النوم نعمة عظيمة من نعم الله، وهو عملية فيزيولوجية معقدة يمر بها الإنسان يوميًا لكي يستعيد الجسم نشاطه ويستعيد الذهن يقظته وتركيزه، وعلى الرغم من أن هذه العملية تحدث يوميًا إلا أن الكثير لا يدركون أو يتجاهلون أهميتها مما ينعكس سلبًا على صحة الإنسان وعلى الكثير من أموره الحياتية، وقد أثبتت الأبحاث العلمية التجريبية أن النوم غير الطبيعي الناتج عن نقص عدد ساعات النوم أو حدوث اضطرابات خلال النوم يؤدي إلى زيادة النعاس ونقص التركيز والبطء في ردة الفعل للعوارض المفاجئة، وهو أمر يدركه أكثر الناس. ومن مضاعفات اضطرابات النوم الخطيرة زيادة حوادث السيارات الناتجة ع ن نوم السائقين. وهذا يقودنا للحديث عن أسباب زيادة النعاس التي قد تؤدي إلى نوم السائق خلف عجلة القيادة، وهي كثيرة أهمها وأكثرها شيوعًا عدم الحصول على ساعات نوم كافية أثناء الليل، وهو سبب شائع يتعلق بنمط حياة الشخص وظروف عمله، ونقص النوم أصبح مشكلة عالمية بسبب التغيرات التي صاحبت المدنية الحديثة، ويبدو أن هذه المشكلة شائعة في المملكة؛ حيث أظهرت بعض الدراسات التي أجريناها وأجراها زملاء آخرون أن عدد ساعات النوم لدينا قد تكون أقل من المعدل المطلوب. ومن المهم أن ندرك أن عدد ساعات النوم التي يحتاج إليها الإنسان تختلف من شخص إلى آخر، وكل إنسان يعرف عدد الساعات التي يحتاج إليها ليكون نشيطًا اليوم التالي. وهناك عدد من اضطرابات النوم العضوية التي تسبب زيادة النعاس مثل: الشخير وتوقف التنفس أثناء النوم ومرض نوبات النعاس (النوم القهري). ويعتبر النوم أثناء القيادة مشكلة شائعة ذات مضاعفات خطيرة وقاتلة، فقد أظهر استفتاء أجري في الولاياتالمتحدة أن 51 في المئة من السائقين يستمرون في قيادة سيارتهم حتى عند شعورهم بالنعاس الشديد، واعترف مليونا سائق بأنهم ناموا خلال قيادة السيارة مما نتج منه حوادث. وأظهر استفتاء آخر أجري في بريطانيا أن 11 في المئة من السائقين أقروا بنومهم على الأقل مرة واحدة خلال القيادة. وأظهرت دراسة أجرتها اللجنة الوطنية لاضطرابات النوم في الولاياتالمتحدة (National Commission for Sleep Disorders) أن النعاس خلال القيادة كان أحد المسببات ل36 في المئة من الحوادث المميتة، في حين أظهر تقرير نشرته إدارة النقل والبيئة في بريطانيا أن 20 في المئة من الحوادث المميتة والخطيرة نتجت من النعاس خلال القيادة، وأظهر الاستبيان أن خُمس السائقين فقط يوقفون سياراتهم للحصول على غفوة عند شعورهم بالنعاس الشديد. وقد وجد الباحثون في الولاياتالمتحدة أن واحدًا من كل 30 سائقًا على الطرق الطويلة يشعر بنعاس شديد أثناء القيادة، كما أظهرت إحصاءات الإدارة الوطنية للمرور والأمن في الولاياتالمتحدة أن نعاس السائقين خلال القيادة يُعتبر السبب الرئيس لأكثر من 100 ألف حادث سنويًا. وحدوث النوم والنعاس يصل أعلى نسبة عند السائقين الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة، وهذه