لم يستمع الرئيس الاوكراني زيلينسكي إلى نصائح الرئيس الفرنسي ورئيس مجلس الوزراء البريطاني بالتحدث بهدوء مع الرئيس الأميركي وبأن لا يبلع الطعم لكنه في أول دقائق الاجتماع لم يستطع تمالك نفسه وبدأ بالهجوم عندما قال: إن المحيط لن يحميه مما يحدث يوماً وأن هذا سيغيِّر شعوره حول ما يجري، والتي استفزت الرئيس ترمب الذي واجه زيلينسكي بأهم تخوف لديه من استمرار الحرب، قائلاً له: «إنك تقول لنا: لا أريد وقفاً لإطلاق النار... إنك تقامر بحرب عالمية ثالثة، من هنا تعقد الموقف وأصبح الخروج من المأزق صعبا جداً. زيلينسكي يعرف أن الرئيس ترمب لم ينسَ مافعله خلال حملة ترمب الانتخابية حينما ذهب في سبتمبر الماضي إلى ولاية بنسلفانيا، ورافق حاكم الولاية الديمقراطي المقرَّب من الرئيس بايدن ونائبته المرشحة الديمقراطية ضد ترمب كامالا هاريس، في جولةٍ على مصنع سلاح وظّفها الديمقراطيون لصالحهم، وقال بتصريحات خلال زيارته يستبعد فيها أن يتمكن ترمب من إنهاء الحرب. أغضب تصرف زيلينسكي الرئيس الأميركي وكان يدرك أن هذا الموقف لا ينساه ترمب له، لذلك كان واضحاً من هذا المشهد لا يتفقان على وقف إطلاق النار. ولكنه بعد هذا المشهد الدرامي ذهب يلتجئ إلى أوروبا لعلها تسانده وانتشى بعدد التغريدات على منصات إكس لرؤساء الاتحاد الأوربي والتي أبدت مساندتها له وتأييدها لاستمرار الحرب، ولكن أوروبا تدرك أنها بدون الولاياتالمتحدة الأميركية لن تستطيع أن تواجه روسيا. ولذلك استسلم الرئيس الأوكراني لمطالب ترمب ووافق على توقيع اتفاق يسمح لأميركا باستغلال المعادن الأوكرانية والاستفادة من عائدات بيعها وهذه الموافقة بدون ضمانات أمنية كما كان يطالب. ترمب تلقى رسالة وقال ترمب إنه تلقى رسالة من نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عبَّر فيها عن استعداده للجلوس إلى طاولة المفاوضات بشأن الحرب بين روسياوأوكرانيا. وأضاف: «في وقت سابق اليوم، تلقيت رسالة مهمة من الرئيس زيلينسكي رئيس أوكرانيا. وجاء في الرسالة أن أوكرانيا مستعدة للجلوس إلى طاولة المفاوضات في أقرب وقت ممكن لإحلال السلام الدائم. لا أحد يريد السلام أكثر من الأوكرانيين». وكان زيلينسكي قد أعلن في وقت سابق أنه يريد «تصحيح الأمور» مع ترمب، بعد المشادة الكلامية بينهما، الجمعة، في المكتب البيضاوي، على خلفية موقف واشنطن من الغزو الروسي لأوكرانيا. تفاصيل الزيارة وفي تفاصيل الكمين الذي وقع به زيلينسكي كانت زيارة لواشنطن تستهدف إقناع الولاياتالمتحدة بعدم الوقوف إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أمر بغزو أوكرانيا قبل ثلاث سنوات. وبدلا من ذلك، اختلف الزعيم الأوكراني بشدة مع ترمب ونائبه جيه.دي فانس بشأن الصراع، وقال ترمب وفانس إن زيلينسكي أبدى عدم احترام في التعامل مع الولاياتالمتحدة، مما أدى إلى تدهور العلاقات مع أهم حليف لكييف في زمن الحرب إلى مستوى جديد. وقال مسؤول أميركي إنه طُلب من زيلينسكي مغادرة البيت الأبيض. ونتيجة لذلك لم يتم التوقيع على اتفاقية بين أوكرانياوالولاياتالمتحدة بشأن التنمية المشتركة للموارد الطبيعية الغنية في أوكرانيا، والتي كانت كييف وحلفاؤها الأوروبيون يأملون أن تؤدي إلى علاقات أفضل. وفي وقت لاحق قال ترمب للصحفيين، أثناء مغادرة البيت الأبيض في الطريق إلى منزله في فلوريدا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، إن زيلينسكي عليه أن يدرك أنه يخسر الحرب. ويقوض الصدام أيضا أحدث