لا تمر مناسبة إلا ويشدد الرئيس جورج بوش على صموده وانتصاره في العراق. والحال ان كل المؤشرات، الميدانية والسياسية، يؤكد ان إدارته تسعى الى الخروج من المأزق، بأقل الخسائر الممكنة. ولربما كانت اللجنة الديموقراطية - الجمهورية التي شكلها الكونغرس أفضل دليل على ذلك. هدفها انقاذ سمعة الولاياتالمتحدة وليس سمعة بوش الذي أكد انه سيكون مرناً في التعاطي مع توصياتها. جيمس بيكر الذي يرأس اللجنة مع الديموقراطي لي هاملتون يصف الوضع في العراق بأنه"كارثي". يقترح انسحاباً منظماً بدلاً من الانسحاب المفاجئ، لحفظ ماء الوجه. الاقتراح تحت عنوان"انسحاب واحتواء"، اي وضع ترتيبات داخلية عراقية وتفاهم مع الدول المجاورة. الترتيبات الداخلية تتلخص في مفاوضات مع الجماعات المسلحة، وربما الارهابيين ايضاً. وتسليم الجيش العراقي مهمات تفوق طاقته. والأهم من ذلك التفاهم مع الدول المجاورة لتساعد في الاستقرار. وتمنع انتقال الفوضى الى أراضيها. لذا تقترح اللجنة اشراك سورية وايران في العملية أو تحييدهما من خلال بعض الوعود إذا أمكن. ايران، بحسب هذا التصور، تستطيع التأثير في الموقف الشيعي، من خلال"المجلس الأعلى للثورة الاسلامية"ومنظمة"بدر". ومن خلال نفوذها لدى حزبي"الدعوة"و"الفضيلة"وتيار مقتدى الصدر. أما سورية فباستطاعتها، مرة أخرى بحسب التصور الاميركي، منع تسلل المقاتلين عبر حدودها، والتأثير في موقف بعض القوى العشائرية والبعثية. لكن أحداً، لا في اللجنة ولا خارجها، مستعد للبحث في الثمن الذي يمكن ان تطلبه دمشق وطهران، مقابل هذه"الخدمة". وكان لافتاً ان يجري الاميركيون مفاوضات مع"الجيش الاسلامي"الذي يضم تنظيمات كثيرة، بمشاركة جبهة"التوافق"السنية في عمان. تؤكد هذه الخطوة ان الادارة الاميركية تسعى الى اقامة توازن مذهبي ومنع تحول العراق الى محمية ايرانية، فضلاً عن إعطاء الأردن"المعتدل"دوراً اساسياً في العملية، مقابل الدور السوري. من المؤشرات المهمة الى عزم واشنطن على الانسحاب من العراق ايضاً، ان البيت الابيض أصبح مقتنعاً بمفهوم"الاعتدال"ودوره في حفظ الاستقرار في المنطقة هل اقتنع بوش فعلاً؟. وهو مستعد للتخلي عن شعار نشر الديموقراطية والشرق الأوسط الجديد، بعدما أثبتت الحرب ان ثمن ذلك مرتفع جداً. والولاياتالمتحدة لا تمتلك، لا الموارد الكافية ولا الفهم الصحيح لإدارة بلد مثل العراق، فكيف بإدارة المنطقة كلها؟ يضاف الى ذلك ان الحلفاء، إما تراجعوا أو هم عاجزون. لدى توني بلير ما يكفيه وهو الآن على"الحياد". رئيس اركان جيشه طالب بانسحاب سريع. قائد قواته في افغانستان أكد ان الحرب على العراق اثرت سلباً في كسب المعركة ضد"طالبان". الطريف ان بلير أيد الأول، مؤكداً انه يعبر عن سياسة الحكومة، ولم يبق من الحلفاء سوى رئيس وزراء استراليا جون هاوارد المستعد للاستمرار في المعركة حتى آخر جندي أميركي. بوش ما زال مصراً على انه انتصر. حقق معجزتين: الأولى بإزاحة صدام حسين. والثانية بتحويل ايران الى قوة اقليمية عظمى. وسيترك العرب وغير العرب يتدبرون أمر العراق. وهو يقول لهم: اصمدوا سننسحب.