الأهلي يكتسح الفيحاء بخماسية    إنتر ميلان يعلن إصابة مهاجمه قبل مواجهة برشلونة المرتقبة    القبض على 4 يمنيين بمكة لارتكابهم عمليات نصب واحتيال بنشر إعلانات حملات حج وهمية    عبدالله السلوم البهلال مدير تعليم عسير الأسبق في ذمة الله    قطاع وادي بن هشبل الصحي يُفعّل عدداً من الفعاليات    محافظ الطائف يستقبل مدير عام الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    إدارة الأمن السيبراني بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف تحصل على شهادة الآيزو    بلدية البصر تطرح فرصة استثمارية في مجال أنشطة الخدمات العامة    جمعية المودة تدشّن "وحدة سامي الجفالي للتكامل الحسي"    وزارة التعليم تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية القيادات الكشفية    القائد الكشفي محمد بن سعد العمري: مسيرة عطاء وقيادة ملهمة    ٢٤ ألف زائر وأكثر من 4 آلاف اتفاقية في منتدى العمرة    صيد سمك الحريد بجزر فرسان .. موروث شعبي ومناسبة سعيدة يحتفي بها الأهالي منذ مئات السنين    «حرس الحدود» بينبع يحبط تهريب (3.6) كجم "حشيش"    نائب أمير الشرقية يعزي أسرة الثميري في وفاة والدتهم    خطباء المملكة الإسراف في الموائد منكر وكسر لقلوب الفقراء والمساكين    وفاة الفنان المصري سليمان عيد إثر تعرضه ل"أزمة قلبية"    روبي ويليامز: طلبات التقاط الصور الذاتية تصيبني ب «الذعر»    وزير الصحة يزور الوكالة الدولية لأبحاث السرطان في مدينة ليون    إمام المسجد الحرام: الدنيا دار ابتلاء والموت قادم لا محالة فاستعدوا بالعمل الصالح    مبادرة "نبض إنسان" تواصل جهودها التوعوية    وزارة الرياضة ومجمع الملك سلمان للغة العربية يطلقان "معجم المصطلحات الرياضية"    تشكيل النصر المتوقع أمام القادسية    إمام المسجد النبوي: التوحيد غاية الخلق وروح الإسلام وأساس قبول الأعمال    خالد بن محمد بن زايد يشهد حفل افتتاح متحف "تيم لاب فينومينا أبوظبي" للفنون الرقمية في المنطقة الثقافية في السعديات    تعاون بناء بين جامعة عفت واتحاد الفنانين العرب    محافظ صامطة يلتقي قادة جمعيات تخصصية لتفعيل مبادرات تنموية تخدم المجتمع    جامعة شقراء تنظم اليوم العالمي للمختبرات الطبية في سوق حليوة التراثي    صعود مؤشرات الأسهم اليابانية    إعاقة الطلاب السمعية تفوق البصرية    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    مرصد حقوقي: المجاعة وشيكة في غزة ومليون طفل يعانون سوء تغذية حاد    رسوم ترمب الجمركية ..التصعيد وسيناريوهات التراجع المحتملة    النفط يسجل زيادة بأكثر من 3 بالمئة    قتيلان في إطلاق نار في جامعة في فلوريدا    تشيلسي الإنجليزي يتأهل للمربع الذهبي بدوري المؤتمر الأوروبي    ممتاز الطائرة : الأهلي يواجه الاتحاد .. والابتسام يستضيف الهلال    الغزواني يقود منتخب جازان للفوز بالمركز الأول في ماراثون كأس المدير العام للمناطق    نائب وزير الخارجية يستقبل وكيل وزارة الخارجية الإيرانية    في توثيقٍ بصري لفن النورة الجازانية: المهند النعمان يستعيد ذاكرة البيوت القديمة    انطلاق مهرجان أفلام السعودية في نسخته ال11 بمركز إثراء    وزير الدفاع