الكاتبة الجزائرية مليكة مقدم، المقيمة راهناً في فرنسا اعترفت أثناء لقاء جمعها أخيراً في مركز الثقافة والفنون في الجزائر العاصمة مع جمهورها الجزائري بأن روايتها الأخيرة"رجالي"التي صدرت في بداية هذا العام عن منشورات غراسي في باريس هي رسالة موجهة بالدرجة الأولى الى والدها. وقالت إنها عادت الى الجزائر،"ووجدت أبي كما كان في السابق، كما كان دائماً لا يعرفني جيداً، وهو لا يعرف حتى القراءة التي تمكنه من معرفتي في الشكل الذي أنا عليه، حتى تصل إليه رسالتي بوضوح كما تمنيت ذلك، على رغم أنه فخور بنجاحي الأدبي، فخور عندما يشاهدني على محطات التلفزيون الفرنسية". وقالت عن روايتها الأخيرة التي أسالت الكثير من الحبر في الصحافة الجزائرية تبعاً لجرأتها:"والدي لا يعرف أي شيء عن الرجال الذين صادفوني في الحياة، وتعرفت اليهم، ذلك أنه لم يرغب أبداً في التعرف إليهم أو حتى رؤيتهم". جاءت مليكة مقدم الى الجزائر كي تدافع عن روايتها الجديدة، التي صدرت أخيراً في طبعة جزائرية ضمن منشورات"سيديا"التي تطبع الكثير من الأعمال الجزائرية التي تنشر في فرنسا، بغية بيعها بأثمان معقولة للقارئ الجزائري. لكنّ المفاجأة غير المتوقعة، كانت في رفض وزارة الثقافة الجزائرية طلب الناشر ترجمة هذا العمل الى العربية ضمن نشاطات"الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007"، وهو الأمر الذي استغربته الكاتبة وإن لم تخف انزعاجها من هذه المبادرات التي تسيء الى الجزائر وثقافتها العصرية. وربما المثير في الأمر أن حجة الرفض ارتبطت ضمناً بتهمة"لا أخلاقية الرواية"على رغم أن روايات مليكة مقدم على العموم لا تنتمي الى الأدب الفاضح. فهي تكتب نصوصاً سردية تحكي بشفافية حالات المرأة وأوضاعها المزرية في مجتمع متخلف، ومحكوم بإرث من التقاليد التي تحكم على المرأة بالنقصان والقصور. أي أن الحجة باطلة على العموم، ولهذا تحدثت مليكة بأسى عن الرقابة وإن لم تستغربها قائلة:"تعلمون أن الرقابة في بلادنا ساعدتني قديماً على إعادة بناء نفسي، منذ الطفولة كنا مسيجين بالمحرمات، بالعيون التي تراقب تحركاتنا. لقد سجنت مرة في البيت مدة أربعة أشهر بين أربعة جدران. وعندما يكون إخوتي الذكور في البيت لم أكن استطيع الخروج، لهذا كان ملجأي الوحيد هو القراءة. كنت أحمل دائماً كتاباً بين يدي، وأنا أنظر الى إخوتي، وأقول في نفسي:"آه لو تعلمون ماذا أقرأ". وأضافت:"عبر هذا الحرمان تعلمت فضيلة القراءة وحب الكتب، وطريق الحرية". وقالت أيضاً:"الرقابة على رواية أدبية أعتبرها حقاً فعلاً غبياً للغاية". واستغربت أن هذه الرواية التي تباع باللغة العربية في المغرب وتونس تمنع عن القارئ الجزائري المعرّب، بحجة أنها تمس بأخلاق المجتمع أو بشيء من هذا القبيل. وفي تصورها أن دلالة ذلك واضحة ولا تحتاج إلى تحليلات كثيرة، وهي أن وزارة الثقافة تنظر الى الجزائري على أنه قاصر لا يستطيع الحكم بنفسه على أي شيء". تعتبر مليكة مقدم أن فعل الكتابة هو سلاح للتحرر، فعل حرية. ولدت مليكة مقدم عام 1949 في منطقة القنادسة ولاية بشار غرب الصحراء الجزائرية وغادرت الجزائر عام 1977 لتكمل دراستها العليا في الطب، وتعمل بعدها كطبيبة مع الحفاظ على علاقة سرية بالكتابة حتى نشر روايتها الأولى"الرجال الذين يمشون"وهي جلبت لها شهرة في الساحة الثقافية الفرنسية. وواصلت تجربتها الروائية في خط بقي يلازمها يتمازج فيه التخييل بالحكي السير - ذاتي، وهي تحفر في كل رواية من رواياتها داخل ما يسميه ميلان كونديرا بپ"بئر الماضي". توقفت مليكة عن عملها كطبيبة عام 1985 بعدما قررت أن تتفرغ للكتابة الروائية، مانحة اياها الوقت الكافي والجهد اللازم، لأن الرواية بحسب مليكة، عمل منظم ويحتاج إلى وقت لكي ينضج. الترجمة الوحيدة التي صدرت لإحدى رواياتها في الجزائر كانت بمبادرة من جمعية"الاختلاف"عام 2003 ووقعها الناقد والروائي محمد ساري، ونفدت الطبعة الأولى في غضون شهور. أما في العالم العربي فنشرت بعض أعمالها لدى المركز الثقافي العربي، على رغم التحفظات التي يمكن أن يلاحظها قارئ جزائري على مثل هذه الترجمات لأن خصوصية البيئة لها موقعها حتماً، وهذا ما يتطلب ربما إيلاء هذه المهمة الى مترجمين جزائريين مستقبلاً لئلا تترجم مدينة في جاية مثلاً وهي تنطق بالفرنسية"بوجي"إلى شمعة وغير ذلك كثير... بقيت ملاحظة أخيرة على قدر كبير من الأهمية وهي أن موضع الرقابة الذي ظهر في مناسبة نشاطات الجزائر عاصمة للثقافة العربية لم يثر أي نقاش ولم يندد به كتابنا الكبار، ولم يرَ فيه إلا قلة اختراقاً للحريات التي طالما تغنى بها الكتاب الجزائريون حيال العالم العربي، وهو ما يؤسف له حتماً.