تقترب المشاركة البريطانية في حرب العراق من نهايتها، لكن كؤوس الشمبانيا لن ترفع احتفالاً بالنصر. ففي غضون أقل من أسبوعين، تُسلم القوات البريطانية المسؤولية الأمنية عن البصرة، وهي آخر محافظة تسيطر عليها في جنوبالعراق، إلى قوات عراقية. وبعد حوالي خمسة أعوام من إرسال رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير 46 ألف جندي بريطاني لمساعدة الولاياتالمتحدة على الاطاحة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين، ستُبقي بريطانيا على قوة لا تزيد عن بضعة آلاف، على أن يقتصر وجودها على قاعدة جوية وحيدة قرب البصرة. وكان رئيس الحكومة البريطانية غوردن براون أعلن خلال زيارة خاطفة الى البصرة أول من أمس أن القوات البريطانية ستسلم السلطات العراقية مهمات الامن في كامل المحافظة خلال أسبوعين، وفقاً لرئاسة الحكومة البريطانية. وأكد براون أمام القوات البريطانية في البصرة أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أوصى"بنقل السيطرة الى السلطات في محافظة البصرة خلال الاسبوعين المقبلين". وقال وفقاً لناطق في لندن:"تحدثت للتو مع رئيس الوزراء نوري المالكي وطلب مني أن أنقل إليكم شكره لما أنجزتموه من أجل إعادة بناء الديموقراطية في العراق". وأضاف أن"كل العمليات التي قمتم بها خلال الأشهر الماضية، لم تحسن الظروف الأمنية فحسب، بل أنه يوصي الآن بنقل السيطرة في المحافظة إلى السلطات العراقية خلال الأسبوعين المقبلين". وتقول لندن إن قواتها أحسنت أداء مهمتها، وستنتقل مسؤولية المناطق التي كانت تسير فيها دورياتها في جنوبالعراق، إلى جنود ورجال شرطة عراقيين أنهوا تدريبهم حديثاً. وكان وزير الدفاع البريطاني ديس براون قال لوكالة"رويترز"خلال زيارة إلى البصرة قبل شهر إن"الأمور تتحسن هنا لسبب شديد الوضوح، وهو: العراقيون أنفسهم أكثر قدرة على تحمل مسؤولية أمنهم". غير أن نتائج أكبر عملية عسكرية خارجية لبريطانيا خلال 50 عاماً، تبدو غامضة على أحسن تقدير. يقول منتقدون للأداء البريطاني إن البصرة تحولت الى مدينة تطبق فيها ميليشيات شيعية القانون، وتكتب على جدرانها تهديدات بقتل النساء غير المحجبات، في حين خُطف مترجمون عملوا مع القوات البريطانية وعُذبوا وقُتلوا. وكان خبراء غربيون تعاقبوا على اعتبار أن بريطانيا خسرت الحرب. كتب المحلل الأميركي أنتوني كوردسمان من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في آب اغسطس الماضي أن"من الواضح تماماً أن البريطانيين هُزموا. إنهم مهمشون الى حد كبير داخل جيب". وربما يكون هذا الحكم قاسيا جداً. وقال تيم ريبلي الذي يكتب في مجلة"جينز"الدفاعية ل"رويترز"مطلع الأسبوع الماضي إن"حكومة بلير صورت ذلك مهمتها في العراق على أنه جهد باسل لتغيير الشرق الأوسط ليصبح منارة للمنطقة، لكن هذا لم يكن قط هدفاً قابلاً للتحقيق في ضوء الموارد التي خصصتها الحكومة له". وتابع:"لعبوا من أجل التعادل. وأقول إنه تقويم أكثر واقعية. تعادل من دون أهداف في الوقت الاضافي. ليست نتيجة جيدة". إلا أن البصرة اليوم مدينة تعج بالنشاط، إذ تفتح المطاعم أبوابها حتى وقت متأخر من الليل، والشوارع مزدحمة والتجارة مزدهرة على النقيض تماماً من أحياء بغداد التي تحيط بها الأسوار. وتصدر البصرة أكثر من 1.5 مليون برميل من النفط يومياً تمثل جزءاً رئيسياً من إيرادات الحكومة المركزية. لكن المسلحين الذين يسيطرون على شوارع البصرة ليسوا من أصدقاء بريطانيا أو الولاياتالمتحدة، ما قد يثير مشاكل للحكومة العراقية المتحالفة مع الولاياتالمتحدة. وقال ريبلي إن"الهدف كان أن يتحمل المسؤولية أصدقاء لنا. وبعد إرسال هذا العدد الكبير من القوات وإنفاق بلايين الجنيهات الاسترلينية، ماذا حققنا في المقابل؟". وربما تكون أسوأ مرحلة للقوات البريطانية في العراق هي المرحلة الأخيرة. فعلى مدار خمس سنوات تقريباً، سقط 134 جندياً بريطانياً قتلى، قُتل أكثر من 30 منهم خلال الأشهر الأربعة الممتدة من نيسان أبريل الى تموز يوليو الماضيين، وذلك بعد إعلان بلير خطط الانسحاب من البصرة. وكان القائد البريطاني الميجور - جنرال غراهام بينز قال الشهر الماضي:"من أيار مايو الى تموز يوليو، كان لواؤنا في البصرة يقف في مواجهة الميليشيات الشيعية في المدينة، وخاض أعنف المعارك التكتيكية منذ قدمنا الى هنا قبل أربع سنوات". وأضاف:"إذا كان 90 في المئة من أعمال العنف موجهة ضدنا، فماذا سيحدث إذا انسحبنا؟ وهل سيحسن ذلك الوضع بالنسبة إلى المواطن العادي في البصرة؟". وكانت بريطانيا انسحبت من قصر سابق لصدام في وسط البصرة الى قاعدة جوية خارج المدينة، لتنهي بذلك وجودها في شوارع البصرة بعد أربع سنوات ونصف السنة.