يتداخل ملفا كوريا الشماليةوايران مع المفاوضات بين الصينوروسياوالولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا. وتأمل الإدارة الأميركية أن يثمر العمل الجماعي في مواجهة هذين العضوين من"محور الشر"، علماً بأن تصرفها الانفرادي في العراق كبّلها وجعلها رهن النفوذ الصيني - الروسي مع طهران وبيونغيانغ. ما يسعد واشنطن هذه الأيام هو ما سببته كوريا الشمالية من احراج للصين دفع بالأخيرة الى الموافقة على التحدث عن مبدأ فرض عقوبات، من دون تحديدها. وما تريده الادارة الأميركية الآن هو العمل مع الصينوروسيا نحو تعريف نوعية العقوبات على ايران، بعدما رفضت طهران الاستفادة من رزمة الترغيب وذلك تنفيذاً للتعهد الصيني - الروسي بهز عصا العقوبات اذا فشلت جزرة المكافآت. الا أن أدوات العقوبات والعزل الجماعي تتسابق أحياناً مع رغبة الدول المستهدفة بفترة زمنية من هذا"العقاب"كي تتجنب المحاسبة وكي تبقي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعيدة عن برامجها النووية. وهذا ما يبدو أنه في ذهن ايرانوكوريا الشمالية وهما تتلاعبان بالأسرة الدولية وتتمتعان بنوع من الحماية الصينية - الروسية لتصونهما من عقوبات جدية ومؤذية يفرضها مجلس الأمن الدولي. لكن فسحة التلاعب لهاتين الدولتين باتت تنحسر بسبب ضيق صدر الصينوروسيا بأخذ طهران وبيونغيانغ لهما وكأنهما مضمومتان لحسابهما وحمايتهما تحت أي ظرف كان. لذلك، ان المرحلة المقبلة من الحديث الاستراتيجي بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن تستحق المراقبة الدقيقة وقد تؤدي اما الى مواجهة أو الى تفاهمات جديدة بين الدول الكبرى. ادارة جورج دبليو بوش منقسمة في الاسلوب والفحوى اذ ان شطراً منها يريد المواجهة الديبلوماسية والسياسية مع الصينوروسيا في الشأنين الايراني والكوري الشمالي فيما الشطر الآخر يريد تعزيز العمل الجماعي وان كان خطوة خطوة وببطء شديد. السفير الأميركي جون بولتون ينتمي الى مدرسة المواجهة وهو الذي نقل الحديث الديبلوماسي الاسبوع الماضي الى خانة التحدث الى الصحافة عن"حماة"لكوريا الشمالية في مجلس الأمن الدولي في اشارة مبطنة الى روسياوالصين. وهذا ما أثار شبه غضب في ملامح السفير الصيني وانغ غوانغيا وجعله يحتج على استخدام تعبير"حماة"كوريا الشمالية لتشجيعها على التحدي. كان ذلك الاسبوع الماضي وكان ذلك قبل اعلان كوريا الشمالية انها قامت باختبار نووي جاء بمثابة صفعة للصين. فبعدما لبى مجلس الأمن الطلب الاميركي الى جلسة طارئة، خرج بولتون ليقول للصحافة انه لم ير أي حماة في الغرفة ذلك اليوم. بولتون ايضاً وجد في التحدي الآتي من ديكتاتور بيونغيانغ، كيم جونغ ايل، شبه هدية لأسلوبه الذي ينادي بالحزم والعقوبات والعصا وبحجب المكافآت ورزمة الترغيب والجزر. وجد فيه ايضاً جرعة منشطة له للاستفادة من المغامرة الكورية في اطار ملف ايران للدفع به الى العقوبات. وكيل وزيرة الخارجية الأميركية، نيكولاس بيرنز، لا يرى"عيناً بعين"مع جون بولتون وهو وراء استراتيجية العمل سوياً مع الصينوروسيا، وان كان تدريجياً، للتأثير في كوريا الشماليةوايران. خلاصة رأيه ان تطورات كوريا الشمالية توفر للولايات المتحدة فرصة أخذ خطوة الى الوراء للنظر بصورة أوسع الى السياسة الأميركية في شمال شرقي آسيا وللعمل مع موسكو وبكين. وهو يقول ان جورج دبليو بوش ملتزم بالديبلوماسية وبالعودة الى المفاوضات السداسية الأطراف التي تضم الولاياتالمتحدةوالصينوروسيا