يشهد العهد الإيطالي الجديد ما بعد هزيمة سيلفيو بيرلوسكوني في الانتخابات الأخيرة خطوته الأولى صباح اليوم الجمعة، بانتخاب الرئيس الجديد لمجلس الشيوخ. وكان متوقعاً أن يتحوّل الاجتماع الأول إلى مواجهة حامية بين الطرفين، إلا أن مصرع العسكريين الإيطاليين الثلاثة في كمين في مدينة الناصرية في العراق قد يدفع الجميع إلى تخفيف حدة السجال. ولن تتأثر المواجهة في عملية الاقتراع السري للمنصب بهذه الأحداث الدامية. وعلى رغم سيطرة ائتلاف برودي على الغالبية العددية المطلقة بفارق أربعة أصوات، فإن الصراع بين المرشحين لثاني أعلى منصب دستوري إيطالي سيكون محتدماً ليس فقط بسبب الفارق العددي الضئيل الذي يفصل بين الفريقين، بل أيضاً لنوعية المرشحين. وفي محاولة لاستقطاب عدد من أصوات من أعضاء التيار المسيحي المتحالف الغاضبين من إدارة بيرلوسكوني للحكم وللمعركة الانتخابية، رشّح ائتلاف برودي للمنصب النقابي والوزير السابق فرانكو ماريني، وهو من زعامات الوسط المسيحي. وحتى يتمكّن بيرلوسكوني من احتواء تداعيات هذا الاحتمال، ردّ بهجوم مضاد غاية في الدهاء عندما تمكّن من إقناع أحد أعرق السياسيين المسيحيين في إيطاليا جوليو أندريوتّي، رئيس سابق لسبع حكومات ومن زعامات الوسط المسيحي منذ منتصف الخمسينات، بالترشح لمصلحة ائتلافه. انتصار لأندريوتّي أندريوتّي الذي قبل الترشيح"من منطلق الحرص على توحيد مجلس الشيوخ المنقسم على أمره"، اعتبر صعوده إلى هذا المنصب العالي نوعاً من الانتصار الشخصي إزاء كل الذين راهنوا على نهايته السياسية بعد الاتهامات التي وُجّهت إليه بالصلة مع مافيا كوزا نوسترا الصقليّة وتعرّضه إلى واحدة من أعقد وأطول المحاكمات في تاريخ إيطاليا. وأعادت تبرئته من هذه التهمة أندريوتّي إلى الواجهة من جديد ولم يُخف سعادته من الاعتراف الضمني أنه ما يزال واحداً من الأعمدة التي تستند عليه السياسة الإيطالية. يُذكر أن أندريوتّي كان صوّت ضد حكومة بيرلوسكوني الأولى التي ولدت عام 2001، إلا أنه كان صرّح خلال الحملة الانتخابية أنه سيمنح صوته للمحامية الشابة جوليا بونجورنو التي دافعت عنه بضراوة في محكمة باليرمو وحققت براءته. وكانت بونجورنو مرشحة ضمن قائمة حزب"إلى الأمام يا إيطاليا"بزعامة رئيس الحكومة المنتهية ولايته سيلفيو بيرلوسكوني. ويعتبر ترشيح بيرلوسكوني لأندريوتّي خطوة ذكية في إمكانها خلخلة الاصطفاف داخل كتلة برودي في مجلس الشيوخ، من خلال إقناع عدد من الأعضاء المسيحيين من تيار برودي على التصويت لصالحه وجعله يفوز بالمنصب. لكن أوساط يسار الوسط تبدو مقتنعة من انتصار المرشح فرانكو ماريني. وتأتي هذه القناعة أيضاً من كون ترشيح أندريوتّي بات مهدداً في الساعات الأخيرة بمنافس ثالث قد يُفقده عدداً من الأصوات، فقد أعلن وزير الإصلاحات البرلمانية السابق روبيرتو كالديرولي من رابطة الشمال الإيطالية ترشحه لمنصب رئيس مجلس الشيوخ مبرراً ذلك أنه"من غير المقبول الموافقة على رئاسة أندريوتّي، وهو صديق للعرب، لمجلس الشيوخ".