي، فهو يعيش في عالمٍ آخر". وحذّر قائلاً إنّ"الأشخاص الذين يلصقون تهمة معاداة السامية يميناً وشمالاً من دون أيّ أساس هم في الواقع يلعبون لعبة من يعادي السامية بكل ما للكلمة من معنى". ما من شك بأنّ الازدياد المزعوم لموجة معاداة السامية بات مسالةً حساسة للغاية في بريطانيا اليوم. وما يوضع منتقدو السياسات الإسرائيلية عادة في قفص الاتهام بتهمة معاداة السامية. فخلال شهر أيلول سبتمبر الماضي وفي إطار اجتماعٍ كان يُعقد في 10 داونينغ ستريت، رفعت مجموعة من النواب البارزين تقريراً لرئيس الوزراء يتعلق بالتحقيق الذي قامت به على مدى 10 أشهر حول معاداة السامية في الساحة الداخلية. ويشير التقرير إلى زيادة نسبة الاعتداءات والشتائم ضد اليهود في بريطانيا، ويضيف أنّ"الغضب"الناتج عن السياسات الإسرائيلية شكّل ذريعةً لمعاداة السامية. كما يدين التقرير تحركات بعض الأكاديميين وأطراف أخرى بهدف مقاطعة الروابط مع إسرائيل. وغالباً ما نسمع أنّ البريطانيين، من أمثال"الطبقات الثرثارة"في حفلات العشاء، يطلقون العنان بطريقةٍ أو بأخرى لأشكال خاصة من معاداة السامية ويصعب إثبات هذا الأمر الذي يأخذ شكل"التلميح والغمز". وتسبب رئيس السن في مجلس العموم والعضو في حزب العمال، تام داليال، بموجة غضبٍ عارمة خلال شهر أيار مايو 2002، بعد أن صرّح في مجلة"فانيتي فير"أنّ بلير استغلته مجموعةٍ من المستشارين اليهود كانت تنصحه من وراء الستار"، بمن فيهم اللورد ليفي وبيتر مندلسون وجاك سترو الأخيران لا يعتبران نفسيْهما من اليهود على الرغم من جذورهما اليهودية. ونفى داليال أي عداءٍ للسامية لديه، غير أنّ تصريحه غالباً ما يُذكر كمثالٍ على معاداة السامية في بريطانيا. وأخذت معظم وسائل الإعلام، بما فيها الپ"بي بي سي"، الادعاءات النتعلقة بمعاداة السامية وارتباطها بفضيحة اللورد ليفي على محمل الجد، ولم تتردد في نقلها والتحقيق حولها. واستضافت إذاعة"بي بي سي"عبر برنامجها"توداي"- راديو فور، رجل الأعمال اليهودي السير ألان شوغر أحد أصدقاء اللورد ليفي في حديث مطول. وقال شوغر إنّ ليفي كان كبش المحرقة في هذه القضية وأنّه صُوِّر كالشرير في قضية المال مقابل الألقاب. وتحدث عن"ولاء ليفي الأعمى لتوني بلير الذي يدعي أنه صديقه، مضيفاً أنّ مشاهدة التقارير التلفزيونية وقراءة الصحف كما هي في الوقت الراهن مع أصدقاءٍ أمثاله أي بلير يغني المرء عن الأعداء. وقال السير ألان انّه يكنّ كل الاحترام لبلير الذي ترأس الحكومة بشكلٍ رائعٍ وكان رجلاّ شهماً، غير أنه"سيفقد من صدقيته إذا ما سمح لهذه المسرحية ضد ليفي بالاستمرار، فهذا الأخير جمع أموالاً طائلة لحزبه وكان إلى جانبه خلال حملته الانتخابية". ورداً على سؤالٍ حول وجود نوعٍ من معاداة السامية في تغطية بعض وسائل الإعلام لقضية اللورد ليفي، قال السير ألان:"إنّ الصحيفة الأساسية التي لم تتوقف عن مطاردة ليفي هي"ديلي ميل". واتُهمت هذه الصحيفة في السابق بصرامتها في تناول الأقليات الإثنية كاليهود والآسيويين". ولكن، بدلاً من الموافقة على أنّ اللورد ليفي وقع ضحية معاداة السامية، قال شوغر:"أفضّل شخصياً عدم الخوض في كل ما يرتبط بمعاداة السامية". * صحافية بريطانية