الجهود التي بذلها الزعماء الأوروبيون لإقناع ترمب بتقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا حتى لو رفض نشر جنود أميركيين على الأراضي الأوكرانية. وتعد مثل هذه الضمانات ضرورية لردع روسيا عن أي عدوان مستقبلي. وقال ترمب لزيلينسكي في جدال محتدم أمام الصحفيين في المكتب البيضاوي "الناس يموتون... أنت تعاني من نقص في الجنود". وهدد ترمب بسحب الدعم الأميركي من أوكرانيا. وقال ترمب لزيلينسكي "إما أن تتوصل إلى اتفاق، أو نخرج، وإذا خرجنا، فستظل تحارب. لا أعتقد أن الأمر سيكون لطيفا". وأضاف "ليست لديك أي أوراق. بمجرد توقيعنا على هذا الاتفاق، ستكونون في وضع أفضل بكثير. لكنك لا تبدي أي امتنان، وهذا ليس بالأمر الجيد. سأكون صريحا. هذا ليس بالأمر الجيد على الإطلاق". وجادل زيلينسكي ترمب صراحة بشأن نهجه الأكثر ليونة تجاه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحثه على "عدم تقديم تنازلات لقاتل". وأكد ترمب أن بوتين يريد إبرام اتفاق. وقال ترمب لزيلينسكي "أنت تقامر بإشعال الحرب العالمية الثالثة"، وحثه على أن يكون أكثر امتنانا. وقاطع فانس نائب ترمب حديث زيلينسكي قائلا إن قدومه إلى البيت الأبيض للجدال ينم عن عدم احترام منه، وهو ما اتفق معه ترمب. وقال فانس "لم تقل شكرا"، ورد زيلينسكي، رافعا صوته "لقد قلت شكرا مرات عديدة للشعب الأميركي". قوة أوكرانيا ونشر قائد القوات المسلحة الأوكرانية، أوليكساندر سيرسكي، بيانا على تيليغرام أكد فيه أن قواته تقف إلى جانب زيلينسكي وأن قوة أوكرانيا تكمن في وحدتها. وأبدى الأوكرانيون القلقون الذين كانوا يتابعون اللقاء من بعيد تأييدهم لزعيمهم إلى حد كبير، لكنهم أبدوا قلقهم إزاء احتمالات استمرار تدفق المساعدات العسكرية الأميركية التي تعتمد عليها البلاد. وفي وقت سابق، قال ترمب لزيلينسكي إن جنوده كانوا شجعانا بشكل لا يصدق وأن الولاياتالمتحدة تريد أن ترى نهاية للقتال وأن يتم استخدام الأموال "بشكل مختلف مثل إعادة البناء". وخلال الأسابيع الماضية انتقد ترمب طريقة تعامل الرئيس الأوكراني مع الحرب، ووصفه بأنه "دكتاتور" وحثه على الموافقة على اتفاق المعادن. وبدا الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف مستمتعا بالمشهد، إذ كتب على تيليغرام أن الزعيم الأوكراني تلقى "توبيخا قاسيا". خروج مبكر بعد المحادثات، وجه ترمب اثنين من كبار مساعديه لإخبار زيلينسكي أنه حان وقت المغادرة، حتى في الوقت الذي كان الحاضرون يستعدون لتقديم الغداء للوفود، وفقا لمسؤول في البيت الأبيض. وأضاف المسؤول أن الأوامر صدرت للأوكرانيين بالمغادرة رغم رغبتهم في مواصلة المحادثات. ويواجه زيلينسكي، الذي حصل على أسلحة أميركية بمليارات الدولارات والدعم المعنوي من إدارة بايدن، موقفا مختلفا تماما مع ترمب الذي يريد إنهاء الحرب المستعرة منذ ثلاث سنوات سريعا وتحسين العلاقات مع روسيا واستعادة الأموال التي أنفقتها واشنطن لدعم أوكرانيا. إنتاج صناعات دفاعية توسعت أوكرانيا بسرعة في إنتاج صناعاتها الدفاعية، لكنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على المساعدات العسكرية الأجنبية. وفي حين صدت أوكرانيا الغزو الروسي من ضواحي كييف واستعادت مساحات واسعة من الأراضي في عام 2022، لا تزال روسيا تسيطر على حوالي خمس مساحة أوكرانيا وتسيطر ببطء على الأرض منذ الهجوم المضاد الأوكراني الفاشل في عام 2023. وتسيطر القوات الأوكرانية على جزء من الأرض في