تترقب الأوساط السياسية في الكويت انطلاقة ساخنة للدورة الجديدة لمجلس الأمة البرلمان في الثلاثين من الشهر الجاري، خصوصاً بعد أن حشدت المعارضة نفسها في ثلاث كتل كبيرة هي"الكتلة الإسلامية"وپ"التجمع الشعبي"وپ"كتلة العمل الوطني"، وتشكل الكتل الثلاث معاً 34 من أصل مجموع أعضاء البرلمان الخمسة وستين بمن فيهم الوزراء، ولكل منها أجندة متشددة تترواح ما بين فتح ملفات فساد واستجواب وزير أو التلويح باستجواب رئيس الوزراء نفسه. "الكتلة الاسلامية"هي الأقدم والأكبر إذ تضم 17 نائباً لكن هذا العدد لم يترجم قط في شكل قيادة برلمانية فعالة بسبب اختلاف توجهات أفرادها. وفي المجلس الحالي تعتبر"الحركة الدستورية الاسلامية"التي تمثل فكر"الأخوان المسلمون"نواة الكتلة ولها ستة نواب هم محمد البصيري نائب رئيس المجلس وناصر الصانع وخضير العنزي وجمال الكندري وجمعان الحربش ودعيج الشمري، وشهدت الانتخابات الأخيرة ارتفاع عدد نواب"الحركة"من اثنين الى ستة بفضل تحسن التخطيط الانتخابي لمرشحيها وبسبب التعاطف الكبير الذي حصلت عليه من النساء اللاتي شاركن في الانتخاب للمرة الأولى. أما التيار السلفي التقليدي الذي تعبر عنه"جمعية إحياء التراث"فله نائبان فقط هما: الوزير السابق أحمد باقر والنائب الجديد علي العمير، وهناك نواب سلفيون مستقلون لهم حضور مهم مثل وليد الطبطبائي وفيصل المسلم وعادل الصرعاوي وضيف الله بورمية وعبدالله عكاش وسعد الشريع وحسين الديحاني وجابر المحيلبي وخالد العدوة، والأخير دخل في خلافات مع الكتلة بسبب تبنيه مواقف مخالفة لتوجهاتها. وفي اجتماع مهم لها قبل أسبوعين وضعت الكتلة الإسلامية قائمة بأولوياتها للمجلس الجديد تضمنت قضايا الفساد المالي والإداري والخدمات العامة، كما جددت اهتمامها بپ"القضية الأخلاقية"وان الأعضاء الإسلاميين سيفتحون ملفات"التجاوزات"في وزارة الإعلام، وملاحظات يرونها على بعض المقاهي وصالات الحفلات والنوادي الصحية وصالات التسلية، وملف المخدرات، وملف الاختلاط بين الجنسين الذي لا يزال مستمراً في الجامعة والجامعات الخاصة على رغم سن قانون يمنع ذلك، وأعلن الناطق باسم الكتلة أحمد باقر بأنها كلفت نائبين وضع مسوّدة استجواب لوزير الاعلام محمد السنعوسي حول عدد من الملاحظات على الوزارة لكنه لم يحدد متى سيتم تقديم هذا الاستجواب. والى جانب استجواب وزير الإعلام لوّح عضو"الحركة الدستورية الإسلامية"جمعان الحربش باستجواب وزير التجارة فالح الهاجري العضو المنتخب الوحيد المشارك في الحكومة على خلفية ما أثير من مخالفات في الهيئة العامة للصناعة، لكن الوزير وعد بإصلاح الهيئة وربما يتراجع الحربش عن استجوابه، أما النائب خضير العنزي وهو عضو في"الحركة"أيضاً فأبدى توجهاً لاستجواب وزير الدولة لشؤون البلدية عبدالله المحيلبي وأعلن عن ملفات جمعها تبيّن حجم الفساد في جهاز البلدية. ويمثل"التجمع الشعبي"القوة الأكثر تحريكاً للساحة البرلمانية وللساحة الشعبية أيضاً، وأعضاء التجمع تسعة هم: رئيس المجلس السابق أحمد السعدون ومعه النائب الأعلى صوتاً في البرلمان مسلم البراك وثلاثي نواب"التحالف الإسلامي الوطني"، الشيعي عدنان عبدالصمد وأحمد لاري وحسن جوهر، و4 نواب آخرين هم محمد الخليفة ومرزوق الحبيني وأحمد الشحومي وحسين الحريتي. يهتم"التجمع"أكثر