زج الأميركيون بآلتهم العسكرية الضخمة في الحرب الكونية الثانية وكان نفطهم يغذي الآلة العسكرية للحلفاء بحوالى 90 في المئة من احتياجاتها النفطية، ففرض سيطرته على الحرب، إذ كانت أميركا امبراطورية نفطية هائلة وحيدة فرضت إرادتها النفطية على الجميع من دون منازع فوصل اعتماد أوروبا عليه في عام 1946 الى حوالى 77 في المئة من إجمالي احتياجاتها من النفط الأميركي مع مولد مشروع مارشال. وابرز الرئيس الأميركي السابق ايزنهاور أهمية وسحر وعظمة ونفوذ النفط في تلك الحقبة من التاريخ قائلاً:"لقد سبح الحلفاء نحو النصر في الحربين العالميتين على بحيرة من النفط"، لا شك في انه كان يقصد بالأساس النفط الأميركي الذي كان يصول ويجول في ذلك الزمان ليمثل المعادلة النفطية كلها. وما بين هجمة انتحاريي بيرل هاربر وانتحاريي البنتاغون ومركز التجارة العالمي أكثر من خمسة عقود، وقبلها لم تمس الأراضي الأميركية، فقد كانت دائماً عصية على الكل حتى الأقوياء. وجاء الرد الأميركي قاسياً وان لم يكن بالقنابل النووية هذه المرة، فالأميركيون طوروا أداء قوتهم العسكرية الضاربة، ليصلوا للعدو من البحار أو الأرض أو الجو، واستخدمت هذه القوة لتضرب تحت مظلة محاربة الإرهاب كهدف معلن، ومن اجل النفط وأمن إسرائيل في الحقيقة. لماذا؟ لأن الأميركيين أدركوا قبل غيرهم أن النفط حيوي وضروري في الحرب والسلم ومصدر أساسي لكل حركة في الحياة المعاصرة، فالنفط الأميركي مادة لها سحر خاص مكنت الولاياتالمتحدة عبر سلسلة زمنية طويلة من التفوق على الجميع منذ اكتشافه على أرضها عام 1859 مروراً بتسعيره عام 1960، إذ انه أول عام يسعر فيه النفط. وكان شعور الأميركيين بأهمية النفط هو السبب الذي جعلهم شديدي الاهتمام به منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، فما ان وضعت تلك الحرب أوزارها حتى بدأ كل الرؤساء الذين استقبلهم البيت الأبيض، يخططون لمستقبل هذه المادة السحرية التي سيطرت على كل مجريات الأحداث في ظل الحرب الباردة، التي كانت مع النفط من أهم أحداث وسمات القرن الماضي. لقد كان النفط دائماً صاحب القوة والنفوذ والتأثير في مجريات الساحة الاقتصادية الدولية، كما انه كان محور الأحداث منذ 1973، وبدأ الصراع العالمي عليه بين القوتين الاتحاد السوفياتي السابق وأميركا الامبراطورية، وما ان انهارت الشيوعية وتحطمت فلسفتها التي أقامها ماركس حتى انفردت الإدارة الأميركية المتعطشة للنفط بقيادة العالم وتوجه الميكروسكوب الأميركي إلى النفط بعيون أكثر لمعاناً وعدوانية. من هنا جاءت السباحة نحو النفط للفوز بالميدالية الذهبية، بعد أن كانت سباحة للهواية ترصدها عيون الاتحاد السوفياتي السابق، وأولى المحطات كانت أفغانستان التي وجه لها الرئيس الأميركي تهمة حضانة الإرهاب فحولتها القوة الأميركية إلى حطام، لتعود الى القرون الوسطى وتضمن أميركا موقعاً استراتيجياً يطل على بحر قزوين باحتياطيه البالغ ما بين 40 و50 بليون برميل. كان ضرب أفغانستان واحتلالها المحطة الأولى في سباحتها من اجل عيون النفط، وبدا في أول الأمر وكأن أميركا نجحت في ما أرادت، ولكن ما جاء بعد يؤكد أن الأمر لم يستتب لأميركا ولن يستتب، فالحرب لا تزال دائرة في ذلك البلد وعادت"طالبان"من جديد الى الواجهة متحدية العم سام، وما زال ابن لادن حياً يرزق، وكل ما حدث تدمير واحتلال دولة مستقلة والهدف الفوز بالاستراتيجية المطلة على نفط بحر قزوين وما بعده! وتأتي السباحة الأضخم والأهم نحو العراق بكنوزه النفطية باحتياطي 115 بليون برميل الذي كان ينتج قبل غزو الكويت 3 ملايين ونصف مليون برميل في اليوم، وهذا الغزو كان مرة أخرى تحت مظلة مكافحة الإرهاب وتضاف إليها أسلحة الدمار الشامل التي كانت كذبة العصر، لكن في الحقيقة كان هدف