واليابان وكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية. ولكن،"يجب ان نتعاطى مع مرحلة العقاب اولاً". كذلك في ما يخص ايران، ان رزمة الترغيب"ستبقى على الطاولة"ولكن،"اننا الآن في حاجة للتوجه الى العقوبات"بعدما رفضت ايران الرزمة وفرضت التوجه نحو"البدء في صوغ مشروع قرار العقوبات". ما يبني عليه بيرنز هو"الالتزام الذي لدينا من روسياوالصين"في الجولة الأخيرة بأنهما"سيدعمان اصدار قرار بموجب الفصل السابع من الميثاق". لكن بيرنز لا يزعم ان هناك التزاما بنوعية وعمق وعرض العقوبات. انه مجرد التزام بالمبدأ، حسب قوله. رأي الادارة الأميركية هو أن تطورات كوريا الشمالية ستساعد في حشد الوحدة في صفوف الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن واستراتيجيتها تقوم على الدفع الى الأمام بالملف الكوري ثم بعد ذلك بالملف الايراني. ورأي بيرنز هو ان ذلك"الدهاء في الديبلوماسية"الذي يرافق سمعة ايران ليس بالضرورة صحيحاً، لأن ايران لم تفلح مثلاً في رسم حفرة انقسام بين روسيا والأوروبيين. المهم، ان الادارة الأميركية تريد الإقرار والاعتراف بنواقص، حسبما يبدو، ولذلك قررت انشاء"محطة"في دبي من أجل"أن نفهم ايران أفضل"، حسب بيرنز، لتكون المحطة قناة تواصل مباشرة وان غير رسمية، هدفها توسيع رقعة الاتصالات والاستماع الى ايرانيين ودرس الفارسية والمخاطبة. فهناك شبه استفاقة الى أن أكثر من ربع قرن مضى منذ انقطاع العلاقات بين الولاياتالمتحدةوايران، ومنذ ان خدم ديبلوماسي اميركي في طهران أو تمكن خبير من القول: انني أعرف ايران جيداً. هذا النقص أدى بوزارة الخارجية، تحت قيادة كوندوليزا رايس، الى اتخاذ قرار بمحاولة التواصل مع ايران الرسمية وكذلك التواصل مع ايران المعارضة في آن واحد. هذا الاسلوب يجعل الكثيرين في المعارضة الايرانية على يقين بأنهم قابلون للاستغناء عنهم فوراً، اذا ما نجح"التواصل"مع الحكومة الايرانية والتفاهم معها على كل الملفات. كذلك في مسألة"العزل"، للادارة الاميركية رأي يقترب من الازدواجية والتناقض. فايران هي التي ترفض التجاوب مع رزمة الترغيب والمكافآت مقابل مجرد"تعليق"تخصيب اليورانيوم الذي عرضته واشنطن وبقية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائداً المانيا. لكن ايران هي في الوقت ذاته زعيمة"محور الارهاب"الذي يضم سورية والمنظمات الارهابية، حسب رأي الادارة الأميركية ذاتها، وهي"البنك الممول للمجموعات الارهابية". فإذا كانت طهران عنوان تمويل الارهاب، لماذا تعرض واشنطن عليها رزمة تقتصر على ترغيبها بتعليق التخصيب، مقابل مكافآت فيما تزعم ان لا علاقة لها قطعاً بمن لهم علاقة بالارهاب؟ ايران، حسب وزارة الخارجية الاميركية، فاعلة في ضرب استقرار النظام الاقليمي القائم من أجل إعادة فرز قواعد القوى الاقليمية والدولية في المنطقة بصورة تهدد المصالح الاميركية. لكن ايران تعاني من"حالة جدية من العزل"ليس فقط على أيدي بعض الدول العربية المجاورة، وانما ايضاً على أيدي الهند والبرازيل في الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفي مجلس الأمن الدولي بما يشمل الصينوروسيا، حسب تقدير الخارجية الأميركية التي ترى ان ايران، بسبب اعتمادها على عدد من الدول المجاورة والبعيدة، فإن استراتيجيتها ليست السعي وراء العزل بل التواصل، حسب قراءة واشنطن. انما عندما عرضت كوندوليزا رايس استعدادها شخصياً للجلوس مع القيادة الايرانية، في اطار الدول الخمس الدائمة العضوية