المقترحات والكلام على فرض عقوبات اقتصادية على الفلسطينيين مثل الحصار، والتجويع وقطع الكهرباء، ومنع العمال من العمل في اسرائيل وغيرها، اجراءات منفرة مضموناً وأسلوباً. وعلى رغم ذلك، فإسرائيل مضطرة الى التمسك بمطالبة حكومة"حماس"القبول بمبدأ"دولتين لشعبين". ويقضي المبدأ باعتراف"حماس"بإسرائيل، وباحترام الاتفاقات الموقعة سابقاً، اولها اتفاق اوسلو. والأمور واضحة الى حد لا يحتاج الى شرح. ودول كثيرة تشارك اسرائيل مطاليبها هذه، في المنطقة والعالم، وقد تنسق سياستها معها. وبعد نحو شهر من انتصار"حماس"، برزت وجهتا نظر في الرد المفترض. الأولى معتدلة، عرضها الرئيس المصري حسني مبارك عرضاً جيداً. فاقترح في مقابلة مع القناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي، التأني والتعقل، أي اعطاء"حماس"الوقت لاعتياد السلطة، وذكّر بأن مصر في الماضي دعت الى"رمي اسرائيل في البحر". وسأل: هل انتم اليوم في البحر؟ والثانية أكثر تشدداً ويتبناها وزير الدفاع، شاؤول موفاز وغيره. وهي تحض على عقوبات اقتصادية قاسية فوراً. والحق ان مثل هذه الإجراءات يضر برئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ابو مازن، ويؤدي الى انهيارها. وسوغت اوساط امنية اسرائيلية الإجراءات المقترحة بخطاب"ابو مازن"في افتتاح المجلس التشريعي الفلسطيني، فوصفته بخطاب زعيم ضعيف رضخ لپ"حماس". والحقيقة ان الخطاب كان قوياً وحاداً، ورد عليه زعماء"حماس"بغضب. ولكن الجمهور والزعامة الفلسطينية منقسمان فريقاً يؤيد النظرة المعتدلة الى حكومة"حماس"، وفريقاً يحض على استخدام القوة. وتحظى وجهة النظر المعتدلة بتأييد شعبي. وپ"أبو مازن"، مهندس اتفاق اوسلو، ودحلان ورجوب، منفذا اوسلو، لا يستطيعون التنكر لماضيهم. والحال هذه، لا يسع اسرائيل التنازل لپ"حماس". فكل تنازل اسرائيلي قد يفسر خيانة لمحمود عباس وتخلياً عنه. وليس صدفة ان ينوه في خطابه، بقرار المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر قبل 18 عاماً، ووافق المجلس فيه على قرارات مجلس الأمن، ما يُلزم الاعتراف بإسرائيل، والإقرار بمبدأ دولتين لشعبين. وإذا لم تعترف حكومة"حماس"بذلك، اليوم، وجبت مقاطعتها سياسياً وليس اقتصادياً. فمن يتنازل لمثل هذه الحكومة يجعل من"ابو مازن"، ورجاله، يبدون، امام الشعب الفلسطيني والعالم العربي، مجموعة انهزامية باعت مصالح شعبها من دون مقابل حقيقي. وينتصر زعماء"حماس"لموقفهم بالقول انهم يمتثلون لأوامر وفرائض دينية، ولا يسعهم الاعتراف بإسرائيل لأن ذلك يناقض ايمانهم. واحترامنا لإيمانهم لا يحملنا على القلق من هذا الكلام. فإذا سألنا خبراء الشرع اجابوا بمروحة واسعة من الآراء. بعضها عملي وبراغماتي. وپ"حماس"وجدت صيغة تتيح لها التزام هدنة موقتة لأعوام طويلة مع اسرائيل. فلا ريب في انها صيغة للاعتراف الموقت لسنوات طويلة، بدولة اسرائيل. إن الصراع العربي - الإسرائيلي صراع سياسي، وليس دينياً. وفي الأمس واليوم، نسج اليهود، ودولة اسرائيل، علاقات جيدة بدول إسلامية. ويمكننا ارساء تسوية مع المسلمين المتشددين الفلسطينيين، شرط الاعتراف المتبادل ببعضنا بعضاً. عن داني روبنشتاين،"هآرتس"الإسرائيلية 20/2/2006