منطقة كورسك الغربية في روسيا بعد توغل في عام 2024. وبعد التضييق عليه، اضطر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لمخالفة الرئيس الأميركي، حيث لجأ إلى الصراحة ودفع ثمن ذلك. ونسف المشهد الصادم الذي جرى في المكتب البيضوي تحالف قائما منذ سنوات بين أوكرانيا المؤيدة للغرب والولاياتالمتحدة. الخطيئة التي ارتكبها زيلينسكي تمثّلت الخطيئة التي ارتكبها زيلينسكي بمناقضة ترمب بشأن حقائق مرتبطة بالحرب في أوكرانيا ورفضه التراجع عن مواقفه. وكتب ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي إن زيلينسكي "قلل من احترام الولاياتالمتحدة الأميركية في مكتبها البيضوي المقدّر". ومنذ عودته إلى السلطة لولاية ثانية، تجاوز ترمب المعايير المعتادة وحتى الضوابط القانونية في ما يتعلّق بسلطة الرئيس الأميركي داخليا. وفي السياسة الخارجية، بات يؤكد بأن أيام السعي للتوافق ولّت، وما يقوله هو الذي يسري. ودفع تحوّل ترمب الذي اعتبر أن روسيا شريك وليست دولة منبوذة وأن أوكرانيا مجرّد زبون أكثر من كونها حليف، ماكرون وستارمر للمسارعة إلى البيت الأبيض هذا الأسبوع. وعلى غرار زيلينسكي، يساور ستارمر وماكرون قلق من أن ترمب يريد إرغام كييف على إبرام صفقة سلام تعطي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يطمح إليه فيما تخرج أوكرانيا مهزومة ومن دون ضمانات أمينة. لكنهما أدركا أنه كان عليهما مراعاة مطلب ترمب التعامل معه كزعيم لا يمكن التشكيك في صحة مواقفه. صافح ماكرون الرئيس الأميركي عدة مرات وقام بالربت على ظهره بشكل بدا واضحا بأنه أكسبه رضا ترمب. ساعد ذلك في التخفيف من حدة التوتر عندما صحح الرئيس الفرنسي علنا ترمب بعدما كرر الأخير أحد مزاعمه الأكثر تكرارا بأن أوروبا تقدّم تمويلا أقل بكثير لأوكرانيا من واشنطن وستستعيد كل الأموال. وبعد أيام، سمع ستارمر المعلومات المغلوطة ذاتها وصحح ترمب أيضا. لكن ستارمر أسعد ترمب بتسليمه دعوة موقعة من الملك تشارلز الثالث لزيارة بريطانيا. جدل لكن الوضع كان مختلفا تماما في حالة زيلينسكي، فبدلا من تصحيح ترمب بشأن قضية صغيرة على غرار من يدفع ماذا، حاول مواجهة تبني البيت الأبيض بأكمله للرواية المؤيدة لموسكو بشكل متزايد. وحتى قبل هذه الزيارة، وصف ترمب وحلفاؤه الجمهوريون زيلينسكي بالدكتاتور وكرروا مزاعم الكرملين الزائفة بأن روسيا ليست من بدأ الحرب. ومن ثم، أصر ترمب أمام الصحافيين الذين تمّت دعوتهم لتغطية الحدث، على أنه سيتعيّن على زيلينسكي تقديم تنازلات لبوتين وانتقد ما اعتبرها عدائية الرئيس الأوكراني لوصفه نظيره الروسي بأنه "قاتل". ورأى بعض المحللين بأنه كان على زيلينسكي أن يكون دبلوماسياً أكثر. كتب مؤيد يميني متطرف لترمب يحظى ب1,3 مليون متابع على "إكس" حيث يكتب باسم ديفيد فريمان "أي دكتاتور هذا الذي يواجّه إهانات للرئيس ترمب ونائب الرئيس فانس بينما يتوسل للحصول على الأموال من أجل حرب لا يمكنه إطلاقا تحقيق النصر فيها؟". ووصفت مارجوري تايلر غرين المؤيدة بشدة لترمب في الكونغرس، زيلينسكي بأنه "متعجرف". وقال المعلق في "فوكس نيوز" والجنرال المتقاعد جاك كين "الأمر الوحيد الذي كان عليك قوله علنا يا زيلينسكي، بغض النظر عن الأسئلة، هو +شكرا سيدي الرئيس. شكرا أميركا+.. مع تكرار ذلك مرة تلو الأخرى". من جانبه، قال خبير السياسة الخارجية لدى "سي إن إن" فريد زكريا إن كلمات زيلينسكي الأولى كان يجب أن تشير إلى "عبقرية" ترمب. لكن بالنسبة للسناتور الديموقراطي كريس مورفي، ما كانت أي مهارات دبلوماسية أو مجاملات لتنقذ زيلينسكي، لأن ترمب كان يحاول الدفع باتّجاه تسوية "تسلّم أوكرانيا إلى بوتين" وكان زيلينسكي يعرف ذلك. وكتب مورفي على "إكس" إن المكتب البيضوي كان "كمينا". الموقف الأوروبي ساند الحلفاء الأوروبيون زيلينسكي وأعربوا عن دعمهم له بعد مشادة كلامية غير مسبوقة بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترمب في البيت الأبيض حيث وجّه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي رسائل شكر للقادة الأوروبيين. وبعث زيلينسكي رسائل الشكر للحلفاء عبر منصات التواصل الاجتماعي. وعبر "إكس"، أعاد الحساب الرسمي للرئيس الأوكراني، نشر الرسائل الداعمة له، مع تعليق "شكرا على دعمكم" على كلّ منها. وعلى رغم المشادة، كان زيلينسكي قد كتب في منشور على إكس ليل الجمعة "شكرا أميركا، شكرا على الدعم، شكرا على هذه الزيارة. شكرا للرئيس والكونغرس والشعب الأميركي". وأضاف "أوكرانيا بحاجة إلى سلام عادل ودائم ونحن نعمل على ذلك". كذلك، وجه وزير الخارجية الأوكراني أندري سيبيا "الشكر" إلى نظرائه الأوروبيين الذين ساندوا كييف. وقد شددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين ورئيس المجلس الأوروبي أنتونيو كوستا على دعم زيلينسكي. وتوجها إليه بالقول في بيان مشترك "لن تكون أبدا لوحدك. كن قويا كن شجاعا كن مقداما. سنواصل العمل معك من أجل سلام عادل ودائم". من جهتها، تعهدت وزيرة خارجية الاتحاد كايا كالاس الوقوف إلى جانب كييف، مشككة بزعامة واشنطن للعالم الغربي. وكتبت كالاس على وسائل التواصل ، أصبح من الواضح أن العالم الحر يحتاج إلى زعيم جديد. الأمر يعود لنا كأوروبيين لقبول هذا التحدي"، مضيفة "أوكرانيا هي أوروبا! نحن نقف إلى جانب أوكرانيا". وشدّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على وجود "معتد هو روسيا وشعب معتدى عليه هو أوكرانيا". وأضاف "أرى أننا كنا جميعا على حق في مساعدة أوكرانيا ومعاقبة روسيا قبل ثلاث سنوات وفي الاستمرار في القيام بذلك". كما تعهد رئيس الوزراء البريطاني بتقديم "دعم ثابت" لأوكرانيا، وفق ما أعلن مكتبه الذي أشار أيضا الى أن كير ستارمر تحدث إلى كل من ترمب وزيلينسكي عقب اجتماعهما في واشنطن. وقالت المتحدثة باسم ستارمر في داونينغ ستريت "تحدث رئيس الوزراء الليلة مع الرئيسين ترمب وزيلينسكي. إنه يُبقي على دعم ثابت لأوكرانيا، ويفعل كل ما بوسعه لإيجاد سبيل للمضي قدما نحو سلام دائم قائم على السيادة والأمن لأوكرانيا". من جانبه قال المستشار الألماني أولاف شولتس "يمكن لأوكرانيا الاعتماد على ألمانيا وأوروبا". وأكدت وزيرة الألمانية أنالينا بيربوك "ألمانيا وحلفاؤنا الأوروبيون متحدون إلى جانب أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي. يمكن لأوكرانيا الاعتماد على الدعم الثابت لألمانيا وأوروبا وأبعد من ذلك". أما الفائز في الانتخابات الألمانية الأخيرة ومستشارها المقبل فريدريش ميرتس فقال "يجب عدم الخلط أبدا بين المعتدي والضحية" في هذا النزاع. ودعت رئيسة وزراء إيطالياجورجيا ميلوني لعقد قمة "بدون تأخير" بين الولاياتالمتحدة وأوروبا وحلفائهما. وقالت "قمة من دون تأخير ضرورية بين الولاياتالمتحدة وأوروبا وحلفائهما من أجل البحث بشكل صريح في الطريقة التي ننوي فيها مواجهة التحديات الكبيرة الراهنة بدءا بأوكرانيا التي دافعنا عنها معا في السنوات الأخيرة".