مرّت تسعون سنةً تقريباً على توسعة الخليفة العثماني عبدالمجيد الأول للمسجد النبوي، ثم جاء الملك عبدالعزيز بنَ عبدالرحمن آل سعود يرحمه الله، فأولى الحرمين الشريفين اهتماماً متواصلاً، وأمر بالتوسعة السعودية الأولى سنة 1372ه/ 1952م، فتَمّّ شراءُ الدُّورِ المحيطةِ بالمسجد من جهاتِ الشرق والشمال والغرب، ثم هُدِمتْ، وسُويت الأرضُ، وَوُصِلتِ التوسعةُ السعودية الأولى بتوسعةِ السلطانِ العثماني عبدِ المجيد بشكلٍ معماري فنيّ رائعٍ، وبلغتْ مساحةُ التوسعةِ ستةَ آلافٍ وأربعةً وعشرين متراً مربعاً، فقاربت مساحةُ المسجد بكلّ توسعاته الستةَ عشرَ ألفاً وثلاثَ مئة وسبعةً وعشرين متراً مربعاً، واكتملت التوسعةُ السعوديةُ الأولى، سنةَ ألفٍ وثلاثمئة و خمس وسبعين للهجرة/ 1955م في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز يرحمه الله. بعدما بويع خادمُ الحرمين الشريفين فهدُ بن عبدالعزيز وضعَ حجرَ أساس توسعة المسجد النبوي الشريف بالمدينةالمنورة يومَ الجمعة في التاسع من شهر صفر سنة ألف وأربع مائة وخمس للهجرة/ 1984 م، وبعد ذلك بسنةٍ واحدة انطلقت أعمالُ بناء التوسعة الكُبرى على مساحةِ اثنين وثمانين ألفَ مترٍ مُربعٍ، لتفوقَ ما سبقَها من توسعاتٍ هندسةً وسِعَةً وقُوّةً وزخرفةً مع استدراكِ كافّةِ المتطلبات بتسخيرِ أحدثِ مُنجزاتِ الصناعةِ والفنون، والفكرِ الإنساني. ومن منطلقِ المحافظة على البيئة الروحية والطبيعية، وجّهَ خادمُ الحرمين الشريفين باعتماد مؤسسةٍ وطنية سعودية لإنجاز التوسعة بطريقة تضمن توفير استمرار العبادات في المسجد النبوي، مع استمرار العمل بالبناء بشكلٍ فعال. وبلغتْ مساحةُ مبنى توسعةِ خادمِ الحرمين الشريفين للمسجدِ النبوي اثنين وثمانين ألفَ مترٍ مُربَّعٍ، وهذه المساحةُ تُؤمِّنُ مُصلىً لمئة وسبعين ألفَ مُصلٍ تقريباً، وتمت الاستفادةُ من مُصلى السطح على مساحةٍ قدرُها سبعةٌ وستون ألفَ مترٍ مربعٍ مما يتيح مصلى لتسعين ألفاً، وشملت التوسعة إعدادَ وتجهيزَ الساحات المحيطة بالمسجد ومساحتها مئتان وخمسة وثلاثون ألفَ مترٍ مربع، وأصبحت المساحةُ الإجمالية للدور الأرضي للمسجد النبوي الشريف بعد التوسعة 98500متر مربع. وبذلك أصبح المُصلى جاهزاً لاستيعابِ ما يقرب من مليون مصلٍّ في رمضانَ المبارك، وموسمِ الحج. واعتَمَدَتْ أساساتُ توسعةِ خادم الحرمين الشريفين للمسجد النبوي الشريف على ثمانية آلافٍ وخمس مئة وتدٍ فولاذيّ بأعماقٍ تراوحُ ما بين الثلاثين والخمسين متراً، ويبلغ طولُ الأوتاد مجتمعةً ما يقرب من ثلاثين كيلو متراً، واستُخدِمَ في الأسُس ما يقرب من مئة ألف متر مكعب من الإسمنت المسلح، ورُبطت