يتوجه نحو 47 مليون ناخب إيطالي اليوم وغداً إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لتجديد البرلمان الإيطالي بشقيه، مجلس النواب ومجلس الشيوخ، والذي يُفترض أن يحدد مسارات السياسة والحكم في إيطاليا في السنوات الخمس المقبلة. وتعتبر هذه المواجهة الانتخابية واحدة من أهم محطات السياسة الإيطالية وأخطرها في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ونشوء الجمهورية الإيطالية العام 1946، نظراً إلى أن المنتصر سيدفع بالطرف الآخر إلى خارج الحلبة السياسية، بعدما شهدت سنوات حكم سيلفيو بيرلوسكوني الخمس الماضية احتداماً لا مثيل له بين ائتلافه الحاكم الذي يقوده، وائتلاف يسار الوسط بزعامة رئيس المفوضية الأوروبية السابق رومانو برودي الذي تَشكَّلَ بعد محاولات وتعقيدات كثيرة ويضم في صفوفه الكثير من المتناقضات. وإذا كانت استطلاعات الرأي أشارت إلى تقدم ضئيل لائتلاف برودي، فإن التباينات الكبيرة والاختلافات في المواقف من عدد من القضايا المهمة، كالسياسة الخارجية والبيئة وقوانين العمل والتقاعد وقوانين العائلة، يمكن أن تشكّل سيفا فوق رأس الحكومة التي ستتشكل في حال فوز برودي على بيرلوسكوني. وفي هذا السياق يبدو ائتلاف بيرلوسكوني، ظاهرياً، بمنأى عن الاحتدامات الداخلية. إلاّ أن فشله في تحقيق تقدّم على صعيد الاقتصاد أفقده الكثير من الوهج الإعلامي الذي كان تقدّم به إلى الناخبين العام 2001 وحصد بواسطته غالبية برلمانية مطلقة. وقال جانفرانكو فيني نائب رئيس الوزراء رئيس حزب التحالف الوطني اليميني:"بالنسبة إلى مجلس النواب، النتيجة ستكون محسومة مع علاوة الغالبية التي يحصل عليها الائتلاف الذي يأتي في الصدارة. لكن في مجلس الشيوخ، تكون علاوة الغالبية هذه على أساس إقليمي يكون فيه لنتائج ثلاثة أقاليم هي بيمونتي وبولييه ولاتيوم، تأثير حاسم". وتعتبر نتيجة الانتخابات غير مؤكدة في هذه الأقاليم ذات الكثافة السكانية العالية. وإقليم بيمونتي يمكن أن يكون حاسماً بالنسبة إلى بيرلوسكوني، كما كانت أوهايو الأميركية بالنسبة إلى الرئيس جورج بوش. وإذا لم يفز بيرلوسكوني في بيمونتي، فمعنى ذلك فقدانه مجلس الشيوخ. وفي هذه المعركة الانتخابية التي اعتُبرت إحدى أطول المعارك في العالم على الإطلاق كونها بدأت منذ أكثر من سنتين، واستخدمت فيها كل الوسائل، ولم يبخل أي من الطرفين على منافسه بالنعوت والشتائم أو الاتهام بالعجز والكذب، ما أدخل المواطن العادي في دوّامة المجهول زادت من ظلمته الوعود التي لامست"جيوب"الناخبين. وفيما أكد برودي عزمه على حل الأزمة الاقتصادية من خلال محاربة التهرّب الضريبي، وعد بيرلوسكوني ب"إلغاء الضريبة البلدية المفروضة على أصحاب البيوت الذين يمتلكون بيتاً واحداً لسكناهم فقط". وعلى رغم أن تنفيذ هذا الوعد، في حال انتصار بيرلوسكوني، لن يوفر أكثر من 1.5 في المئة من العجز في الموازنة الإيطالية إلا أنه أدى إلى بلبلة كبيرة في صفوف المواطنين، ما دفع جبهة برودي إلى بذل جهد مضاعف لتفسير ما اعتبرته"خداعاً كبيراً للمواطنين من رئيس الحكومة". مهما تكن النتائج، فإن هذه الجولة الانتخابية تبدو ثورة جديدة، ولن تعود السياسة الإيطالية إلى ما كانت عليه قبل الانتخابات. وكما قلبت تحقيقات نيابة ميلانو حول الفساد المالي والسياسي العام 1992 موازين القوى وغيّبت أحزاباً كبيرة، كالحزب الديموقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي، فإن هذه المعركة الانتخابية ستُخرج أحد الطرفين المتقابلين من الحلبة نهائياً أو تُحجّمه في شكل كبير ما لن يعود بإمكانه المنافسة الجادة في المستقبل. ويتحيّن اليسار وائتلاف برودي الفرصة لإنهاء"زمن بيرلوسكوني"الذي هيمن في السنوات الخمس الأخيرة على الحكم والاقتصاد والإعلام في شكل شبه مطلق، في حين يأمل بيرلوسكوني كتابة كلمة النهاية على ائتلاف برودي بيده وبداية مرحلة جديدة من السيادة المطلقة على إيطاليا بزعامته. وإلى جانب ما يطمح إليه كل من الطرفين، فإن كثيرين يتوقعون"تعادلاً سلبياً"يحول دون تشكيل حكومة قوية لفترة طويلة، ما يُدخل إيطاليا في دوّامة جمود سياسي خطر.