يحتاج الموضوع الذي أنا في سبيله اليوم الى مقدمة تشرحه. في آذار مارس من السنة الماضية فجرت الصحافة اللندنية فضيحة سياسية أخرى لحزب العمال الحاكم، فقد نشرت"الصنداي تايمز"وتبعتها الصحف الأخرى بتفاصيل إضافية، أن اللورد ليفي، وهو ثري بريطاني يجمع التبرعات لحزب العمال، حصل على قروض بمبلغ خمسة ملايين جنيه استرليني لتمويل الحملة الانتخابية للحزب سنة 2005 من أربعة رجال أعمال كبار معروفين، وأن هؤلاء الأربعة رشحوا لمقاعد في مجلس اللوردات مكافأة لهم من دون أن يكشف مقر رئيس الوزراء أنهم أعطوا حزبه قروضاً. النائب أنغوس ماكنيل، من الحزب الوطني الاسكتلندي، وجد أن الفضيحة تستحق المتابعة فشكا اللورد ليفي والحكومة الى الشرطة بموجب قانون الألقاب لسنة 1925 الذي يمنع شراءها. وكان أن عينت الشرطة المفوض المساعد جون ياتس للتحقيق في الموضوع. ياتس خرج قليلاً عن المسار الصحيح بالتحقيق مع مسؤول أكاديمي هو ديز سميث اعتقل لأنه كان قال لمراسل متنكر أن الذي يتبرع لخمس أكاديميات على مدى عشر سنوات يضمن أن يصبح لورداً مدى الحياة. غير ان هيئة الادعاء العام رفضت توجيه أي تهمة الى سميث لأن قانون 1925 يتحدث عن الأحزاب السياسية، لا جهات أكاديمية. اللورد ليفي استدعي الى مركز للشرطة في شمال لندن وأعتقل يومين، وحقق معه، والأرجح أنه خضع للتحقيق ثلاث مرات أخرى، بينها تحقيق للشك في محاولته عرقلة سير العدالة. في الوقت نفسه حققت الشرطة مع جوناثان باول، مدير مكتب رئيس الوزراء، بعد إنذاره أن كلامه قد يستعمل ضده في المحاكم، واستجوب توني بلير نفسه، ولكن كشاهد، لا مشتبه به. وداهمت الشرطة بيت روث تيرنر، المسؤولة عن العلاقات الحكومية في مكتب رئيس الوزراء، وحققت معها. وتركز التحقيق على وثيقة كتبتها تيرنر عن اجتماع لها مع باول وليفي طرحت فيه مسألة أسماء المرشحين للألقاب. وعندما تسربت أجزاء من الوثيقة الى الصحف طلب التحقيق من الادعاء العام منع نشرها، فيما بدأ تحقيق جديد حول المسؤول عن التسريب. غير أن الصحف نشرت ما عندها على رغم المنع، وتبين أن المنشور جزء من وثيقة غير طويلة. باختصار، هناك معلومات عن أن اللورد ليفي طلب من تيرنر أن تنكر وجوده في الاجتماع الذي درس أسماء المرشحين للألقاب. كل ما سبق يتردد في الصحف البريطانية منذ حوالى سنة، وما كان ليثير اهتمامي والقارئ العربي لولا أمران. الأول أن اللورد ليفي كان مبعوثاً خاصاً لتوني بلير الى الشرق الأوسط، والثاني أن أوساط اليهود البريطانيين هبت للدفاع عن اللورد المتهم، زاعمة أنه يستعمل ككبش فداء لأنه يهودي ثري ونموذج، أو"ستيريوتايب"اليهودي المحمل بأكياس المال. تعرفت على اللورد ليفي في عشاء استضافه الدكتور غازي القصيبي عندما كان سفيراً للمملكة العربية السعودية في لندن، ورأيته مرات عدة بعد ذلك، وهو دعاني الى عشاء في بيته يوماً إلا أنني اعتذرت لأن كان بين ضيوفه سياسيون اسرائيليون، وقلت له إنني أحمل الجنسية اللبنانية ولا أستطيع الاتصال مباشرة بإسرائيليين، وهو فهم عذري وقبله. وقد وجدت اللورد ليفي دائماً قوياً في تأييد اسرائيل ومعتدلاً، وكان ضيفه الرئيسي في العشاء الذي غبت عنه يوسي بيلين، من يسار الوسط في السياسة الاسرائيلية. وأعتقد بأنه، مثلنا جميعاً في التسعينات، أعتقد بأن السلام بين الفلسطينيين واسرائيل قادم. أقول لا مشكلة لي البتة مع اللورد ليفي وأتمنى أن يكون بريئاً، إلا أنني لا أفهم دفاع بعض اليهود عنه لأنه يهودي، لا لأنهم يعتقدون بأنه بريء أو مظلوم. مطبوعة"جويش كرونيكل"، الخاصة باليهود البريطانيين دافعت عنه، وكذلك مجلس النواب اليهود، وأصدقاء نافذون مثل السير الان شوغار، رجل الأعمال اليهودي البارز. وفي كل دفاع وجدت تلميحاً الى أن اللورد ليفي متهم لأنه يهودي، مع أن كثيرين غيره متهمون أو مشتبه بهم، ولا أدري هل يعطى كل يهودي في موقع المسؤولية حصانة فلا يتهم حتى لا يتهم المتهمون باللاسامية؟ هناك مرض عصري يهودي ربما أسميه"مرض اسرائيل"، فاليهودي قد يكون ليبرالياً معتدلاً داعية سلام، إلا أنه عندما يصل الموضوع الى اسرائيل يدافع عنها"على عماها"، ويرفض أن يعترف بأن حكومتها ترتكب جرائم يومية بشعة ضد النساء والأطفال في الأراضي المحتلة، كأنه يخشى بالاعتراف أن يدين نفسه مع الحكومة الاسرائيلية. وأنا أقرأ لكتّاب يهود ممتازين على جانبي المحيط الأطلسي، وهم ممتازون متميزون في كل شيء إلا عندما يكون الموضوع اسرائيل، فمعها يبدأ الانكار. إذا دين اللورد ليفي في النهاية فسيكون كبش فداء لتوني بلير، تماماً مثل لويس ليبي، وهذا يهودي آخر دين في الولاياتالمتحدة، وكان كبش فداء لنائب الرئيس ديك تشيني. غير أنني أرجو للورد ليفي البراءة لأنه بريء لا لأنه يهودي أو من أي دين آخر.