الأوتادُ الفولاذية بحديد الأعمدة، والمنارات، والقواعد التي بلغ عددُها 1877 قاعدة، قوامُها سبعون ألف متر مكعب من الأسمنت المسلح. يوجد في توسعة خادم الحرمين ألفان ومئة وأربعةُ أعمدةٍ وتتألّفُ التوسعةُ من خمسٍ وتسعين قسماً وسقوفُ ثمانية وستين قسماً منها ثابتة وسقوف سبعة وعشرين قسماً منها متحركة، ويمكن فتحها وإغلاقها بواسطة القباب المتحركة، ويقرب ارتفاع الطابق الأول من التوسعة من ثلاثة عشر متراً، ويقرب عُمقُ الدور السفلي من أربعة أمتار ونصف، ومساحته ثلاثة وثمانون ألفاً وأربع مئة واثنان وثمانون متراً مربعاً، وهو مخصَّص لتأمين الخدمات، ومجاري الماء والهواء، والتصريف والتمديدات الكهربائية. ويتصل الطابق السفلي بنفق الخدمات، وطوله سبعة كيلو مترات، وهو مُتصلٌ بموقف السيارات الذي يتسع لأربعةِ آلافٍ ومئة سيارةٍ، ويقوم على أربعة آلافٍ ومئة عمود من الأسمنت المسلح، وله ستة مداخل ومخارج تؤدي إلى كافة نواحي المدينةالمنورة. المآذن والمداخل والقباب أضافت توسعةُ خادم الحرمين الشريفين ستَّ مآذنَ لمآذنِ المسجد النبوي الشريف بارتفاع مئة وأربعة أمتار، وتوجد أربع مآذنَ منها على أركان التوسعة الأربعة، ومئذنتان على مدخل الملك فهد بن عبد العزيز من الناحية الشمالية، وتعلو المآذنَ أهلّةٌ مُذهّبةٌ يزِنُ الواحدُ منها أربعةَ أطنان. ويضمَّ مبنى توسعةِ المسجد النبوي الشريف سبعةَ مداخل رئيسيةٍ في الجهات الشرقية والشمالية والغربية، وفي كل مدخل خمسُ بوابات متجاورة إضافة إلى بوابتين جانبيتين، وهنالك مدخلان رئيسيان في الجهة الجنوبية للتوسعة، يضمُّ كل واحدٍ منهما ثلاثَ بوابات متجاورة"إضافة إلى ستِّ بوابات جانبية. كما تضم التوسعةُ عشرَ بواباتٍ لمداخل ومخارج السلالم الكهربائية المتحركة لخدمة سطح التوسعة إضافة إلى ثمانيةَ عشرَ سُلماً داخلياً، وفي الناحية الشمالية توجدُ سبعُ قباب ومئذنتان فوق مدخل الملك فهد بن عبد العزيز يحفظه الله. وتعلو توسعةَ خادم الحرمين الشريفين سبعٌ وعشرون قبّةً مُتحركة، تزنُ الواحدةُ منها ثمانين طناً، وترتفع أكثرَ من ثلاثة أمتار ونصف عن سطح التوسعة، وأَكثرَ من ستةَ عشرَ متراً ونصفِ المتر عن سطح الأرض، وقُطر كل قبّة أربعةَ عشرَ متراً، وثلاثة أرباع المتر، واستُخدِمَ أربعون طنّاً من الحديد في كل قبة، ويتم فتح وإغلاق القباب آلياً للاستفادة من التهوية الطبيعية، كما توجد اثنتا عشرةَ مظلةً لوقاية المُصلين من حرّ الشمس، ويتم فتحها وطيُّها آلياً على رغم سِعَةِ مساحتِها. وروعيت في صناعتها متطلبات الإنارة والتهوية والتبريد. مباني الخدمات تتألفُ مباني خدمات توسعة خادم الحرمين الشريفين من خمسةَ عشرَ مبنىً، و يتألف كلُّ واحدٍ منها من أربعة طوابق. وفي هذه المباني ستةُ آلافٍ ومئتان وأربعةَ عشرةَ نقطةَ وضوءٍ، وسبعةُ آلافٍ وثمانمئة وثمانيةٌ وخمسون نافورةَ مياهٍ للشُّرب، وألفان وأربعُمئة واثنتان وثلاثون دورةَ مياهٍ، ومائة وستةَ عشرَ سُلماً كهربائياً مُتحركاً، تتوزع على ثلاثين موقفاً، إضافةً إلى ثلاثين سُلماً ثابتاً. وتتضمنُ التوسعةُ سبعةً وعشرين مبنىً للخدمات الخاصة من العيادات الطبيةِ، والمرافقِ الصحية، ومراكزِ التحكُّم الإداري"ومحطاتِ مُكافحةِ الحريقِ، ومراكز التفتيش، والمخازن"ومراكز إصلاح الآليات. واشتملت التوسعةُ على محطةٍ خاصة لإنتاج الطاقة الكهربائية الاحتياطية، تعمل فيها خمسةُ محركات لتغذية التوسعةِ، ومُحركٌ لتغذية موقف السيارات، ثم أُضيفَ مُحركان يُنتجان من الطاقة الكهربائية ما يكفي لإنارةِ مدينةٍ بكاملها. ويعتمدُ تكييفُ المسجد النبوي الشريف على ستِّ وحدات تعمل بمحركاتٍ كهربائية قوةُ الواحد منها سبعةُ آلافِ حصانٍ، وهو يُنتجُ ما يقرُبُ من أربعةَ عشرَ كيلو فولت، وفيها أضخمُ مُكثفٍ لتبريد الماء في العالم، وتضخُّ محطةُ التبريد سبعةَ عشرَ ألفَ غالون ماءٍ مُبردٍ في كل دقيقةٍ، وتستغرقُ رحلةُ الماء المُبرَّدِ من محطة التبريد إلى المسجدِ النبوي الشريفِ ساعةً ونصف الساعة، ذهاباً وإياباً في أقنيةٍ خاصة موجودةٍ في نفق الخدمات. ويتم نقلُ ماءِ زمزم من محطة التبريد المركزية في مكةالمكرمة، إلى محطة التبريد المركزية في المدينةالمنورة، ويستمر نقل ماء زمزم بخزانات مثبتة على السيارات طوال أيام السنة، ويبلغ عدد حافظات المياه الموزعة في أنحاء المسجد النبوي سبعة آلاف حافظة، ويزودُها بماء زمزم بشكل مستمر أكثر من مئتي عامل، ويتضاعف عددُهم في موسم الحج ورمضانَ المبارك، وتُفرَشُ أرضُ المسجد النبوي ب10000 سجادةٍ ويقوم بتنظيف الأثاث ثمانُمئة عاملٍ وعاملة في شكلٍ دائم. الشؤون الفنية والإدارية اعتُمدت في توسعةِ خادم الحرمين الشريفين أحدثُ الأدوات المعمارية، وتم استخدامُ أرقى الفنون المعتمدة في الزخرفة الإسلامية مما ضَمِنَ تحقيقَ التجانُسِ والتناسُق بين قديمِ المسجد النبوي الشريف وجديدِهِ، وتناسبت الأبوابُ والبواباتُ والنوافذُ والأعمدةُ والعقودُ والسقوف بشكلٍ يتواءمُ مع الذوق السليم، وأصالة الفن الإسلاميّ الرفيعِ. ولم يُتْرَك البناءُ سُدىً بعدَ تَمامِهِ، وإنما استمرَّتِ الرعايةُ الساميةُ الكريمة له، وتولّت"الرئاسةُ العامّةُ لشؤونِ المسجدِ الحرامِ والمسجدِ النبوي الشريفِ"تنفيذَ التوجيهات السَّامية، والقيامَ بأعمالِ الإشرافِ والمراقبةِ والصيانةِ، ومُتابعةَ المُستجداتِ، وتقديمَ الحلول الناجعة.