الفيلم الجميل، كأي عمل فني، حين يترجم شخصية مؤلفه وحساسيته الخاصة، فإنه يمنح لهذا الذي يشاهده جزءاً من صانعه، من وجوده في هذا العالم ومن إنسانيته. السينما تدور حول الإنسان كما تدور الأرض حول الشمس. تجعل الإنسان العادي، الانسان البسيط، يكتشف عظمته". في عدد كرس للفن السينمائي في القرن الحالي، نشرت مجلة"رسالة أكاديمية الفنون الجميلة"الصادرة عن معهد فرنسا، لقاءات ومحاضرات لمهتمين وعاملين في المجال السينمائي دارت حول معاني هذا الفن وحول المخاطر التي تهدده حالياً. رئيس جمعية المخرجين المستقلين باسكال توماس قائل العبارات السابقة، رأى في"المال"التهديد الأخطر على السينما. ففي السابق كان يقوم بالانتاج أناس"مغرمون بالسينما"الى الدرجة التي تجعلهم يخاطرون بكل شيء من أجلها، وحتى بالإفلاس. وهذا من اجل هدف وحيد وفريد: إتمام الفيلم الذي حلموا به"كان الفيلم هو المغامرة المقدسة الذي كان واحدهم يهب نفسه لها". ولكن في أيامنا هذه، تغيرت الحال"الاختراعات التقنية والابتكارات، كما يعتقد كثر، جردت السينما من قدرتها على تحريك الاوضاع وقلبها. لكن كل تلك التحولات لم تؤثر على السينما هذا التأثير الخطير الذي يهددها اليوم: المال. العولمة ورأس المال والإعلام هي التي غيرت المعطيات جذرياً". وخلص المخرج الفرنسي الى انه"اذا اراد المخرج البقاء حراً مخلصاً لحلمه، فعليه ان يعتمد على نفسه، على ارادته وطاقته وعطائه الخاص". وذكر ان اميل غاليه وهو فنان تشكيلي عمل على الزجاج، كتب عام 1910 لزوجته"مكتوب على الفنان ان يكون مجرداً من السلاح في الحياة. فحين ينصب نفسه حارساً على المكاسب المادية والمنافع، يتوقف عن ان يكون فناناً". ويرى تيري فريمو وهو مشرف فني في مهرجان"كان"ومدير معهد لوميير في ليون، ان الاسئلة التي تطرح حول السينما غير كافية"فنحن نترك انفسنا تنقاد وراء الحنين لنبكي، على نحو افضل اختفاء، اشياء غالية ومقدسة من الماضي". كما يذكر ان مستقبل السينما، طرح منذ لحظة وجودها حيث صنفت آنذاك بأنها"فن بلا مستقبل". فالعرض الاول لم يجذب سوى 33 متفرجاً. وحالياً هناك أمران يستدعيان المناقشة. الأول تقني"يتجلى في انتشار ظاهرة الاسطوانات المدمجة، والتسجيل من الشبكة الاكترونية والذي قد يصبح شرعياً مستقبلاً". والثاني فني"انه وقت التساؤل. هل تم استنفاد كل شيء؟ وهل قامت كل التجارب". ويذكر تجربة مهرجان"كان"الذي يجد نفسه مجبراً على الانفتاح على تجارب الفيديو وعلى السينما الوثائقية وسينما الصور المتحركة، وهو أمر"لا يتم من دون صعوبات: حيث ان برمجة فيلم مايكل مور في المسابقة الرسمية دورة 2004 اثارت تعليقات كثيرة وپ"كأن هذا الفيلم ليس بفيلم". ولكن فريمو متفاءل بمستقبل السينما"السينما تحب ان تلعب لعبة الخوف. لأنها معتادة على العيش مع نوع من فلسفة الاختفاء. وخلال قرن من وجودها تعرضت لقرارات بالموت اكثر من الأدب والرسم او الموسيقى. ولكننا سنتابع الذهاب الى السينما بعد عشرين او خمسين سنة. عام 1895 انتصر