ما يهتم بالقضايا المالية والإدارية ومشاكل الخدمات العامة، ولعب دوراً رئيساً في التحرك البرلماني الذي أدى الى حل البرلمان في أيار مايو الماضي بعد أن دعا الى استجواب رئيس الوزراء الشيخ ناصر محمد الأحمد، ولا يزال زعيم التجمع أحمد السعدون يهدد باستجواب الشيخ ناصر مجدداً، ولكن على خلفية تجاوزات مالية كشفها تقرير لديوان المحاسبة حول مشاريع BOT، إذ يقول"التجمع"إن التجاوزات تشمل مسؤولية 4 وزراء ما يجعل استجواب رئيسهم مبرراً، غير ان التأييد الذي حصل عليه"التجمع"من 29 نائباً في أيار لمثل هذا الاستجواب غير قائم الآن بسبب اختلاف الأوليات بين الكتل. هذا لا ينفي احتمال تقديم السعدون لهذا الاستجواب من أجل إحراج الكتل الأخرى وتسجيل نقطة لمصلحة"التجمع"شعبياً، وإذا قدم الاستجواب فستجد الحكومة نفسها محرجة جداً لأنها استنفدت خياراتها. ومن المستبعد جداً أن يقبل الشيخ ناصر الصعود الى منصة الاستجواب وإن كانت الحكومة قادرة على جمع أصوات نيابية كافية لتجديد الثقة برئيسها. ويقول خصوم أحمد السعدون انه بتصعيده الأمور مع الحكومة يهدف الى استعجال حل آخر للبرلمان يؤدي الى انتخابات تعقد على أساس الدوائر الانتخابية الجديدة الخمس وتتحقق من خلالها فرصة أكبر لپ"التجمع"لزيادة عدد نوابه ومعه ترجيح فرص السعدون للعودة الى رئاسة المجلس. وفي كل الأحوال سيكون"التجمع"العنصر السياسي الأكثر إثارة في المرحلة المقبلة، لكن أجندته التي تركز على الاحتكاك بالحكومة ثم تبني مطالبات شعبية فضفاضة، مثل المطالبة بإسقاط الديون عن المواطنين، باتت أقل جاذبية عند المواطن الكويتي الذي صار مدركاً ان الملفات التي يواجهها البلد"أكبر"من الحكومة وان تعاون البرلمان مع الحكومة لحلها بات ملحاً، كذلك يعاني"التجمع"في تشكيلته الجديدة من حساسية النواب الآخرين الذين صاروا ينظرون اليه على انه تكتل من الشيعة والقبليين وليس فيه من ينتمي الى"الداخل"السياسي الكويتي إلا زعيمه السعدون. وفي مقابل التكتلين"الاسلامي"وپ"الشعبي"نتجت أخيراً"كتلة العمل الوطني"التي تضم نواباً هم جميعاً من السنة الحضر، بمشاركة نواب التيار الليبرالي الذي تلقى ضربه قوية في الانتخابات الماضية وصار يبحث عن حلفاء، وتضم هذه الكتلة ثمانية نواب هم مشاري العنجري وصالح الفضالة ومحمد الصقر وعبدالله الرومي ومرزوق الغانم وأحمد المليفي وفيصل الشايع وعلي الراشد. تتميز هذه الكتلة بتبنيها مواقف معارضة مع تمتعها بالاعتدال وبناء جسور مع الحكومة، كما تمثل توجهاً بين الحضر نحو مواجهة ما يعتبرونه طغيان نواب القبائل وپ"خطفهم"الديموقراطية الكويتية من مؤسسيها وتجييرها نحو قضايا استهلاكية جماهيرية، ومن المبكر القول اذا كانت هذه الكتلة ستحقق تأثيرها في الفترة المقبلة، لكنها تتمتع بمزايا عن الكتلتين الأخريين مثل حضورها القوي في شارع الصحافة وفي منتديات تشكيل الرأي العام وقربها من الفعاليات الاقتصادية الأقوى في الكويت ومع وجود هذه الكتل الثلاث ذات الأكثرية النيابية يترتب على حكومة الشيخ ناصر المحمد مواجهة كثير من المعضلات المحلية خصوصاً الخدمات العامة ومشاكل البنية التحتية، الى جانب الملفات الإقليمية والقلق من الوضع العراقي والخليجي، فهل ستستمر هذه الحكومة وتنجح في عمرها الافتراضي الذي يمتد لأربع سنوات؟