يصعب اختصار مسيرة فنية طويلة مثل مسيرة الفنان المصري حسين فهمي بحوار صحافي. ذلك ان حسين فهمي هو صاحب تجربة طويلة وغنية، حافلة بالعطاء في مجال السينما والتلفزيون والمسرح، وينتمي الى جيل كان له دور بارز في تنشيط هذه الفنون وتفعيل دورها في المجتمع، وتكريس أهميتها وتصحيح النظرة الخاطئة اليها. حظي الفنان حسين فهمي بالاعجاب والتقدير، ونال جوائز كثيرة، كما كُرّم في أكثر من مهرجان ومناسبة، وها هو يُكرَّم في مهرجان دمشق السينمائي الأخير تقديراً لمسيرته الفنية. وهناك التقته "الحياة" وكان لها معه هذا الحوار: ماذا تخبرنا عن البدايات، عن أيام الطفولة، وكيف ظهر الشغف السينمائي لديك؟ - سؤالك يحتاج الى اجابة طويلة جداً، لكنني سأختصرها بالقول إنني عشقت السينما وأنا في سن الثامنة، ونمت لدي رغبة في الانتماء الى هذا العالم المملوء بالسحر والغموض والخيال. وبعد مدة من الزمن اكتشفت ان من يقف وراء هذا الغموض وذاك السحر، هو المخرج، فقررت دراسة الاخراج بدافع من تلك الرغبة المبكرة، وفعلاً انتسبت الى اكاديمية الفنون الجميلة في القاهرة، ثم تابعت دراستي في الولاياتالمتحدة الأميركية حيث حصلت على الماجستير في الفنون الجميلة من جامعة كاليفورنيا، وبعد عودتي الى القاهرة - بعد دراستي الاخراج - لاحظت أن ما يطلبه المنتجون السينمائيون هو الممثل وليس المخرج، ومن هنا بدأ احترافي للفن ممثلاً، وتتالت الأدوار في أعمال سينمائية وتلفزيونية ومسرحية، وتوطدت علاقتي بهذه الفنون، وتحققت - شيئاً فشيئاً - أمنيات الطفولة. تقويم كيف تقوّم مهرجان دمشق السينمائي الثاني عشر الذي كُرّمت فيه؟ - أنا أعتبر مهرجان هذا العام، بأسلوبه وطريقة ادارته، خطوة في الطريق الصحيح. فهناك اهتمام واضح من وزارة الثقافة السورية بالمهرجان، وانفتاح على السينما في بلدان العالم المختلفة، ورغبة في جعل المهرجان دولياً. فالانضمام الى النادي الدولي للسينما شيء مهم، وقد اتخذت خطوات في هذا الاتجاه في الدورة الحالية، ولا بد من اتخاذ خطوات أخرى مطلوبة من كل مهرجان يرغب في الانضمام الى الفيدرالية الدولية. أما تكريمي في المهرجان فأنا أعتز به ويسعدني ذلك. في الآونة الأخيرة وقع خلاف بين ادارة مهرجان القاهرة السينمائي ووزارة الثقافة، ما هو جوهر هذا الخلاف؟ وما هي ملابسات تقديمك للاستقالة من ادارة المهرجان؟ - جوهر الخلاف باختصار هو انني اختلف مع الوزارة في حجم الدعم الذي تقدمه للمهرجان، فأنا أرى ان الدعم ضعيف جداً، والمهرجان بحاجة الى دعم أقوى وأكبر، وحين أقول مثل هذا الكلام فلأنني كنت مديراً للمهرجان وأرى الأمور بمنظار صحيح، لذلك قدمت استقالتي وتركت للوزارة مهمة الحل. قرأنا أخيراً عن أسماء بديلة مرشحة لإدارة المهرجان. كيف تعلق على ذلك؟ - أتمنى ذلك ويسعدني جداً أن يأتي أحد غيري ويدير المهرجان. فأنا أدرت المهرجان لمدة أربع سنوات، فليتقدم الآن شخص آخر بفكر ومنطق وأسلوب جديدة كي يتقدم المهرجان. فنجاح المهرجان هو غايتنا في النهاية. لكن الوزارة لم تنتقد أسلوبك في ادارة المهرجان، بل أنت قدمت الاستقالة!! - نحن في العالم العربي لا نفهم معنى الاستقالة، فليس هناك أحد يستقيل. هل سمعت باستقالة مدير في العالم العربي؟ اما ان يُقال أو يموت، لذلك فوجئ معظمهم باستقالتي. لك تجربة طويلة في مجال التمثيل. بماذا تنصح الممثلين الجدد؟ - انصحهم بالتريث، والصبر والتركيز، والابتعاد من التقليد، وان يحاولوا بناء شخصيتهم المستقلة، وأسلوبهم المستقل، والعمل في صورة متأنية ومدروسة، لكن للأسف رأينا أسماء كثيرة استعجلت الشهرة فسقطت، صعودها كان سريعاً وجاء الهبوط أسرع. أما جيلنا - وأنا منحاز ومتحمس لجيلي - فقد كان صبوراً، دؤوباً، يهتم بعمله. وعلى الممثلين الجدد ان يدركوا ان النجاح يأتي عبر العمل الصادق والمستمر. صناعة النجم صناعة النجم هل هي ضرورة في السينما؟ وكيف تنظر الى مفهوم النجومية؟ - النجومية تأتي نتيجة عوامل كثيرة، فهي موهبة، وهي امتلاك "الكاريزما" المؤثرة، وامتلاك الثقافة، والقبول العام من جانب الجمهور. النجومية تعني الكثير وهي ليست مجرد استعراض للشكل الوسيم، ثم ان النجومية أساساً يصنعها الجمهور، فلا أحد يستطيع ان يفرض نجماً على الجمهور، لأن الجمهور هو الذي يقرر من سيبقى ومن سيزول من خلال محبته واعجابه بهذا الفنان أو ذاك. والنجم بدوره عليه أن يسعى للبقاء في القمة وهي مهمة صعبة. فالصعود الى القمة صعب لكن البقاء في القمة أصعب بكثير لأن ذلك يتطلب أشياء كثيرة تتمثل في الثقافة، الدراسة المستمرة، التجارب المختلفة، عدم التكرار، الابتعاد من التقليد، تقديم الجديد... الخ من العوامل التي تحافظ على استمرار تألق النجم. هل ترى ان للسينما العربية هوية واضحة ومميزة، وما رأيك بهذه السينما في شكل عام؟ - إذا تحدثنا عن السينما العربية نلاحظ ان السينما المصرية في شكل خاص لها هوية واضحة، كوَّنتْها خلال مسيرتها الطويلة، ونستطيع القول - بقليل من المجازفة - ان الفيلم المصري أوجد مدرسة سينمائية. فالآن عندما نرى فيلماً مصرياً نعرف مصريته من المشاهد الأولى. أما السينما المغاربية فهي عبارة عن محاولات فردية، ومعظمها انتاج مشترك، ولهذا الانتاج ظروفه وطبيعته، فالدول الأوروبية التي تشترك في الانتاج تنظر الى العرب نظرة فلكلورية، وتبحث عن مواضيع تُظهر العربي في هيئة المتخلف، ملاذه الوحيد هو أوروبا وتحديداً فرنسا وهذا شيء مهين لحقيقة العربي. لكن هذه هي سمات الانتاج المشترك، فالممول يملي قناعاته وأهدافه على صانعي الفيلم. السينما اللبنانية أيضاً بدأت تتلمس الطريق الصحيح عبر البحث عن أفلام تختلف عن تلك التي شاهدناها قبل الحرب. السينما السورية أيضاً لها لغتها الخاصة، وأرى ان من الضروري زيادة وتيرة الانتاج، لا سيما ان