لوميير على اديسون... لأن المشاهدين كانوا يريدون في ذلك الحين ان يروا معاً فيلماً على شاشة كبيرة. ليتشاركوا في الضحك، في الدموع، وفي النظرة الى العالم. وهذا كله، قد بقي صالحاً. السينما والتلفزيون العلاقة المتوترة بين السينما والتلفزيون موجودة في معظم البلاد على ما يبدو. ففي فرنسا ومنذ البداية كان"الحذر"يحكم أهل كل مهنة تجاه الاخرى. ويكتب باتريك بريون وهو مؤرخ سينمائي ومسؤول عن قسم السينما في قناة"فرانس 3"، ان مخرجي التلفزيون الرسمي كان لديهم الانطباع بأنهم"لا ينتمون الى نادي مبدعي الافلام، وكانوا يشعرون بالغيرة من زملائهم السينمائيين وهم يرون ملصقات أفلامهم في الجادات الكبرى في باريس". ولم يكن ثمة"ممر عبور"بين السينما والتلفزيون ما عدا استثناءات بدأت مع روسيلليني وغوادار. ثم في مرحلة تالية انعكس التنافس بين القنوات التلفزيونية على أسعار الأفلام واقترب بعض كبار السينمائيين كشابرول من التلفزيون. ومع انتشار القنوات التلفزيونية أصبحت الأفلام توزع وتعرض مرات ومرات وتقطع بالدعايات. وأصبح بمقدور المشاهد الذي كان ينتظر سنوات قبل ان يرى الفيلم على الشاشة الصغيرة، ان يراه"مقطعاً"الآن. وفي هذه الفترة اصبح التلفزيون لا سيما"قنال بلوس"احد المصادر الرئيسية في تمويل السينما. ما جعل من الفيلم سلعة عادية، وما قصر من حياته في الصالات شيئاً فشيئاً. فمن ست أو سبع سنوات، اختصرت حياة الفيلم الى أسابيع عدة. واليوم لم تعد القنوات تسعى الى توزيع الافلام وإنما الى تحقيقها. وهذا ما رفع من شأن الفيلم التلفزيوني على حساب السينمائي. فالفيلم التلفزيوني، الذي يعرض لمرة فقط، يلقى قبولاً من المشاهد الذي مل تكرار عرض الافلام السينمائية. وبما ان القنوات لم تعد تعتمد كالسابق على نسبة المشاهدة للأفلام، فقد قللت من برمجة الأفلام على قنواتها، وأصبحت توزع اعداداً ضئيلة من الافلام، ما انعكس سلباً على تمويل السينما". ويرى المؤرخ ان القنوات التي تحيل الفيلم الى"سلعة موقتة"تنسى ان السينما هي"فن كالمسرح والأوبرا". ويستنتج بالتالي ان"الأسوأ هو ما يخشى"في مجال الفن السينمائي. الفضل في ظهور مصطلح"الاستثناء الثقافي"في بدايات التسعينات، يعود الى فرنسا. وأظهر باسكال روغارد رئيس التحالف الفرنسي من اجل التنوع الثقافي، في مداخلته ان فرنسا قد حاربت وبنجاح لتحقيق هذا الهدف حين اقنعت بقية الدول الاوروبية بمقاومة المحاولات الاميركية لدمج مجالات السمعي البصري في المفاوضات التجارية للغات عام 1993. وكانت تلك المفاوضات قد هدفت الى الغاء العوائق امام"التبادل الحر". ولكن اوروبا رفضت مناقشة قضايا كدعم وحماية السينما والتلفزيون لاعتقادها انه أمر لا غنى عنه للحفاظ على الهوية والاستقلالية. وأشار الكاتب الى ان الدول الاعضاء في اليونسكو تسعى حالياً الى تطوير معاهدة دولية تقوم بتحديد مفهوم"التنوع الثقافي"، في محاولة منها لفرض الاحترام المتبادل لحق الشعوب بالاستمتاع بثقافاتها الخاصة، والاعتراف بحرية الدول