اعترف رئيس الوزراء توني بلير، للمرة الأولى وبشكل صريح، بأن الحرب في العراق كانت"كارثة"، فيما اعتبرت وزيرة الصناعة مارغريت هودج أن هذه الحرب"أكبر خطأ ارتكبه بلير في الشؤون الخارجية". وتزامن هذان الاعترافان مع وصول وزير المالية البريطاني غوردون براون الى البصرة أمس في زيارة مفاجئة للعراق هي الأولى له الى هذا البلد، فيما يبدو تمهيداً لخلافة بلير. وسعت الحكومة البريطانية الى التقليل من اهمية تصريحات رئيسها التي اعترف فيها بأن الحرب في العراق كانت"كارثة"، وذكرت ناطقة باسم الحكومة البريطانية ان تصريحات بلير اسيء تفسيرها. فرئيس الوزراء لا يستخدم كلمة كارثة". وأضافت"كان ببساطة يجيب على السؤال بشكل مهذب قبل أن يمضي في شرح وجهة نظره. وأن يصور ذلك على أنه شكل من أشكال الاقرار أمر ليس دقيقاً". وتابعت ان"ما يقوله هو ان العنف في العراق امر يؤسف له بشدة، مأسوي وصعب للغاية، ولكن هذا العنف هو نتيجة تدخلات خارجية بغيضة وليس نتيجة خطأ في التخطيط قبل ثلاث سنوات". وجاءت تصريحات بلير في مقابلة لقناة"الجزيرة الانكليزية"اجراها الاعلامي البريطاني ديفيد فروست، حيث قال في رد على سؤال"ان التدخل العسكري الغربي في العراق الذي أدى الى مقتل 2858 جندياً أميركياً و125 جندياً بريطانياً يعتبر الى حد كبير كارثة؟"فأجاب بلير:"نعم لقد كانت كذلك"، الأمر الذي أثار عاصفة كبيرة في وسائل الاعلام البريطانية بسبب اعتراف بلير للمرة الأولى، وبشكل صريح، بأن الغزو الأميركي البريطاني للعراق كان"كارثة". ويقول بعض المراقبين إن ما يعتبر"زلة لسان"تعكس ما يشعر به بلير في قرارة نفسه، ولكن ناطقاً باسمه هرع الى الدفاع عنه قائلاً:"اعتقد ان هذه هي الطريقة التي أجاب بها على سؤال فروست خلال برنامجه الجديد على قناة الجزيرة باللغة الانكليزية في اليوم الثالث لبدء بثها". الوضع صعب وحاول بلير تبرير ما يحصل في العراق قائلاً:"اقول للناس لماذا الوضع صعب في العراق. ان ذلك ليس بسبب خطأ ما في عملية التخطيط. بل لأن هناك استراتيجية متعمدة. القاعدة والمتمردون السنة في جهة، والعناصر التي تدعمها ايران مع المسلمين الشيعة في جهة اخرى، لخلق وضع يؤدي الى اضعاف ارادة الغالبية الراغبة في السلام لتحل محلها ارادة الاقلية التي تسعى الى الحرب". ورفض بلير التكهنات بانسحاب مبكر من العراق. وقال:"لن ننسحب من العراق. سنبقى طالما تحتاج الحكومة العراقية بقاءنا". من جهة أخرى، شدد بلير على ضرورة اعطاء الأولوية القصوى للعمل على التوصل الى حل شامل للنزاع في الشرق الأوسط لأنه نقطة الاستقطاب التي تؤدي الى العنف وزعزعة الاستقرار في المنطقة وخارجها. وجدد دعوته الى سورية وايران الى ان"تصبحا شريكتين في المساعي لإقرار السلام في الشرق الاوسط او مواجهة عزلة من الاسرة الدولية"وقال:"اذا كنتما على استعداد لأن تكونا جزءاً من الحل فهناك شراكة لكما". ووصف فكرة ان استعداده للعمل مع طهران ودمشق هو دعوة الى التهدئة مع دولتين معاديتين للولايات المتحدة بأنها"سخيفة". واوضح ان"الباب مفتوح"لكل منهما للعب دور بناء من اجل دفع السلام قدما في المنطقة عبر تقديم دعمهما في مكافحة الارهاب، وبالنسبة لايران، الامتثال"لمطالب الاسرة الدولية بشأن برنامجها