تتفق جهات مختلفة في العراق على ان زيارة الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الى بغداد الشهر الماضي حققت نجاحاً لافتاً، وسط ترحيب واسع بالمبادرة العربية التي طرحها من أجل عقد مؤتمر وطني جامع بمشاركة العراقيين كافة، للخروج من المأزق الذي يتخبط فيه العراق. وجاء التأييد الكردي لمهمة موسى على لسان الزعيمين الرئيس جلال الطالباني ورئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني والمباركة الشيعية من المرجع الأعلى في النجف علي السيستاني لتبدد الشكوك في شأن الدور العربي المنتظر. ويعتبر رئيس الجمعية الوطنية العراقية البرلمان حاجم الحسني ان موسى نجح في تحقيق التقارب العراقي - العراقي والعراقي - العربي خلال مهمته في طول العراق وعرضه. وأوضح ل"الحياة"ان"من الخطأ القول ان القوى السياسية العراقية الموجودة في السلطة تمكنت من كسب موسى لمصلحة مواقفها، لأن الرجل التقى اطرافاً من داخل السلطة وخارجها". واعتبر ان قبول الاطراف العراقية كافة التي التقاها موسى بمبدأ المشاركة في مؤتمر الوفاق الوطني الذي سينظم في القاهرة الشهر الجاري، مؤشر قوي على امكان نجاح المؤتمر في انجاز الوفاق بين العراقيين. الا أن عضو اللجنة الدستورية وسام العاني اعتبر ان مبادرة الأمين العام للجامعة العربية"لم تتضمن تفاصيل مطمئنة، وكل ما طرحه دعوة خجولة وضعيفة لمصالحة او وفاق في حين تهيمن على الساحة العراقية خلافات ومشاكل خطرة". واستبعد ان يتوصل المتحاورون في القاهرة الى أرضية توافقية يمكن التعويل عليها في أي لقاء للمصالحة او الحوار الوطني، مشيراً الى ان الدعوة بشكلها الحالي"هي ان نجلس في مؤتمر نتوافق فيه أولا ومن ثم نعود، واعتقد ان هذا يمضي بالعراق الى منحدر خطير يزيد من حدة العنف ويضاعف الخلافات". وشدد"على ضرورة فك معادلة العنف من خلال اقتراح آلية للتعامل مع قوات الاحتلال لأن قوى عراقية كثيرة تربط بين العنف ووجود القوات الأجنبية". وانتقد العاني موسى"لابتعاده عن صلب المسألة في مفاوضاته مع القوى العراقية وعدم محاولته مناقشة طبيعة وجود هذه القوات، كما انه لم يتصل بكل ممثلي شرائح المجتمع العراقي من منظمات المجتمع المدني وقوى سياسية وشخصيات مستقلة لها ثقلها على الساحة السياسية". معارضة سنية وفي وقت سعت القوى السنية الى تفعيل الدور العربي في الموضوع العراقي، الا انها لمست ان موسى ذهب بعيداً عن وجهتها في تبني مطالب اساسية مثل جدولة انسحاب الاحتلال الاميركي وادانة ارهاب الدولة المنظم وفتح حوار مع القوى التي تقاتل الاحتلال مباشرة. وينتقد فخري القيسي، احد ابرز الشخصيات السنية السلفية، بشدة مهمة موسى لأنه"استثنى في جولته لقاء القوى العراقية التي قاتلت الاحتلال و تضررت من ارهابه وارهاب السلطة العراقية المنظم"، متهماً الأمين العام للجامعة بأنه"خدم توجهات القوى الموجودة في السلطة". وحذر من ظهور معارضة سنية لمبادرة موسى ولمؤتمر الوفاق الوطني،"فالقوى التي تضررت من الاحتلال وقاتلته لن تكون معنية بالمؤتمر الموعود لأن موسى اختار عدم اللقاء بقادتها". ترحيب كردي وتعتبر أوساط كردية ان قبول المبادرة العربية يحقق مكاسب اهمها الاعتراف العربي بالعراق الجديد واقناع بعض الجماعات السنية المسلحة والمعارضة بدخول العملية السياسية ووقف العنف، وكذلك وقف عمليات التجنيد القائمة في الشارع العربي لمقاومة الاحتلال الاميركي في العراق وهو امر ربما يشهد انحساراً بعد التطبيع العراقي - العربي. ويؤكد القيادي الكردي محمود عثمان ل"الحياة"ان مهمة جامعة الدول العربية في بلاده ما كانت لتتم من دون مباركة ودعم اميركي. ويبدو ان الدور الاميركي لم يقتصر في دفع موسى الى زيارة العراق بل في حض الاطراف السياسية العراقية خصوصاً الزعامات الكردية لاحقاً على الترحيب بمهمة الرجل ودعمها. مرونة شيعية من جهتها بدت الكتلة الشيعية اقل تشدداً بعد انتهاء زيارة موسى. وقال عضو هيئة شورى"المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق"علي العضاض ان مبادرة موسى"تلملم الأشياء جزئياً". وتوقع ان تنجح المبادرة بسبب تداخل المواقف في هذه المرحلة التي تتهيأ فيها القوى العراقية الى الانتخابات إضافة الى"المتغيرات المستجدة على الساحة ما استدعى من الكتلة الشيعية ابداء قدر اكبر من المرونة والانفتاح على أي مشروع عربي يسعى الى تخفيف الضغوطات على الجماعات السنية واستقطابها سواء كانت أحزابا او تيارات او شخصيات او قبائل. ولفت الى هذه المستجدات على الساحة العراقية ترافقها تطورات على المستويين الإقليمي والدولي،"اذ يسعى الاميركيون الى التخفيف من حدة الاحراجات الدبلوماسية التي يواجهونها في المنطقة العربية بعد فتح جبهات مواجهة مع سورية ودول اخرى من خلال احتواء السنة العرب في العملية السياسية في العراق بهدف الحصول على موقف رسمي عربي مؤيد لسياساتهم". من جهته، وصف هاشم الحبوبي من"ائتلاف العراقي الديموقراطي"المبادرة ب"الماء البارد الذي سكب على الجسد العراقي الحار"معتبراً انها"ستسهم في حل التشابك السياسي على الساحة العراقية". الا انه لفت الى ان الوقت الذي موعد عقد المؤتمر التحضيري في القاهرة"لم يترك وقتاً كافياً لتوفير أرضية بالحد الأدنى للتوافق"، ولم يخف قلقه من ان يتحول مؤتمر القاهرة"مهرجاناً خطابياً". واتهم الشيخ جواد الخالصي الأمين العام ل"المؤتمر التأسيسي العراقي"جهات لم يسمها ب"التعمد في حصر القوى المعارضة والمناوئة للاحتلال بالسنة العرب"مشيراً الى ان المقترحات التي قدمت الى موسى في مقر هيئة علماء المسلمين"لم تكن خاصة بالهيئة بل كانت شروط القوى العراقية الرافضة للاحتلال سنية وشيعية". وأكد ان نجاح مؤتمر القاهرة والذي سيليه"متوقف على التوصل الى حل مشكلة وجود قوات الاحتلال في العراق، وحذر من ان حضور شخصيات عراقية ذات توجه اسرائيلي الى مؤتمر القاهرة يمكن ان يشكل عقبة رئيسية في الحوار وينسف كل الجهود لإنجاحه.