يلتقي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني    نائب أمير منطقة جازان يضع حجر أساسٍ ل 42 مشروعًا تنمويًا    معرض اليوم الخليجي للمدن الصحية بالشماسية يشهد حضورا كبيراً    24 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح خلال الربع الأول من 2025    تجمع القصيم الصحي يدشّن خدمة الغسيل الكلوي المستمر (CRRT)    مشاركة كبيرة من عمداء وأمناء المدن الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    قطاع ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "التوعية بشلل الرعاش"    يوم الأسير الفلسطيني.. قهرٌ خلف القضبان وتعذيب بلا سقف.. 16400 اعتقال و63 شهيدا بسجون الاحتلال منذ بدء العدوان    5 جهات حكومية تناقش تعزيز الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن    "التعليم" تدشن مشروع المدارس المركزية    بقيمة 50 مليون ريال.. جمعية التطوع تطلق مبادرة لمعرض فني    معركة الفاشر تقترب وسط تحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية.. الجيش يتقدم ميدانيا وحكومة حميدتي الموازية تواجه العزلة    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السينمائيون السوريون وتآكل "نيغاتيف الروح"
نشر في الحياة يوم 24 - 11 - 2000

يحاول السينمائيون السوريون، ومعهم مهتمون بالفن السابع، البحث في واقع السينما في بلادهم ومستقبلها، منذ مدة لا بأس بها، خصوصاً مع تسلم الناقد السينمائي السوري محمد الأحمد مهامه مديراً جديداً للمؤسسة العامة للسينما. وأول ما يلفت حقاً في غمار هذا البحث الدأب على الحديث عن إعادة الاعتبار الى "طقس الفرجة المغيب". وفي هذا تبسيط مريع لواقع الحال، إذ ان السينما لم تعد طقساً بفضل "عطايا" العصر الاتصالي الذي يؤكد مزاياه وجزالته في بسط هيمنته ليس على الصالات والأفلام الجيدة فقط، بل وفي خلق الانسان الملائم لهذه العطايا.
ومع كل هذا، لا يبدو ان ألفباء الخروج من الأزمة مشروط فقط بالحديث عن تصليح دور العرض المتآكلة وتجديدها، وكذا استيراد الأفلام الجيدة. فهذا وحده لن يعيد المجد الى العائلات التي تمضي نهاية الاسبوع في دار عرض لتشاهد فيلماً وتحافظ على "الطقس المنشود". لا بل إن هذا قد يشجع على الايغال في "الجهالة"، إذ ان البنية الاجتماعية التي حمت في يوم من الأيام ذلك الطقس الثقافي - الانساني تخلخلت في الصميم. حتى ان الناقد محمد الأحمد يشرف بنفسه على إعداد برنامج تلفزيوني اسبوعي يعرض فيه فيلماً سينمائياً، وفي هذا دليل أكيد الى مدى الغربة التي باتت تفصل بين الجمهور وصالات السينما في الدرجة الأولى، مع الاكتفاء بجمهور قليل يبحث عن أفلام شاردة عبر محطات التلفزة وهي باتت متخصصة وكثيرة، فضلاً عن التنويه بمخرجين سينمائيين عاطلين من العمل وحتى من مشاهدة الأفلام في صالات العرض، فكيف الحال بجمهور بات مخلخلاً ولم يعد سينمائياً في أي حال؟
هذا هو ملخص معاناة السينمائيين السوريين ظاهرياً. والسينما هنا، وهي إحدى السينمات العربية المهمة، تعاني أزمة عميقة تهددها في صلب وجودها، والشكوى نفسها كما وردت في "ورقة عمل عن واقع السينما في سورية" هي "فيلم واحد في العام" و"غربة بين الجمهور وطقس الحضور" وهنا تتكرر لازمة الطقس حتى تصبح بنداً في نوع الشكوى.
