عاشت إيران طوال تاريخها الحديث على العطف و(الدلال) الشعوبي والمذهبي والوطني، تظلّلت تحت الشعوبية الفارسية، والمذهبية الشيعية، والوطنية الإيرانية، وتنقّلت بين هذه المحاور الثلاثة، فكل الشعوب تعمل على ثوابتها ومكونها السكاني والثقافي لكن إيران تحاول تصديره وفرضه على محيطها وجوارها الدولي: نشر المذهب الشيعي غرباً، حيث العرب، التوسع المذهبي. التوسع الشعوبي، تمتد شرقاً، حيث دول آسيا الوسطى بهدف التوسع الشعوبي من خلال الانتماء للعرق الفارسي. تفرض الولاء الوطني الإيراني رغم احتلالها لأراضي البلوش والعرب الأحواز والأذريين والأتراك والتركمان والأكراد. فهي تنفذ هذه الأجندة جبرية بقوة السلاح والهيمنة السياسية وفي حالات عبر استغلال العاطفة الشعوبية والمذهبية والوطنية، فقد نصبت من نفسها حامياً لجميع الفرس في آسيا، والحامية لجميع شيعة العالم، وتعتقد بهذا الادعاء أنها تملك الحق في احتلال شعوب وأراضي الدول المجاورة لها باعتبارها من الحقوق التاريخية. تحت مظلة الأصول والأعراق الفارسية في وسط وشرق آسيا لا يعقل ولا تستطيع إيران أن تنسب أعراقاً فارسية في: أفغانستان، أوزباكستان، طاجكستان، العراق، البحرين وبعض دول الخليج ووفي أوروبا وأمريكا. تنسبها إلى نفسها لمجرد أن مجموعات فارسية هاجرت من إيران واستوطنت دولاً أن تكون هذه الدول بالتبعية إيرانية وتعتبرهم من شعوبها، لو كان هذا المبدأ الشعوبي والفرز الديني سائداً لقسمت دول العالم حسب المذهب والعنصر، وأصبحت الصين لها حقوق وطنية في جميع الأحياء الصينية المنتشرة حول العالم ومثلهم شعوب من الباكستان والبنغال والإندونيسيين والهند والأفارقة والمكسيك في أوروبا وأمريكا، كذلك لو كانت هذه المظلة المذهبية هي معيار فرز الشعوب والدول لأصبح جميع أهل السنة والجماعة يتبعون لدولة واحدة أو دولتين. الغريب أن إيران الدولة التي تدّعي وتنادي بالشعوبية - العنصر البشري - والمذهبية هي أسرع الإمبراطوريات انهياراً في التاريخ، حيث بدأ الفتح الإسلامي في بلاد فارس زمن خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبو بكر الصديق رضي الله عنه عام (633) م، أما الفتح الشامل وسقوط إمبراطورية فارس (الدولة الساسانية) فكانت زمن الخليفة عمر بن الخطاب لم يستغرق سقوط فارس سوى سنتين تقريباً ( 642 - 644م )، ومن عوامل الانهيار هي محاولة إمبراطورية ساسان الفارسية الإيرانية تصدير سياستها وثقافتها ورغبتها التوسعية غرب الخليج العراق والشام واحتلال الأرضي والشعوب المحيطة بالهضبة الإيرانية، لذا عندما جاء الفتح الإسلامي لم تصمد إيران ومملكة فارس طويلاً فانهارت لتفتح المجال لوصول الدولة الإسلامية لدول شرق وجنوب آسيا. وإيران بسلوكها الحالي تعيد حكاية التاريخ وتنكفي على نفسها.