يختتم رئيس الجمهورية الإيطالية جورجو نابوليتانو اليوم الجمعة، مشاوراته مع الشخصيات الدستورية وزعامات الأحزاب الإيطالية للخروج من الأزمة الوزارية التي نجمت عن تقديم رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي استقالة حكومته ليل أول من أمس، بعدما فشل الائتلاف الحاكم في الحصول على ثقة مجلس الشيوخ الإيطالي على برنامج السياسة الخارجية الذي عرضه وزير الخارجية ونائب برودي ماسّيمو داليما وطلب من خلاله مصادقة المجلس على قانون تجديد تمويل الوحدة العسكرية الإيطالية في أفغانستان والتي يطالب التيار اليساري الراديكالي في ائتلاف برودي بسحبها من هناك. وهزمت الحكومة بفارق صوتين فقط، إلاّ أن برودي ونائبه داليما ارتأيا تقديم استقالة الحكومة تلبية لتهديد وزير الخارجية الذي كان حذّر حلفاءه اليساريين الراديكاليين من أنه"في حال فشل الحكومة في الحصول على ثقة مجلس الشيوخ فإن على الغالبية الحاكمة أن تلمّ أشياءها وترحل إلى المنزل". وكان داليما عرض السياسة الخارجية للحكومة في البرلمان في إطار التصويت على قانون تمويل الوحدات العسكرية الإيطالية ضمن القوات المتعددة الجنسية في الخارج، إلاّ أن معارضة اليسار الراديكالي الشيوعيون الجدد والخضر للتواجد العسكري الإيطالي في أفغانستان دفع عضوين في مجلس الشيوخ إلى التصويت ضد الحكومة، ما رجّح كفة المعارضة بغالبية 160 صوتاً في مقابل 158 صوتاً للحكومة. وكان داليما حاول"حشر"حلفاء الحكومة من اليسار الراديكالي عندما رفض طوق النجاة الذي كانت المعارضة تلوّح برميه للحكومة، انطلاقاً من مبدأين: أولهما دعم التواجد العسكري الإيطالي في أفغانستان والتأكيد على عدم امتلاك الائتلاف الحاكم للغالبية البرلمانية حول ملف مهم من ملفات السياسة الوطنية، أي السياسة الخارجية. وتحققت توقعات ائتلاف بيرلوسكوني الذي يؤكد الآن أن على الحكومة أن تأخذ في اعتبارها هذا المعطى الجديد، ويطالب بأن يقوم رئيس الجمهورية بحل البرلمان ويدعو إلى انتخابات جديدة. إلاّ أن مطالبات بيرلوسكوني، المدعوم من رابطة الشمال الانفصالية فقط، لا تحظى بالدعم من حلفائه السابقين، وبالذات من الحزب الديموقراطي المسيحي الذي يقوده رئيس مجلس النواب السابق بيير فيرديناندو كازيني الذي يدعو إلى إعادة النظر في تشكيلة التكتلين المتواجهين تكتل برودي وتكتل بيرلوسكوني للتوصل إلى صيغة"حكومة دستورية"تتولى صياغة قانون انتخابي جديد"يُتيح استقراراً حكومياً أفضل مما هو قائم الآن". واعتبرت زعامات ائتلاف برودي هذا الموقف انفتاحاً مهماً لكنها رفضت صيغ"الحكومة الدستورية"وأبدت رغبتها في التعامل مع إمكانيات"انضمام أفراد من القطب الآخر إلى الغالبية الحكومية". ولا تستبعد أوساط مطّلعة أن يطلب رئيس الجمهورية من برودي العودة إلى البرلمان لطرح الثقة من جديد، إلاّ أن مراقبين يرون أن رئيس الحكومة المستقيل قد يعتذر عن هذا الطلب ما لم تُحل الإشكالات القائمة في ائتلافه والناتجة من التباينات بين مكوناتها حول عدد من القضايا الأساسية من بينها السياسة الخارجية وسياسات العائلة والإصلاحات الاقتصادية. وأياً تكن النتائج فإنه من المستبعد أن يقبل وزير الخارجية الإيطالية ماسّيمو داليما، وهو زعيم حزب اليساريين الديموقراطيين، العودة إلى منصبه من دون التوصّل إلى تأسيس غالبية برلمانية مستقرة بالذات في مجلس الشيوخ حيث تعتمد الغالبية الحاكمة المستقيلة على فارق ضئيل من الأصوات غالبيته من"السيناتورات مدى الحياة"والذين يتعذّر في الكثير من الأحيان حضورهم إلى قاعة المجلس، كما حدث أول من أمس عندما تسبب غياب السيناتورين أوسكار لويجي سكالفارو والعالمة ريتا ليفي مونتالتشيني بترجيح كفة المعارضة وإفقاد الغالبية الثقة في المجلس. وكانت ملامح الأزمة ظهرت يوم السبت الماضي، عندما تظاهر عدد كبير من ناخبي ائتلاف اليسار - الوسط ضد قرار الحكومة الإيطالية بالقبول بتوسيع القاعدة الأميركية في مدينة فيتشينسا الشمالية، بغية استقبال ألفي عسكري أميركي جديد. وكان شارك في التظاهرة ما يزيد عن 70 برلمانياً من لوائح الائتلاف الحاكم، ما اعتبر بداية تفتت الائتلاف الحاكم بعد أقل من سنة واحدة من ميلاد حكومة برودي. وفيما مثّلت السياسة الخارجية عقبة أمام انسجام القوى الممثلة في الحكومة، طالبت المعارضة التي يتزعمها بيرلوسكوني رئيس الحكومة بالاستقالة لعدم امتلاكه غالبية برلمانية حول ملف مهم من ملفات السياسة الوطنية، أي السياسة الخارجية، وكانت هذه الدعوة وجّهت إلى برودي عشية تظاهرة فيتشينسا. يذكر أن تعثر الائتلاف الحاكم في إعادة رص صفوفه، سيُلغي أية إمكانية له في الاستمرار في الحكم، ما يعني دعوة الناخبين إلى انتخابات مبكّرة وخسارة اليسار - الوسط للحكم نهائياً.