نائب رئيس هيئة الأركان العامة يتفقد قيادة منطقة الطائف وقيادة المنطقة الغربية وقيادة منطقة المدينة المنورة    مجموعة stc تعزز التزامها بتمكين التحول الرقمي في عدة قطاعات من خلال شراكتها الاستراتيجية مع مؤتمر "ليب 2025"    «سلام».. منصة تمكّن المواهب السعودية وبيئة تُلهم وتُحفّز    «السعودي للتنمية» يشارك في افتتاح المشروع الإسكاني بوادي السيل والقلالي في البحرين    «سلمان للإغاثة» يسلّم 192 طنًا من المساعدات الإغاثية لصالح المتضررين من إعصار «بيريل» في دولة غرينادا    الأخضر السعودي تحت "20 عاماً" يخسر ودية إيران .. استعداداً لكأس آسيا    مصر: مخطط إسرائيل لتهجير الفلسطينيين كارثي ويهدد التفاوض    البرازيلي مارسيلو يعلن اعتزاله كرة القدم    أرتيتا : أرسنال لديه الكثير للقتال عليه في الموسم    نيمار: سأرد على جيسوس في الملعب    وزارة الرياضة تعلن فوز مصرف الإنماء بعقد استثمار حقوق تسمية ملعب مدينة الملك عبدالله الرياضية بجدة    تفقد المرافق العدلية في الأحساء.. الصمعاني: خدمة المستفيدين أولوية    الحميدي الرخيص في ذمة الله    إحباط تهريب 30 ألف قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    3 مواجهات في انطلاق الجولة ال 19 من دوري روشن للمحترفين    أمير القصيم يستقبل مديري المجاهدين السابق والجديد    ترمب: إسرائيل ستسلم غزة لأمريكا بعد انتهاء القتال    إنجاز عالمي لمصور سعودي على لائحة الجوائز العالمية    ولي العهد يطلق تسمية "مجمع الملك سلمان" على منطقة صناعة السيارات بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية    تسارع وتيرة نمو مبيعات التجزئة في اليورو خلال ديسمبر    القتل تعزيراً لمهرب الإمفيتامين في مكة    "هيئة الطرق": طريق "الحقو – الريث" محور مهم لربط جازان بعسير    مجموعة تداول السعودية تنظّم النسخة الخامسة لملتقى الأسواق المالية في الرياض    «العفو الدولية»: خطة ترامب بشأن غزة «مخزية وغير قانونية»    ثبات محمد بن سلمان    «8» سنوات للأمير سعود في خدمة المدينة المنورة    توقيت نومك.. يتحكم في مزاجك    انطلاق منافسات "LIV Golf الرياض" بمشاركة نخبة لاعبي الجولف عالميًا    مستشفى سعودي يحصد المرتبة ال 15 عالمياً ويتصدر منشآت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    إطلاق برنامج التعداد الشتوي للطيور المائية في محمية جزر فرسان    الرئيس الأوكراني: مستعدون للتفاوض مع بوتين    الرديني يحتفل بعقد قران نجله ساهر    آدم ينير منزل شريف    الشريف والمزين يزفان محمد    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عن سمو ولي العهد.. أمير منطقة الرياض يتوج الفائزين في مهرجان خادم الحرمين الشريفين للهجن    إطلاق معرض «آرت نهيل» لدعم الحرفيين    الموت يغيب الفنان صالح العويل    لبلب شبهها ب «جعفر العمدة».. امرأة تقاضي زوجها    رعي الحفل الختامي لمسابقة التحفيظ .. أمير الرياض: القيادة تهتم بالقرآن الكريم وحفظته والقائمين عليه    النزاهة مفهوم عصري    مفتي عام المملكة يستقبل المشرف على وحدة التوعية الفكرية بجامعة الملك فيصل    الرئيس عون يتعهد وزيارة أميركية مرتقبة لبيروت.. حراك داخلي وخارجي لتسريع تشكيل الحكومة اللبنانية    ضبط مواطنًا لإشعاله النار في أراضي الغطاء النباتي في منطقة الرياض    «الصحة»: