} أظهرت نتائج اولية للانتخابات البوسنية تغييراً في ميزان القوى السياسية في مناطق المسلمين في اتجاه تأييد التيار المدني الذي يمثله الحزبان "الديموقراطي الاشتراكي" بزعامة زلاتكو لاغومجيا و"من أجل البوسنة - الهرسك" بزعامة حارث سيلايجيتش، وذلك على حساب "حزب العمل الديموقراطي الإسلامي" بزعامة الرئيس البوسني السابق علي عزت بيغوفيتش، فيما حافظت الأحزاب المتشددة على نفوذها الكبير في مناطق الصرب والكروات. أبدى رئيس الحزب "من اجل البوسنة - الهرسك" حارث سيلايجيتش في اتصال هاتفي أجرته معه "الحياة" في مكتبه في ساراييفو، ارتياحه لما حققه حزبه من تقدم ملحوظ في مناطق المسلمين نتيجة الانتخابات العامة التي جرت اول من امس. لكنه أعرب في الوقت نفسه، عن تشاؤمه بسبب احتفاظ المتشددين الصرب والكروات بمواقعهم ونجاح أحزابهم المتطرفة في تعزيز نفوذها في المجالات التي تسيطر عليها. وقال إن "هذا الوضع، يشكل خطوة سلبية بالنسبة الى مساعي إعادة توحيد البوسنة بصورة كاملة ونشر التعايش والتفاهم بين شعوبها وقومياتها المتباينة". وأوضح سيلايجيتش أن العناصر المتشددة عرقياً التي واصلت التحكم بالكيان الصربي ومناطق الكروات في الاتحاد الفيديرالي، كانت دائماً تدعو الى إضعاف البوسنة - الهرسك، من خلال ترسيخ تقسيمها الحالي والإصرار على زيادته. واعتبر أن "فوزها سيتيح لها المضي في تنفيذ خططها الخطرة". ومن جانبه، قال وزير الخارجية البوسني يدرانكو برليتش كرواتي معتدل ان فوز الأحزاب العرقية المتشددة في مناطق الصرب والكروات، يعني أن البوسنة "محتوم عليها البقاء بعيداً من التنظيمات والمؤسسات الأوروبية، وأن مآسي هذه البلاد ستتواصل، لأن المخادعين تمكنوا من الكثير من ناخبيها". وإلى ذلك، أبلغ مسؤول الإعلام في "الحزب الديموقراطي الاشتراكي" "الحياة" أن رئيس الحزب زلاتكو لاغومجيا مسرور "للهزيمة" التي لحقت بحزب "العمل الديموقراطي الإسلامي" وكان يود أيضاً انتهاء "تسلط" حزبي "الديموقراطي الصربي" و"الاتحاد الديموقراطي الكرواتي". واعتبر أن استمرار نفوذ أي من الأحزاب الثلاثة "التي دمرت البوسنة في صراعها العرقي الدامي خلال الحرب يشكل حائلاً دون عودة هذه الجمهورية إلى عهدها المزدهر الذي كانت تنعم به الى ما قبل عشر سنوات". ومعلوم أن "الحزب الديموقراطي الاشتراكي" يمثل اليسار السياسي الحالي في البوسنة، إذ تشكل عام 1992 كامتداد لرابطة شيوعيي البوسنة - الهرسك التي استمر قياديوها في زعامته، وهو لا يزال في أدبياته يشيد بالكفاح الشعبي الموحد ضد النازية والإنجازات التي تحققت في العهد الشيوعي للجمهوريات اليوغوسلافية السابقة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والدولية، ويطالب بفصل الدولة عن المؤثرات الدينية. ويحظى الحزب حالياً بدعم كبير من اوروبا والولايات المتحدة، لأن قياداته بكل مستوياتها، تتكون من القوميات الثلاث، المسلمة والصربية والكرواتية، وهو يدعو الى الانفتاح الكامل على المجتمع الدولي والالتزام بالإطار الذي وضعه الغرب للوضع المستقبلي للبوسنة - الهرسك. ومن أبرز قيادييه المسلمين، رئيسه زلاتكو لاغومجيا ومحافظ مدينة توزلا شمال شرق سليم بيغشاتيتش وآخر رئيس لرابطة شيوعيي البوسنة نياز دوراكوفيتش، ومن الصرب، عضو هيئة الرئاسة اثناء الحرب البوسنية ميركو بيانوفيتش. وبحسب المعلومات التي توافرت امس، فإن "الحزب الديموقراطي الصربي" وحليفه "الحزب الراديكالي الصربي" فازا بغالبية المقاعد في برلمان كيان صرب البوسنة الجمهورية الصربية المتكون من 83 نائباً، إضافة الى ممثلي الصرب 14 نائباً في البرلمان المركزي المشترك بين المسلمين والصرب والكروات. كما فاز مرشح "الحزب الديموقراطي الصربي" ميركو شاروفيتش برئاسة الكيان وألحق هزيمة بمنافسيه: رئيس الحكومة ميلوراد دوديك ورئيس "حزب التقدم الديموقراطي الصربي" ملادن ايفانيتش. وفي مناطق كروات البوسنة في الاتحاد الفيديرالي البوسني المسلم - الكرواتي حقق حزب "الاتحاد الديموقراطي الكرواتي" فوزاً كبيراً مواصلاً سيطرته على هذه المناطق. ويمثل الحزب أقصى التشدد الكرواتي. ويدعو الى استحداث كيان كرواتي في جنوب غربي البوسنة "منطقة الهرسك" كي تصبح جمهورية البوسنة - الهرسك متكونة من ثلاثة كيانات: مسلم وصربي وكرواتي. وكان الاستفتاء الذي دعا إليه "الاتحاد الديموقراطي الكرواتي" من جانب واحد، ضمن العملية الانتخابية التي جرت أول من امس، لفصل المناطق الكرواتية عن الكيان الذي يجمعها مع المسلمين، قد حصل على تأييد 70 في المئة من الناخبين الكروات في البوسنة. لكن مكتب منسق عملية السلام البوسنية اعلن في ساراييفو أمس، عدم اعترافه بنتائج هذا الاستفتاء "الباطل الذي تم خلافاً لاتفاق دايتون للسلام ومن دون أي موافقة من المجتمع الدولي".