الغزو هو النفط تلك المادة السحرية التي ما زالت الخيار الأمثل للوقود في العالم. وتم احتلال العراق بغزو غير مسبوق ضد مبادئ الأممالمتحدة وقرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية وكل الأعراف الدولية، لكن من اجل بحيرة النفط العراقية فلتدفن في التراب كل قرارات الأممالمتحدة والديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وعانى العراق الويلات وأعيد الى العهود الغابرة وقتل من أهله أكثر من 665 ألفاً وجرح وعوق مئات الآلاف والحبل على الجرار، والأسوأ قادم وهو الحرب الأهلية والتقسيم. واعدم صدام حسين بعد مسرحية تمثل مهزلة من مهازل التاريخ، افتقدت لجميع عناصر المحاكمات العادلة حتى في العصور البدائية، ونفذ حكم الإعدام بشكل استفزازي يوضح الحقد الدفين، وتم اختيار وقت التنفيذ عن قصد وسوء طوية على رغم ان الدستور العراقي الجديد يمنع تنفيذ حكم الإعدام في الأعياد، ليستفز مشاعر المسلمين، كما قصد منه تأجيج المشاعر وبث روح العداء والكراهية، وكان تنفيذ الإعدام في الأشهر الحرم في فجر يوم العيد يوم الحج الأكبر، إذ يصل حجاج بيت الله الحرام الى منى لذبح الأضاحي ورمي الجمرات، اليوم الذي يحتفل المسلمون في أركان المعمورة بعيدهم، ليعلن المالكي وحكومته والرئيس بوش وادارته سعادتهم بهذا الانجاز البربري بما يحمله من احتقار لكرامة الإنسان أينما كان. وكان الكثيرون ينتظرون ان تمتد إجراءات المحاكمة إلى حلبجة والحرب العراقية - الإيرانية وغزو الكويت، ليثبت من هو المحرض والمزود بالأسلحة الكيماوية والآلة العسكرية! ولمصلحة من كانت تلك الحروب! فكان لهذه المحاكمة الهزلية ان تستغرق سنوات، اذا اتبعت الاجراءات القانونية السليمة لتأخذ العدالة مجراها لرجل حكم بلاده لأكثر من عقدين من الزمن، فهل كان الاستعجال في تنفيذ حكم الإعدام خوفاً من أن يكشف المستور في المحاكمات المقبلة؟ وترقد أميركا اليوم بعد احتلالها ومعها بريطانيا للعراق وإعدام صدام على محيط نفطي شاسع فى بلاد الرافدين وموقع استراتيجي في أفغانستان، لكن المؤكد أن الحروب النفطية لن تساعد الإدارة الأميركية في سد عطش الولاياتالمتحدة من النفط وهي التي تستهلك حوالى 25 في المئة من استهلاك النفط العالمي، على رغم أن عدد سكانها لا يتجاوز 5 في المئة من إجمالي سكان العالم، وكلنا ندرك مدى أهمية النفط للعالم خصوصاً بالنسبة إلى أميركا التي عاش شعبها على الرفاه النفطي والاقتصادي، وسد حاجة الشعب الأميركي الذي يتجاوز استهلاكه من النفط 20 مليون برميل في اليوم، يأخذ أولوية مهمة لدولة احتياطيها النفطي لا يتجاوز 22 بليون برميل وهو في طريقه للنفاد مع الاستهلاك الكبير مقارنا بالاحتياطي الذي يتناقص مع زيادة الإنتاج. لكن هذا المطلب لم ولن يتحقق بشن الحروب المدمرة التي لم تكسبها أميركا بل كل ما جنته أنها أصابت التاريخ والصدقية الأميركية في مقتل. ان الأسلوب الأمثل الذي تستطيع أميركا به ضمان تدفق النفط إلى شرايين اقتصادها لتحتفظ بتقدمها التكنولوجي ورفاهية شعبها هو عقد الاتفاقات القصيرة والطويلة الأجل والتعاون مع الدول لاكتشاف النفط والتنقيب عنه وتطوير الحقول المكتشفة والاستثمار في كل مجالات النفط ويعود على أميركا بالخير والسلام أيضاً بما ينفع البشرية، فالإدارة الأميركية أنفقت حتى الآن أكثر من 400 بليون دولار على حربها في العراق وحدها وكان الأجدى لها الاستثمار في الطاقة وتجنيب العالم والشعب الأميركي ويلات تلك الحروب الخاسرة المدمرة، فالحروب لا تجدي وإنما تولد الحقد والكراهية والعنف والتطرف، ولأميركا تجارب منها فيتناموأفغانستانوالعراق وغيرها، فمتى تفهم هذه الدولة التي يفترض انها بلغت سن الرشد هذه الدروس؟ * مفكر سعودي - رئيس مركز الخليج العربي لدراسات استشارات الطاقة