إحالة مدعي الطب البديل لجهات الاختصاص لمحاسبته    رفقاً بمحاربي السرطان    التأسيس عز وفخر    قاعدة: الأصل براءة الذمة    الترجمة تلاقح ثقافي بين الحضارات    مركز القرار.. السياسة الإنسانية الحصيفة تنشر السلام    حسام بن سعود يعتمد نتائج جائزة الباحة للإبداع والتميز    هيئة فنون الطهي تنظّم مهرجان ثقافة الطعام    تكريم عراب التدوين القشعمي بملتقى قراءة النص    معادلة السعودية «الذهبية»    صفحة بيت    إقامة ورشة عمل حول " توسيع أفق بحوث العلاج في أمراض الروماتيزم " الملتقى العلمي الدولي ٢٠٢٥    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    بقعة زيت قلبت سيارتها 4 مرات.. نجاة ابنة المنتصر بالله من الموت    الرئيس السوري أحمد الشرع يغادر جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحد أبرز مخرجي المسرح العراقي والعربي . عوني كرومي مات بعيداً عن بغداد
نشر في الحياة يوم 01 - 03 - 2010

رحل عوني كرّومي في أحد مستشفيات منفاه البرليني، تاركاً المسرح العربي في حالة ذهول ليست ببعيدة عن مناخات تلك الأعمال التي برز من خلالها قبل عقدين، وكان يبنيها دائماً عند الحدّ الفاصل بين الطوباويّة والفجيعة.
في ثمانينات القرن المنصرم في بغداد، اكتشفنا المخرج الذي كان يغرّد خارج سربه في عزّ السنوات الرمادية، والحرب العراقيّة - الايرانيّة في أوجها. لم يكن أحد مهتماً آنذاك بالديموقراطيّة وحقوق الانسان في العراق، وكان كرّومي يعيش مهمّشاً ومحاصراً، خارج المؤسسة الرسميّة. بل ان الاجهزة المشرفة على الثقافة راحت تنظر إليه بعين الشبهة، بسبب النبرة المتشائمة لأعماله. وتهمة"التشاؤم"، الخطيرة في عزّ التعبئة من أجل الحرب، ألصقت به بعد تقديم مسرحيّة"ترنيمة الكرسي الهزّاز". يومها ذهل ضيوف مهرجان بغداد المسرحي بهذا العرض الذي قدّم في بيت تقليدي على ضفاف دجلة، في شكل احتفال طقوسي، تحييه أم وأخت في انتظار الجندي الذي لن يعود من الحرب.
احتلّ كرّومي موقعه بين أبرز مسرحيي جيله، قبل ذلك التكريس بسنوات. بعد تخرّجه في معهد الفنون الجميلة في بغداد سنة 1965، وإكماله الدراسات العليا في برلين الشرقيّة حينذاك، بين 1972 1976، مضى في سبر أغوار المدرسة البريختيّة، وصار يعتبر بين الأبرز في المسرح العراقي، مع صلاح القصب في"الداخل"يومذاك، وجواد الأسدي في"الخارج"، وسواهما.
ولد عوني كرّومي في نينوى عام 1945، ويروي أنّه أحبّ المسرح حين وقع في حفرة بالمصادفة، فتعرّف إلى قبور مدينته وكنوزها الأشورية. بدأ المسرح في وقت مبكّر، مدركاً أنّه نشاط اجتماعي وسياسي. درس الفن في معهد الفنون وأكاديمية الفنون في بغداد ومثل في مسرحيات كثيرة. ودار مشروع تخرّجه حول"كاليغولا"الذي يبحث عن المستحيل والحرية المطلقة ويسأل عن معنى الوجود. دخل في حوار مع نيكوس كازانتزاكيس في"المسيح يصلب من جديد". سافر إلى ألمانيا"في الفترة التي مات فيها غيفارا وبدأت الثورات تتمخّض عن الخيبة"، كما كان يردد، فوجد ملاذه في هاينر مولر... ومن خلال علاقته بالرجل وابداعه أدرك صعوبة التغيير وصعوبة البناء بعد الثورة بين فخ البيروقراطية وشبح الارستقراطية الفكرية. غاص كرّومي على الميثولوجيا العراقية - السومرية بحثاً عن هوية أو جذور لمسرحه، فقدم"رثاء أور"النص السومري الذي يعود الى الألف الثالث قبل الميلاد كجواب على التشرد والدمار والحرب.