زائداً المانيا، لم تتلق أي رد من ايران. قراءة واشنطن للأسباب، هي ان هناك ملامح انقسام داخلي. نيكولاس بيرنز كرر مرات عدة أمام"مجلس العلاقات الخارجية"في نيويورك ان رايس نفسها عرضت استعدادها شخصياً للجلوس الى الطاولة مع الآخرين، للتحدث مع ايران، وكأن تلك هي أثمن هدية ومكافأة قدمتها واشنطن في اطار"رزمة"الترغيب. فلماذا ترفض واشنطن التخاطب الثنائي المباشر مع القيادة الايرانية ومع قيادة كوريا الشمالية وتترك في ايديهما ورقة تحميلها مسؤولية احباط فرص معالجة النزاعات بصورة أعقل؟ ادارة جورج دبليو بوش تريد مقابلاً للحديث الثنائي قبل بدئه. انها ترى في المحادثات الثنائية المباشرة مع طهران الورقة الأثمن الأكبر ولا تريد هدرها في مهاترات ديبلوماسية. انها مستعدة لصرفها بمقابل مضمون مسبقاً، وليس لمجرد الترغيب. والسؤال عندئذ هو: هل تنظر القيادة الايرانية والقيادة الكورية الشمالية الى التخاطب الثنائي مع الادارة الأميركية بالمستوى نفسه من الاهمية باعتباره"الورقة"، أو ان مطالبتهما بالحوار الثنائي مجرد بدعة هدفها المواربة؟ ثم استطراداً، لماذا يفترض ان الصينوروسيا تودّان تسهيل العلاقة الثنائية المباشرة لايرانوكوريا الشمالية مع الولاياتالمتحدة في الوقت الذي تمتلكان فيه المفاتيح الى النوافذ والأبواب في هذين الملفين؟ ثمة غرابة في النظرة الاميركية الى مسألة الحوار الثنائي مع طهران وبيونغيانغ. منطقياً، يفترض أن يريد جورج بوش لادارته ان تتحدث وجهاً لوجه، ثنائياً، بلا وساطة، وبلا"حماية"أو"وزن"صيني - روسي لصالح ايرانوكوريا الشمالية. يفترض ان يسعى وراء الحوار الثنائي والحديث الصريح وحتى المقايضة في كل المواضيع المطروحة اقليمياً والتي لايران ذراع فيها من الخليج الى لبنان الى النفط الى الارهاب. يفترض ان يريد الرئيس الاميركي ان تعرف ادارته"من هو المصدر"أو ما يسمى ما يأتي من"فم الحصان"حول ماذا تريد كوريا الشمالية حقاً وماذا تريد ايران صدقاً. ما يعيق جورج دبليو بوش عن هذا الاتجاه والمنطق هو وقوعه في الاعجاب ب"محور الشر"في لحظة عابرة صرف وإن أتت عليه بفكرة وتعبير تلاقياً مع شعوره حينذاك. لكن دبليو لا يندم ولا يتراجع ولا يقر بخطأ بصراحة. لذلك كل ما تقوم به ادارته هو"ترقيع"هنا و"تنظيف"هناك وليس بالضرورة باستراتيجية تنطلق من ارتكاب خطأ فادح هو التعاطي مع بغدادوطهران وبيونغيانغ ك"محور شر". الأهم، ان لا مؤشر هناك على استراتيجية اميركية قادرة على التصدي الجدي لسياسة روسية وصينية ماضية في وضع العلاقة المميزة مع ايرانوكوريا الشمالية في مرتبة أعلى من علاقاتها مع الولاياتالمتحدة حتى وان كان ذلك مجرد تكتيك انتقالي في عملية تهذيب المواقع الاستراتيجية للدول الكبرى التي تتسابق على العظمة. لربما تبدي واشنطن أخيراً بعض الحكمة في تفاؤلها واعتمادها على علاقة مع روسياوالصين تنطلق من الاجماع على ملفي ايرانوكوريا الشمالية وتنتهي بتصحيح مسار الدولتين لقطع الطريق على طموحاتهما النووية الخطيرة. انما لربما هي تغامر وتخاطر في افتراضها ان الاحراج الذي تسببه طهران وبيونغيانغ لموسكو وبكين قد أدى الى نقلة نوعية في علاقة استراتيجية. الاسبوعان المقبلان مهمان جداً في اعطاء فكرة ونكهة عما إذا كانت التفاهمات بين الدول الكبرى آتية، أو ان كانت المقايضات تلوح في الأفق، أو ان كانت المزاحمة على المواقع الاستراتيجية والمصادر النفطية هي التي ستتحكم بالعلاقات لا سيما العلاقة الاميركية - الصينية - الروسية.