إذا كان المهرجان بتاريخه، وموقعه، والهالة الاعلاميّة التي تحيط به، والسمعة السياحية التي يتمتّع بها... فربّما عذرنا الذين ما زالوا يعتبرون"مهرجان بيبلوس"فتياً، فهو في النهاية الأخ الأصغر لأخوته بين مهرجانات الصيف الجادة في لبنان. لكنّ المهرجان هو"برنامج"قبل كلّ شيء... وللسنة الثانية، بل الثالثة على التوالي، تزداد"مهرجانات جبيل الدوليّة"تألقاً وتميّزاً."بيبلوس"يفاجئ... حتّى الابهار! يتذكّر الجمهور فجأة أن قلعة جبيل التاريخيّة لا تخلو من جاذب سياحي، وأن موقع المهرجان لا بأس به، وأنّه - وهنا الأهمّ - بدأ يكبر فعلاً، ليحتلّ موقع الصدارة بين المهرجانات، من خلال برنامج متنوّع وغني ونوعيّ، يحمل الى الجمهور تجارب مهمّة، من جاز وروك وسالسا... إضافة إلى المقام الأذربيجاني كما أعادت انتاجه موسيقى العالم... ال"وورد ميوزيك". يقدّم المهرجان هذا العام فرقاً وألواناً فنية وأسماء، تتنازعها أكبر المهرجانات العالميّة. براد ميلدو 23/7، عازف البيانو الأميركي الذي يعتير الابن الرهيب للجاز العالمي مواليد 1970. عمارا بورتوندو 29/7 مغنيّة السالسا الكوبيّة الذي يذكر بعضنا ربّما دمعتها في نهاية أغنية Silencio، في فيلم فيم فيندرز"Buena Vista social Club"ويد ابراهيم فيرير تجففها بمنديل أبيض. الأذريجانيّة ال"باد غيرل"عزيزة مصطفى زادة 25/8 التي زاوجت بين باول باد وراخمامينوف، بين بيتي كارتر وتراجيع الآذان في أرضها البعيدة... وربّما لا نبالغ إذا قلنا إنّ"مهرجانات جبيل الدوليّة"هي، من حيث البرمجة، أبرز المواعيد الفنيّة هذا الصيف. وأنّها تقف وجهاً لوجه مع"غرمائها"هذه المرّة : بيبلوس يتحدّى بعلبك، وينظر بثقة المتفوّقين إلى بيت الدين! إنّه الأخ الأصغر الذي"بطح"كلّ أفراد العائلة! نتحدّث طبعاً هنا عن منافسة فنيّة راقية، هي لمصلحة الحياة الثقافيّة والفنيّة في لبنان... وقد بادرت كلّ المهرجانات اللبنانيّة إلى التعاون على بثّ اعلان مشترك لعروضها وبرامجها - التي لا تتضارب في ما بينها أبداً - هذا الصيف. أطياف ستار أكاديمي غريب أمر ناجي باز مسؤول البرمجة في"مهرجان بيبلوس"، وأحد أكثر منظّمي العروض الموسيقيّة العرب متابعة لحركة صناعة الموسيقى وأبرز الانتاجات على الساحة العالميّة. فالرجل الذي ندين له بدعوة فرق مثل"بلاسيبو"Placebo أو"غوتان بروجكت"Gotan Project وغيرهما في السنوات الماضية إلى لبنان، قادر في الوقت نفسه على الاهتمام ب"نجوم"ستار أكاديمي من خلال شركته الخاصة"ستار سيستم"، وهو سيفتتح المهرجان بتلك القامات الفتيّة، الجميلة، العابرة في حياتنا التلفزيونيّة الهشّة: السعودي هشام عبدالرحمن، والتونسيّة أماني السويسي، والجزائريّة سلمى غزالي، والمصريّة زيزي عادل، والكويتي أحمد حسين، واللبنانية كاتيا حركة والآخرون، يقدّمون لوحاتهم الاستعراضيّة والغنائيّة في قلعة جبيل العريقة. إنّها الوحدة العربيّة في زمن"تلفزيون الواقع". وبعدها تمضي القافلة ال"ستار أكاديميّة"، ويبدأ الاحتفال الحقيقي بال... روك الإند رول. ليس"روكاً"عادياً، ذلك الآتي من السنوات الذهبيّة في بريطانيا. إنّه روجر هودجسون أحد مؤسسي"سوبرترامب"Supertramp. بعد