وضعت الانتخابات التي جرت الأحد الماضي، البوسنة أمام تداعيات جديدة في انتماءات القادة الفائزين الذين يتولون السلطة للسنوات الأربع المقبلة، من الأعراق: المسلمة والصربية والكرواتية، والذين يختلفون في مواقفهم على مستقبل البوسنة ونظامها السياسي على رغم آرائهم الموصوفة بالاعتدال. وأحدثت الانتخابات تغييراً للمرة الأولى منذ انتهاء الحرب البوسنية نهاية 1995، في تشكيلة هيئة الرئاسة الثلاثية، إذ فاز المسلم حارث سيلايجيتش زعيم الحزب من أجل البوسنة - الهرسك والصربي نيبويشا رادمانوفيتش القيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي الديمورقراطي المستقل الذي يتزعمه رئيس حكومة صرب البوسنة ميلوراد دوديك والكرواتي جيلكو كومشيتش مرشح الحزب الاشتراكي الديموقراطي، إضافة الى تقدم مجموعاتهم السياسية في التمثيل البرلماني للأعراق الثلاثة. كما فاز ميلان ييليتش 50 سنة الذي ينتمي الى"حزب الاتحاد الاشتراكي الديموقراطي المستقل بمنصب رئيس الجمهورية الصربية جمهورية صرب البوسنة وهو من الساعين الى تعزيز التعاون مع بلغراد، وذلك على رغم كونه ضمن لائحة القادة البوسنيين المعتدلين منذ سنوات. ويتولى الفائزون مناصبهم مع نهاية فترة الإشراف الدولي الحالي على البوسنة مطلع العام المقبل 2007 حين يتولى البوسنيون بأنفسهم أمور بلادهم كافة. ويرى المراقبون أنه على الرغم من الاعتدال المتداول عند الفائزين، فإنه يتوقع دخولهم في صراع عنيف خلال ترتيب الأوضاع البوسنية ومستقبلها، إذ ان سيلايجيتش يعتبر من أصلب الداعين الى تقوية الحكومة المركزية الضعيفة حالياً بسبب نظام الكيانين الاتحاد البوسني المسلم - الكرواتي والجمهورية الصربية اللذين يتمتعان بحكم ذاتي واسع داخل دولة اتحادية، ويدعو الى الغاء هذا النظام، وهو ما يعارضه بشدة الفائز الصربي رادمانوفيتش. كما يفضل الفائز الكرواتي كومثيتش اقامة كيان بوسني ثالث من خلال تقسيم الاتحاد البوسني المشترك بين المسلمين والكروات، الى كيانين مستقلين عن بعضهما، أحدهما مسلم والآخر كرواتي. ومعلوم أن نظام جمهورية البوسنة - الهرسك حوالى 4 مليون نسمة يقوم على رئاسة مشتركة للدولة تتولاها هيئة ثلاثية مؤلفة من ممثلين عن المسلمين والصرب والكروات، الذين يتناوبون رئاستها رئاسة الجمهورية بينهم كل ثمانية أشهر، ويتمتع كل منهم بحق النقض الفيتو في مجال المصادقة على القرارات التي تتطلب موافقة الهيئة. لكن في الوقت ذاته، تأمل الولاياتالمتحدة ودول غربية، في أن تتراجع حدة المشاعر القومية، من خلال توصل القادة المنتخبين الى قواسم مشتركة بينهم في شأن قيادة البوسنة، خصوصاً أنهم سيواجهون مسؤولية تحسين الظروف المعيشية للمواطنين والتعامل مع البطالة المتفشية والفساد الاداري، إضافة الى رغبة البوسنيين لانضمام بلادهم الى كل من"الاتحاد الأوروبي"و"حلف شمال الأطلسي". ونقل تلفزيون ساراييفو أمس عن سيلايجيتش الذي حصل على 70 في المئة من أصوات الناخبين، وهي النسبة الأعلى من نوعها التي تتوافر لمرشح رئاسي بوسني خلال السنوات العشر الأخيرة، أنه"يفضل حكومة ائتلافية تضع برنامجاً سياسياً واقتصادياً للبوسنة، يحقق التطلعات التي انتخب البوسنيون ممثليهم الحاليين من أجلها". سيلايجيتش ولد حارث سيلايجيتش عام 1945 في بلدة بريزا شمال غربي ساراييفو، وأكمل الابتدائية والثانوية في المدارس الاسلامية البوسنية، وحصل على الشهادة الجامعية الأولية من ليبيا 1971 والماجستير 1977 والدكتوراه 1979 عن المشكلة الالبانية من جامعة بريشتينا كوسوفو. عمل في البوسنة وكوسوفو وصربيا وليبيا والولاياتالمتحدة، وانضم عام 1990 الى"حزب العمل الديموقراطي - الاسلامي"نتيجة معارضته الالتزام القومي - الديني للحزب، وأسس"الحزب من أجل البوسنة - الهرسك"المعارض لتقسيم البوسنة عرقياً أو جغرافياً. يتحدث العربية والانكليزية والاسبانية والفرنسية بطلاقة، إضافة الى لغته البوسنية. متزاوج وله إبن واحد، يدرس حالياً في اسطنبولتركيا. يعتبره المراقبون قريباً الى السياسة الأميركية الراهنة في شأن مستقبل البوسنة ومنطقة البلقان عموماً.