الفئة العمرية عادة ما يكون التزامها بالأنظمة المرورية ضعيفًا مما يزيد الأمر سوءًا. وسبب زيادة النعاس لدى هذه الفئة العمرية ناتج عن السهر لساعات متأخرة ليلاً والالتزام بمواعيد عمل مبكرة نهارًا، كما أن هذه الفئة تتضمن الطلاب الجامعيين الذين قد يسهرون لساعات متأخرة للمذاكرة، وقد أظهر بحث أجريناه أخيرًا أن طلاب كلية الطب ينامون ما معدله نحو 6 ساعات يوميًا، وهو أقل بكثير من المعدل اليومي المتعارف عليه لهذه الفئة العمرية. كما أن نقص النوم يؤدي إلى حدة الطبع وسرعة الغضب مما قد ينتج عنه السرعة الزائدة وعدم التعاون مع السائقين الآخرين، وهذا يزيد من احتمالات وقوع الحوادث. وقد أظهرت الإحصاءات أن نسبة الحوادث الناتجة عن النعاس تزداد بين منتصف الليل والساعة السادسة صباحًا. إنه لإحساس مخيف أن تتخيل عدد السائقين خلف عجلة القيادة الذين لم يحصلوا على نوم كافٍ والخطر الكبير الذي قد يسببونه، وهنا علينا أن نتذكر أن الحوادث المروّعة تحتاج إلى نقص تركيز السائق لجزء من الثانية فقط. وإضافة إلى ما سبق فإن بعض السائقين ينام خلف مقود السيارة بصورة متكررة حتى لو حصل على ساعات نوم كافية، كما أنه قد ينام في أوضاع كثيرة غير مناسبة للنوم كالنوم أثناء القراءة أو أثناء مشاهدة التلفاز، وفي بعض الأحيان قد ينام المصاب في الأماكن العامة أو في العمل. والذين تنطبق عليهم هذه الصفات يكونون في الغالب مصابين بأحد اضطرابات النوم التي تسبب زيادة النعاس كالشخير وتوقف التنفس أثناء النوم وهي مشكلة طبية معروفة تحدث نتيجة لحدوث انسداد متكرر في مجرى الهواء العلوي (الحلق) بصورة كاملة أو جزئية بسبب عيوب خلقية أو تضخم في أنسجة الحلق ويصاحبه عادة شخير، مما يؤدي إلى انقطاع التنفس، أو التنفس بشكل غير فعّال، الأمر الذي يؤدي إلى تقطع في النوم، وهذا التقطع بدوره يؤدي إلى زيادة النعاس أثناء النهار، وهذه المشكلة أكثر شيوعًا عند أصحاب الأوزان الزائدة. وأظهرت دراسة أميركية أجريت على 913 شخصًا ونشرت في مجلة الأكاديمية الأميركية لطب النوم أن احتمال وقوع حوادث سيارات للمصابين بتوقف التنفس الخفيف أو الذين يعانون من الشخير الأولي هو ثلاثة أضعاف الإنسان السليم، وترتفع النسبة إلى سبعة أضعاف عند المصابين بتوقف التنفس المتوسط. وللحد من مشكلة الحوادث الناتجة عن النوم أثناء القيادة فإن أنظمة المرور في كثير من الدول تمنع السائقين المصابين باضطرابات النوم التي تؤدي إلى زيادة النعاس من القيادة حتى يتم علاجهم طبيًا. كما أن بعض شركات السيارات بدأت في تطوير بعض الأساليب التي تكتشف نعاس السائق لتنبيهه عند حدوث النعاس كقياس عدد طرفات العين والتي تزيد عند النعاس، كما أن بعض الشركات تحاول قياس نشاط المخ الكهربي أثناء القيادة، وتحاول شركات أخرى تركيب كاميرا أسفل السيارة لاكتشاف ميلان السيارة البسيط عن مسارها الطبيعي