طلاق 22 سنة، يحيي تراث الفرقة الأسطوريّة التي أطلقها ذات يوم ضبابي من العام 1973، مع رفيقه ريك دايفيس، وعازف البايس الاسكتدلندي دوغي تومسون! سيلتقي هودجسون، صاحب أغنية"إعط قليلاً"المتضامن مع ضحايا ال"تسونامي"، أطياف رفاقه القدماء في جبيل في شكل عابر 22 و23/7. ويقدّم منفرداً Dreamer وHome وTake the long way وأغاني كثيرة تنضح بالحنين إلى ثمانينات القرن الماضي. ولعلّها فرصة ثمينة أمام الجمهور اللبناني والعربي في لبنان، لاكتشاف ثلاثي براد ميلدو. براد على البيانو في جبيل بعد كارينجي هول نيويورك وطوكيو وجوان لي بان، يرافقه بايس ودرامز. براد المولع بالارتجال الذي يجمع بين الجاز أوسكار بيترسون وكيث جاريت وبيل إيفنز والموسيقى الكلاسيكية شومان وشوبرت وبيتهوفين. وتجدر الاشارة إلى أن ميلدو هو مؤلف موسيقى أفلام فيم فندرز Milion dollars Hotel والراحل ستانلي كيوبريك Eyes Wide Shut. والموعد الآخر المنتظر هو مع"السالسا"، تقدّمها عمارا بورتوندو"إديث بياف كوبا"، التي أخرجها فيلم فيندرز من النسيان مثل ابراهيم فيرير وكومباي سوكوندو وآخرين.... ثم مع عزيزة زاده ابنة مصطفى زاده أحد معلّمي"المقام"الأذربيجاني، وأمّها إليزا زاده التي كانت تعرف أيّام الاتحاد السوفياتي ب"إليزا خانوم"، وكانت أولى النساء اللواتي غنين بأسلوب الجاز والمقام الجديد الذي واصلته عزيزة وتعمل على تطويره. وحين تجلس عزيزة إلى البيانو، تكون دائماً مناخات ال"نيو إيج"والموسيقى التأملية غير بعيدة، وكذلك كل الطقوس الصوفيّة و"رقصات النار"حسب عنوان احد ألبوماتها. الرحابنة مسك الختام أما مسك الختام في"مهرجانات جبيل الدوليّة"فهو مسرحيّة غنائيّة لأسامة الرحباني عن نصّ كلاسيكي للأديب جبران خليل جبران 17 - 20 / 8. العمل من تأليف منصور الرحباني، والموسيقى لإسمه، أما الاخراج فيحمل توقيع مروان الرحباني. وهي المرّة الأولى التي يشارك فيها الرحابنة في بيبلوس. إنّها رحلة روحانيّة في كتاب مرجعي لجبران وفي حياته وفلسفته. يدخلنا العمل الى الكواليس المفترضة لتشكّل الكتاب الذي صار من أشهر كتب العالم ذي بروفت. يقوم على لعبة مواجهة بين الشاعر والأديب والرسّام الروحاني من جهة وبطل قصّته من جهة أخرى... وهناك شخصيتان نسائيتان: ماري هاسكل صديقة جبران المقرّبة ومستودع أسراره وحاميته، و"الميطرا"كاهنة الهيكل التي أعطاها الدور المحوري في كتابه. راجع الكادر المرفق. العرض يقوم إذاً على عالم الغرابة والخيال والفنتازيا... إذ يتماهى في النهاية الكاتب وبطله، إنّه المصطفى الرؤيوي الذي يكتب عنه، فيما ماري هاسكل ليست سوى..."الميطرا". أما مدينة أورفليس، في الرؤية الرحبانيّة، التي تدور فيها أحداث الكتاب، فهي ليست سوى نيويورك التي احتضنت غربة الكاتب، وعاش تواقاً الى الحروب من ماديتها وضجيجها. ويأتي التأليف الموسيقي - بحسب الملفّ الصحافي المتميّز الذي ندر أن نقع على مثله بين الملفات التي تقدّم التظاهرات الفنية العربيّة تصميم Mind The Gap - ليعكس تلك الرحلة الميتافيزيقيّة، ضمن مناخ المسرح الغنائي الذي تضفي عليه كلمات منصور بعداً رحبانياً خاصاً.