الانتاج الخاص بدأ يظهر، وهذا أمر ممتاز، وهناك خطوات جادة لدعم هذا الفن، وعلى السينمائيين السوريين انتهاز الفرصة. على ضوء العولمة مع هبوب رياح العولمة - إذا جاز التعبير - تغيّر نمط الحياة، تراجع دور الكتّاب والمسرح والسينما وظهرت البدائل: مقاهي الانترنت، الأقنية الفضائية، الهاتف المحمول، والجيل الجديد لا يأبه كثيراً للقيم الجمالية والروحية! أي مستقبل ينتظر السينما؟ - ثمة جمهور جديد وفد الى السينما سعى وراءه المنتجون، وشوهوا ذوقه السينمائي وأصبحنا نشكو من دون ان نقرأ الظواهر بدقة. لا شك في ان التلفزيون الآن يقدم للمتفرج جرعة دسمة من الأعمال والبرامج، وهناك نشاط محموم وهائل لجذب المشاهد لئلا يذهب الى السينما، وقد نجح التلفزيون كثيراً في استقطاب شريحة واسعة عبر تقديم نصوص مكتوبة ومنفذة في شكل جيد. والآن هناك أفلام تنتج للانترنت اضافة الى توافر الأقراص المدمجة والليزرية. ولم يبق من مبرر قوي للذهاب الى السينما، وأنا على رغم كوني سينمائياً وأعشق السينما، لكنني متشائم في شأن مستقبلها، وأعتقد ان دور العرض سيتقلص عددها كثيراً في المستقبل، مثلما تقلصت اعداد دور "الأوبرا"، فالآن قلما تجد في عاصمة ما داراً للأوبرا في حين كانت دور الأوبرا منتشرة بكثرة في المدن والأرياف في الماضي البعيد. وفي فرنسا مثلاً وحتى وقت قريب كان هناك ما يسمى "سينما الحي" وقد تلاشت هذه الظاهرة. وظهرت في التلفزيون في الآونة الأخيرة برامج لم نكن نتوقعها وهي برامج الأحاديث حيث الناس يتحدثون مع بعضهم، وأنت تتفرج ثم ترفع سماعة الهاتف وتشارك في الحديث، ومن خلال الانترنت تستطيع ان تتابع الأفلام، وتتحدث مع أشخاص آخرين. الآن بدأ حجم دور العرض يصغر، ودور العرض الكبيرة تبقى فارغة معظم فترات العرض، ما دفع أصحابها الى تقسيمها الى أكثر من دار عرض واحدة. فالصورة لست وردية بل قاتمة. وأصحاب دور العرض يفكرون بتحويلها الى أمكنة للتسلية عبر جلب احدث التقنيات التكنولوجية ألعاب، اتاري، انترنت، فيديو... الخ. ألا تستطيع السينما توظيف هذه التقنية لتحافظ على عنصر الابهار؟ - لا اعتقد، لأن الناس فعلاً ابتعدوا من السينما وصار الجيل الجديد هو الابن الشرعي لما تقدمه الفضائيات، وأصبح ايقاع التلفزيون مسيطراً على ذهن المشاهد، إذ اعتاد ان يرى أغنية ثم اعلاناً فخبراً... اضافة الى ان لديه "الريموت كونترول" وينتقل من محطة لأخرى. ان هذا الايقاع السريع فرض نفسه على عقول صناع السينما، لذلك نرى الأفلام المصرية في الآونة الأخيرة مصنوعة وفق هذا الايقاع، فهي في معظمها اسكتش ثم أغنية ثم نكتة، "البطل بيغني، والبطلة بتغني، والكل بيغني، والكل بيرقص..." وذلك ارضاء لذوق المشاهد الجديد الذي اعتاد هذا الايقاع من مشاهدته المستمرة للتلفزيون. وأنا اعتقد ان هذا كله أثر في السينما، وجعل مستقبلها غامضاً، - وبجرأة أكثر - قاتماً.