غياب فرجة التلفزيون
الملاحظ في هذه المضغوطة السينمائية التي لا تتجاوز الصفحات الأربع غياب إشارة السينمائيين السوريين الى طقس الفرجة التلفزيونية، على رغم شروره البادية للعيان. فحيث فشل القطاع السينمائي الخاص السوري في تحقيق فيلم سينمائي مهم، نجح هذا القطاع في تحقيق بعض المسلسلات التلفزيونية المهمة "خان الحرير" و"الثريا" الخ.... وهذه النقطة تستحق الوقفة والتأمل، فكثر من السينمائيين السوريين المتوقفين قسراً عن العمل، يقدمون بعض أعمالهم تلفزيونياً مثل محمد ملص وعمر أميرلاي وهيثم حقي ونبيل المالح، وهي أعمال كناية عن العطالة الاجبارية وتنديد بالسنوات الضائعة التي تقصف العرش السينمائي وأعمار المخرجين. فورقة العمل تشير الى كون "الجيل الحالي ومنه قرابة الثلاثين مخرجاً في المؤسسة العامة للسينما يقارب أغلبه الخمسين من العمر". هذا العمر المتقدم لا تنفع معه ظلال الترميم، فهو رماد أو نترات فضة عالقة بألسنة الريح، لا تجد من يحفظ منها "نيغاتيف الروح" لندرة وجود "السينماتيك العربي" المؤهل لحفظها، كما هي الحال عند الدول المتقدمة، لا بل إن عندنا من يسرق الأصول وهذا ليس مسرى حديثنا هنا.
والحق أن ورقة العمل، برمتها، لا تعكس تفاؤلاً ولو نظرياً، على رغم تأكيدات المدير العام الجديد أن المؤسسة مقبلة على انتاج ثلاثة أفلام جديدة. ففي توصية اجتماع اللجنة الوزارية مع السينمائىين وأصحاب دور العرض ان "على المؤسسة العامة للسينما أن تستمر في انتاج أفلام سياحية وإعلانية وإعلامية"، وهي تفيد في حال التلفزيون، لا المؤسسة الجهة الوحيدة المخولة حتى الآن بانتاج أفلام سينمائية في سورية.
من هذه الجهة يبدو نافلاً القول إن هذه المضغوطة تحاول ألا تقول شيئاً سوى بيع الأوهام في شأن الاستيراد وتقديس الطقس الهارب "وحرية الابداع كشرط أساسي لنشوء مناخ حوار وطني عميق ومستورد"، وهي بدلاً من أن تبحث عن منافذ في هذه الجدران الصمّاء من حولها، تراها تنشغل مسرحياً، في تفكيك شهوة السلطة السينمائية المعدومة والنوح بتأويلها، على رغم أنها، للمفارقة، تتحول في أعمال كثيرين من السينمائيين السوريين، سلطة تلفزيونية معوّمة على أمسيات الانسان حتى في لحظات انقطاعه عن "الطقس التلفزيوني المشؤوم". هذا إذا سلمنا بكل القطيعة بين السينما والحياة الاجتماعية وتخريب الصالات المتعمد في بعض نواحيه تقليل عدد الكراسي يخفف من حجم الضرائب الباهظة، وندرة الأفلام التي تستحق عناء مشاهدتها. هنا تتبع الصفحات الأربع تغريد الجمهور خارج الصالات لعدم انتسابه اليها أصلاً، وتتحدث عن آفاق الدعم الحكومي وتفعيل دور القطاع الخاص والبحث عن مسارب عربية وعالمية لانتاجات مشتركة، ولا يبدو الى هنا أن موقعيها يريدون، ولمرة واحدة على الأقل، استعادة دورهم المفقود، بل هم يسعون إلى إحياء مغزى الطقس السينمائي أولاً.
