ليس معنى تخلي الدول العربية عن مساندة "حزب الله" انها تهمل الحقوق الوطنية المشروعة للفلسطينيين واللبنانيين، ولا قبولها بقصف المدنيين العزل، ولا رضوخاً لإذلال المسلمين أو الثأر من صلاح الدين. فهو، أي التخلي هذا، جواب سؤال مختلف تماماً: هل يقبل المواطنون الأحرار، في أوروبا أو في لبنان، نصب سلاح بجوار بيوتهم وفي قراهم، يخدم ايديولوجيا توتاليتارية تجهر بالفم الملآن أن هدفها تدمير حضارتهم؟ فالحق أن الوقت حان لطرح هذا السؤال، وذلك على نحو ما طرح سابقاً في ظروف شبيهة. ففي آذار مارس 1936، عندما أدخل هتلر السلاح الى رينانيا، المنزوعة السلاح، تغاضى رئيسا الحكومتين البريطانية والفرنسية، هاليفاكس وبلوم، عن الاستفزاز، فكان لا مناص من الحرب. وفي تشرين الأول اكتوبر 1962، لم يتغاض الاخوان جون وروبيرت كينيدي عن نصب صواريخ سوفياتية بكوبا، فنعم العالم بالسلام. وفي تموز يوليو 2006، ماذا علينا أن نفعل رداً على نصب صواريخ سورية - إيرانية على ساحل البحر المتوسط؟ فالرضوخ لهذه الصواريخ بذريعة مساندة القضية الفلسطينية وتأييدها خدمة مسمومة تسدى الى الشعب الشهيد. والتساهل فيها، بذريعة أن الولاياتالمتحدة تسلح اسرائيل، يسوي بين سلاح بلد ديموقراطي، على رغم نازعه الى السيطرة، وسلاح ديكتاتورية تحلم بالهيمنة. وتجاهل الصواريخ بذريعة أن شطراً عظيماً من انتاج النفط يمر بمضيق هرمز، ليس إلا صفقة ساذجة كتلك التي حصلت في 1936. وعليه، ان للقادة العرب أن يضطلعوا مسؤولياتهم. فهل هم جادون في فصل المعتقد عن السلطة السياسية؟ وهل حزموا أمرهم في رفض ميليشيات ارهابية على أراضيهم؟ وهل هم مستعدون لمرابطة قوات دولية تتولى مساعدة الشعوب المحتجزة رهائن على التخلص منها؟ ويخطئ القادة العرب اذا اعتقدوا أن الإجابة بالنفي تنقذهم من سخط الرأي العام في بلدانهم، وتفرض احترامهم على المجتمع الدولي. فالإجابة بالنفي لن تفعل غير ارجاء تقويضهم عن يد حلفاء آيات الله الايرانيين، ومن خلفهم الشعوبية القديمة. وقد تستهدف الصواريخ المصوّبة اليوم نحو حيفا وتل أبيب عواصم عربية واسلامية، قبل تصويبها الى روما ومدريد ولندن وباريس. وساعة الحقيقة دنت، ولا مناص من اختيار الدول معسكرها. عن جاك أتالي ، "لكسبريس" الفرنسية ، 3/8/2006