وغيرها من المحاولات إدراكًا من المصنعين بخطورة النعاس أثناء النوم. ونحن بدورنا ننصح السائقين بالتالي، لمساعدتهم على تفادي النعاس أثناء القيادة: * الحصول على نوم كافٍ وعدم القيادة عند الشعور بالخمول. * تجنب القيادة في الأوقات التي تعوّد جسمك فيها أن ينام سواء كان ذلك في الليل أو حتى وقت غفوتك النهارية المعتادة؛ لأن ساعتك الحيوية المتعودة على وقت معين للنوم قد تتغلب على رغبتك في البقاء مستيقظًا. * لا تكابر وتذكّر أن الإغفاء لجزء من الثانية قد ينتج عنه حادث مميت. لذلك احصل على غفوة عند شعورك بالنعاس، واعلم أن الغفوات القصيرة من 15 إلى 20 دقيقة تستطيع أن تزيد نشاطك وتركيزك. * عدم قيادة السيارة بعد تناول الأدوية التي تزيد النعاس كمضادات الحساسية والأدوية النفسية ومضادات الألم. * إذا كنت تعاني من شدة النعاس خلال القيادة وفي أوقات وأماكن غير مناسبة للنوم فإننا ننصحك بمراجعة طبيبك لأنك قد تكون مصابًا بأحد اضطرابات النوم. * على الرغم من الاعتقاد الشائع بين السائقين من أن رفع صوت المذياع أو التوقف والحركة لبعض الوقت أو فتح النافذة للسماح لنسمة الهواء بالدخول قد تبقي السائق مستيقظًا إلا أنه لم يثبت أن أيًا من ذلك يزيد من تركيز وانتباه السائق. * تذكر أن المنبهات كالقهوة تحتاج إلى نصف ساعة لبدء عملها كما أن مفعولها يخبو بعد عدد قليل من الساعات. وفي الختام، نتمنى لكم قيادة آمنة خالية من الحوادث. بريد القراء ألم بالصدر بعد الاستيقاظ من النوم * شعرت بألم في صدري عند الاستيقاظ من النوم، حيث إنني آخذ حبتين للدهون كل يوم مساء حسب وصفة الطبيب، وشكراً لكم. * ألم الصدر له أسباب كثيرة ومصادر مختلفة، فقد يأتي ألم الصدر حتى ولو كان شديدًا من أسباب سطحية مثل: العضلات والضلوع، أو من الأحشاء مثل: المريء، وقد تكون هناك أسباب أكثر خطورة مثل: القلب والأوعية الدموية. وموقع الألم وطبيعته قد تساعدان الطبيب على تحديد السبب. فمثلاً الألم الذي يتركز حول الضلوع ويزداد مع الحركة أو عند النوم على جنب معين قد يكون مصدره الضلوع أو العضلات، لذلك وجب أن تعرض حالتك على طبيب لأخذ معلومات كافية عن المشكلة. المرضى المصابون بارتفاع الدهون أو توقف التنفس أثناء النوم ونقص الأكسجين والشخير خلال النوم قد يكونون أكثر عرضة لنقص الدم الواصل للقلب أو نقص تروية القلب والذي يسبب ألمًا في الصدر، لذلك وبناء على التقييم قد يحتاج الطبيب لعمل تخطيط للنوم لمراقبة وظائف الجسم خلال النوم. القيلولة * أنا أساساً لست من الناس الذين ينامون باكراً في الليل أبداً، وفي الأيام العادية ( أيام الدوامات) إذا لم أنم في النهار (قيلولة) أتأخر بالنوم في الليل، وبالمقابل إذا نمت في النهار أنام بشكل أفضل في الليل. فهل هذا طبيعي؟ * موضوع القيلولة يحتاج إلى شيء من التفصيل، ففي حين أن بعض الناس لا ينامون بشكل جيد أثناء الليل عندما يغفون خلال النهار، نجد أن آخرين ينامون بشكل أفضل خلال الليل. لذلك نطلب من الشخص أن يكون طبيب نفسه، ويفعل ما هو أفضل له دون الأخذ في الاعتبار ما يقوله الآخرون، فمثلاً جرّب أن تغفو لمدة أسبوع، وتجنب أي غفوة خلال الأسبوع الذي يليه وحدد بنفسك في أي وقت كان نومك أفضل، والغفوة خلال النهار يفضل أن تكون بين صلاتي الظهر والعصر، ولا تتجاوز فترة النوم (30 إلى 45) دقيقة. القلق والتوتر * أنا طالبة جامعية عمري 20 سنة، نومي طبيعي والحمد لله طوال السنة وأحياناً يكون ثقيلاً بعض الشيء، مشكلتي هي أنني أعاني من اضطراب في النوم وقلق شديد في بداية أي فصل دراسي جديد منذ كنت في ثالث متوسط تقريباً، بحيث يتغير موعد النوم فأذهب أول يوم من غير نوم ويكون طبيعياً، لكن عندما أرجع ومع شدة التعب والإرهاق لا أستطيع النوم ظهراً أو عصراً، وأيضاً عندما يأتي الليل لا أنام سريعاً، وإن نمت يكون نوماً غير مريح إطلاقاً وخفيفاً جداً وسطحياً، تستمر هذه المشكلة لعدة أيام ثم بحمد الله تنحل المشكلة مع الوقت، لكن في كل مرة أتوتر من الموضوع، وأحياناً تشير عليّ بعض صديقاتي أن آخذ من البداية حبوباً مهدئة أو منومة حتى يتعدل وقت نومي، لكني أخاف منها ولا أريد استخدامها، سؤالي كيف أعرف هل أنا بحاجة لهذه الحبوب أو لا؟ * القلق والتوتر يسببان الأرق والنوم المضطرب، وكون المشكلة تزول بعد عدة أيام فهذا يؤكد أن التوتر هو السبب ولا يوجد اضطراب عضوي أو مزمن، تمارين الاسترخاء والرياضة تساعد كثيرًا في مثل هذه الحالات. أما بالنسبة للحبوب المنومة أو الأدوية التي تؤدي للاسترخاء فإنها قد تكون مفيدة في هذه الحالة ولكن يجب صرفها من قبل طبيب مختص وتحت إشراف طبي ولمدة محدودة لا تتجاوز عدة أيام. التبول اللاإرادي * طفلي يعاني من التبول اللاإرادي أثناء النوم، هل لديكم علاج لهذه الحالة أيضًا؟ لديّ ابن آخر يعاني من التبول الليلي اللاإرادي، بعد الفحوصات العضوية تبين عدم وجود مشكلات عضوية، أحد الأطباء سألنا إن كان نومه ثقيلاً وفعلاً ابني نومه ثقيل ولا يستيقظ على نفسه للتبول في الحمام، ولا يستيقظ على ساعة المنبه؟ * التبول اللاإرادي هو عدم التحكم في البول أثناء النوم، وفي العموم فإن 85-90 % من الأطفال لا يتبولون أثناء النوم عند سن السادسة وعند وصولهم سن العاشرة فإن 95 % منهم لا يتبولون أثناء النوم. وعند الكبار، فإن الدراسات أظهرت أن التبول اللاإرادي يحدث عند 0.5-2.3 % منهم. ويوجد سبب عضوي للتبول اللاإرادي عند 5-10 % من المصابين أما عند البقية فلا يوجد سبب واضح. والعلاج في أساسه ينقسم إلى قسمين علاج سلوكي وعلاج بالأدوية، ولا يمكن في هذا السياق وصف الأدوية وينصح بزيارة طبيب مختص في المسالك البولية عند الأطفال لعمل الفحوصات اللازمة ومن ثم بدء العلاج السلوكي والعلاج بالأدوية والتي قد تحتوي على هرمون مضاد للإبالة. إعداد: أ. د. أحمد سالم باهمام إشراف: عبدالرحمن محمد المنصور