النووي". لكنه اضاف"في الوقت الحالي فإنكما تتصرفان بشكل يجعل شراكة من هذا النوع مستحيلة. وهذا ينطبق خصوصاً على ما تفعله ايران من مساندتها الارهاب في الشرق الاوسط وتحركاتها التي تنتهك التزاماتها في مجال السلاح النووي". واكد بلير ان تحقيق تقدم في عملية السلام في الشرق الاوسط"هو اهم شيء يمكنه ان يفعله"في الفترة المتبقية له على رأس الحكومة البريطانية، الى جانب دعم الديموقراطية في العراق وافغانستان. وقال"لا شيء سيكون له اهمية رمزية اكبر"من ذلك للاسرائيليين والفلسطينيين والعالم اجمع. أكبر الأخطاء ويتوقع ان يزيد تصريح بلير الضغوط عليه إما للاستقالة أو لإثارة المزيد من التساؤلات حول الأخطاء التي وقعت في العراق وأدت الى هذا التردي الأمني وعدم الاستقرار السياسي. وتزامن اعتراف بلير بالوضع الكارثي في العراق مع هجوم وزيرة التجارة والصناعة مارغريت هودج، التي تعتبر من حلفاء رئيس الوزراء البريطاني، إذ وصفت الحرب في العراق بأنها تمثل"أكبر خطأ ارتكبه بلير في الشؤون الخارجية". ونقلت صحيفة"ايلنغتون تريبيون"المحلية بشمال لندن ان هودج اتهمت بلير ايضا"بالاستعمار الاخلاقي"محاولاً فرض القيم والمثل البريطانية على الدول الاخرى. وأوضحت الصحيفة ان هودج ادلت بهذه التصريحات خلال عشاء خاص مع معهد ابحاث"فابيان سوسيتي"حضرها رئيس تحرير الصحيفة، معتبرة أن"الغزو يعتبر استعماراً أخلاقياً". وأضافت انها قد ساورتها شكوك في عام 1998 بشأن موقف بلير في الشؤون الخارجية لانه كان مؤيدا ل"الاستعمار الاخلاقي". وأضافت انها قبلت حججه بشأن غزو العراق لانه"كان زعيمنا وانا اثق به". وبدورها حاولت الوزيرة البريطانية أن تنفي ما قالته، عبر أحد المساعدين، لكن الصحيفة اكدت دقة ما نقلته عن هودج، والذي أصبح أيضاً مادة رئيسية في وسائل الاعلام البريطانية. من ناحية أخرى، أوضحت وسائل الإعلام البريطانية أن اعتراف بلير المثير يوضح أن العراق وقع في الحرب الأهلية أو ينزلق إليها سريعاً. وأفادت صحيفة"دايلي ميل"أن اعتراف رئيس الوزراء"يمثل تراجعاً تاريخياً على رغم أنه سعى دائماً الى اضفاء طابع يتسم بالايجابية على المآسي والكوارث التي وقعت في العراق". وفسرت كلام بلير بأنه"يقدم غصن الزيتون الى دول في الشرق الأوسط وعلاوة على ذلك يهاجمونه داخلياً". ومع ذلك، فإن هناك من يوجه اللوم الى رئيس الوزراء لأنه لا يزال يرفض تحمل مسؤولية ما جرى في ما يتعلق بالخطط الفاشلة للفترة التي أعقبت الحرب. وكانت وزيرة الخارجية البريطانية مارغريت بيكيت اعترفت سابقاً بأن النتائج قد تحكم على الغزو بأنه كارثة. وفي أول زيارة الى العراق وصل وزير المالية البريطاني الى البصرة أمس في زيارة مفاجئة لآلاف الجنود البريطانيين ولتعزيز اوراق اعتماده لخلافة بلير. وقال براون لوكالة"رويترز":"انني هنا لأرى ولكي أشيد بالعمل المهم الذي تقوم به قواتنا وللاجتماع مع الوزراء العراقيين لبحث التحديات التي تواجههم". واضاف"نحن ملتزمون بدعم العراقيين في بناء امة ديموقراطية تجلب الامن والرفاهية لشعبها وتقوم بدور كامل في اقتصاد المنطقة والعالم". وتعهد براون بتقديم مبلغ 100 مليون جنيه استرليني اضافي 188.7 مليون دولار للمساعدة في تنشيط اقتصاد البلاد.