يصعب، إن لم يكن مستحيلاً، على الإعلامي أياً كان موقعه ومدى خبرته فصله عن بيئته ومحيطه الذي يعيش تحت مسميات الحياد وعدم الانفعال وإبداء المشاعر الإنسانية التي لا يمكن ضبطها في كل زمان ومكان . تتكرر هذه السمة يومياً مع مراسلي الفضائيات العربية التي تواكب تفاصيل الغارات والقصف الإسرائيلي الهمجي على القرى والبلدات اللبنانية خصوصاً أن معظمهم من تلك القرى والبلدات المدمرة والمنكل بأهلها. مراسلة"الجزيرة"كاتيا ناصر كانت من النماذج المعبرة عما شهده وعاشه المراسلون العرب خلال استهداف محطات الإرسال والاتصالات ثم الحافلات التي تقلهم في إحدى المناطق الجنوبية لتحول الطائرات الإسرائيلية المراسلين إلى طرف في الحرب المفتوحة على كل الاحتمالات ، فالمراسلة المذكورة والتي كانت حاضرة على الهواء باستمرار للتعليق على ما يجري في أحد قطاعات الحرب جنوبلبنان على الهواء المباشر، غابت مساء الجمعة صورة ليظهر صوتها غاضباً بالغ التأثر بما لاقته مع زملاء خلال وقائع الأيام العشرة الأولى من الحرب ناقلة ذلك الغضب والانزعاج الى المشاهد المكبل أمام الشاشة. ويبلغ التأثر وامتزاج الحدث بمشاعر المراسل والمشاهد غالباً، ذروته مع تغطية بعض المحطات وبخاصة"إل بي سي"لاستشهاد الزميل سليمان الشدياق العامل في إحدى محطات البث التابعة لتلك الفضائية ثم المصورة الصحافية ليال نجيب وقبلها استهداف محطة تلفزيون المنار بقصف جوي مباشر ما أعاد التذكير بالاستهداف الإسرائيلي للصحافيين في مصادمات سابقة في الخليل وجنين وغزة في الأراضي الفلسطينية، والاميركي في بغداد والبصرة . المراسل في استهدافه وتحويله إلى طرف في القتال لا يمكن أن يكون حيادياً مهما حاول وربما يمكن القول ان تماسه المباشر ومعاينته مشاهد الدم والدمار يزيد الأمر تعقيداً إذا ما قورن رد فعله مع المذيع أو المقدم الجالس على بعد آلاف الكيلومترات والمتعامل مع مثل ذلك الحدث يومياً. طغيان الجوانب الإنسانية على الرسائل التلفزيونية التي تغطي أنباء العداون، أعطاها مصداقية أكبر، وبخاصة لدى المشاهد العربي المتفاعل مع الحدث اللبناني لحظة بلحظة كما يدل الاستنفار الفضائي العربي. والمراسل التلفزيوني في كل تلك الأحداث ليس مجرد آلة تصف ما تراه أمامها بل ثمة نقل تؤديه نبرة الصوت وملامح الوجه والتعليق الشخصي على الحدث.