وعاد من برلين إلى بغداد محملاً بپ"جنون جيل السبعينات"، وبإرث برتولت بريخت الذي ساهم في بعثه على خشبات المسرح العراقي، مع "حياة غاليليه"1978 وپ"كوريولانوس"1979 وپ"رؤى سيمون ماشار"1980. وجاءت الحرب، لتغرقه في حال من الانعزال والبحث عن لغة بديلة وجدها في الطقوسيّة والاحتفاليّة. كان يرى في الحرب مع ايران"تجسيداً للعبث بكل معانيه، والكذبة الكبرى بكل خلفياتها السياسية والايديولوجية، تلك التي خرجنا منها بعدد هائل من الشهداء والقتلى والمعوقين".
استعاد عوني الصبي الصغير الذي مثل دوره مبتدئاً، ذلك الذي يأتي ليعلن تأجيل وصول"غودو"في مسرحيّة بيكيت الشهيرة. أيقن أن الخلاص مؤجل، وراح يبحث في أعماله عن ذلك الخلاص، من خلال أعمال فاروق محمد في"الغائب"الذي لا يعود ولا ينقذ وهو مجهول ومنتظر. وكانت"ترنيمة الكرسي الهزاز"صرخة يأس مدوّية وجميلة وجنائزيّة، ما زال يذكرها أهل المسرح العربي جيّداً. كأن البيت البغدادي الذي قدم فيه العمل هو وطن يخنق أبناءه ويدفعهم الى عزلة دائمة وانتظار المستحيل. وتتالت أعماله في العراق"صراخ الصمت الأخرس"،"بئر وشناشيل"لعباس حربي... وبعد غزو الكويت، أخرج"الطائر الأزرق"في الأردن،"الخال فانيا"وپ"القشة وانتيغون"التي تطرح أسئلة الديموقراطية الغائبة. ثم خرج كرومي من بلاده، عاد إلى برلين التي احتضنت أحلام شبابه، ليعمل في مسرح"الرور"ممثلاً ومخرجاً، ومدرساً في جامعة همبولدت. ونشط في عواصم عربيّة عدّة: من القاهرة حيث أشرف على ورشات عمل وقدّم عملين في"مسرح الهناجر"، إلى بيروت حيث عمل في"مسرح المدينة"، مع ممثلين شبان، على أحد نصوص الكاتب النروجي آرلنك كيتلسن، مروراً بدمشق حيث قدّم مع طلاب"المعهد العالي للفنون المسرحية"مسرحية"العرس"عن نص برتولت بريخت"عرس لدى البورجوازيّة الصغيرة" التي أثارت جرأتها الرقابة، وتبقى في الذاكرة كأحد أجمل تجارب المسرح العربي في العقود الأخيرة.
وضع عوني كرّومي مؤلفات نظريّة تعتبر امتداداً لتجربته في الاخراج. منها:"وظيفة المخرج في المسرح"،"اطروحات في المسرح العراقي القديم"،"غروتوفسكي والمسرح الفقير"،"الاغتراب في المسرح العربي"،"فن التمثيل"...
رحل عوني كرّومي قبل أن يكمل مسيرته الابداعيّة، وكانت حياته زاخرة بالمشاريع. يستقبل الاصحاب في منزله في برلين، يحكي لهم عن بغداد البعيدة، عن طريق العودة المستحيلة... أو يرافق ضيوفه العرب إلى المقبرة القريبة، ليزوروا قبر برتولت بريخت وهيلينا فايغل. الآن ها هو عوني الذي فشل في استعادة وطنه، يبحث لنفسه عن مقبرة تتسع له في برلين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.