وأياً تكن الإشارات الى وعورة الأزمة التي تعصف بالسينما السورية، تظل وعورة الحديث عن عودة قريبة للجمهور السينمائي إلى كثافة حنونة وماضية، أشد قسوة. في ما يحدث في صالات بعض الدول لا يصح أن نسحبه على صالات دول أخرى، والبعض خصوصاً يتحدث عن عودة "الجمهور الضال" الى نبع السينما الصافية التي يعدنا بها نقاد ومخرجون سوريون... وعرب.
غموض
الغموض يلف "الورقة من ألفها الى يائها. فلو استحضر التلفزيون أداة مساعدة، كما في دول العالم التي تغتني بأدواته وتجيرها لمصلحة السينما، لاستطاع، أردنا أم لم نرد، أن يصبح موزعاً للأفلام، ومحتكراً للأصول، وهو بذلك يتقمص هوية مؤسسة اقتصادية ذات طابع ثقافي يمكنها أن تخفف من هول الأزمة الراهنة التي يتحدث عنها مخرجون يتجاهلونه عامدين من دون مجرد الاشارة اليه للخروج من حالَي السحق والمحق والاكتفاء من بعيد، بترداد مساوئه وشروره والافادة منه، من خلف ظهر الغرور الذي يتمتع به المخرج السينمائي القدير عن غيره من مخلوقات الله. وإذا كان زوار دور السينما السورية الخربة في انخفاض تبعاً لآثام الفضائيات التلفزيونية التي تسرق المشاهد من غفوته، وليس نيغاتيف الأفلام فقط، فإن عديد مشاهدي الأفلام عبرها الفضائيات يزداد الى درجة أن دور سينما كثيرة تفلس في كل مكان، ومقاعدها في تناقص مستمر، وسينمات بأكملها تنتقل طائعة الى بيوت الناس، حتى أصبح يخيل الى البعض أن الفن السينمائي المنقول تلفزيونياً لم يمتلك إطلاقاً جمهوراً كما الآن.
وهذا الجمهور المستعاد في عصر التلفزة الشمولي الوقاد وقف في السابق محايداً على رغم تجاهل السينمائيين له، وها هو يندغم في مجرى الأشياء على رغمه هذه المرة. فإن أراد المرء أن يحجز مكاناً له، عليه بالاندغام أولاً في اتصالية شاملة تُجرى قياساتها من الفضاء، أي من أعلى، وهذا في رأينا مفيد في حال السينمائيين السوريين الذين لا يتنازلون عن صلفهم وغرورهم، ليكون التلفزيون بمثابة قطاع سينما وتلفزيون مشترك يخفف من هول الأزمة بدلاً من استزادتها، بما يثير حفيظة المخرجين السوريين، في الاكتفاء بالحديث عن الأفلام، اعلانية وسياحية. وبذلك يمكن المشاهد المغترب عن طقس الحضور المفردة المفضلة لدى هؤلاء المخرجين مطالعة مناظرات عن تاريخ السينما، مع إيضاحات عن آخر النتاجات السينمائية على ما يفعل المدير الجديد للمؤسسة العامة للسينما مساء كل خميس في برنامجه التلفزيوني "فيلم الأسبوع" والتيمات السينمائية الحديثة والبورتريهات السينمائية للوصول الى نهاية المطاف الى ما يشبه "فيديو - تيك" عمومياً يحفظ لنا ذاكرة سينمائية سورية مهمة على ندرة أفلامها. هكذا يمكن هذا الجهاز، على رغم تجاهله السينمائيين السوريين المطلق له، أن يفيد ويؤدي وظائف "السينماتيك" المفقود، والصحافة النقدية السينمائية المفقودة بدورها في الحياة السينمائية السورية، لا بل ان التلفزيون العمومي يمكنه أن يساعد في تطوير صناعة الأفلام، كما حدث ويحدث في بلدان كثيرة من العالم، وهي بلدان طليعية الدنمارك، كندا، استراليا، السويد في هذا المجال. وهكذا فإن الصناعات السينمائية الحالمة في هذه البلدان أخذت تنمو وهي تضمر في نفسها منتجاً قادراً اسمه البرقي "الفيلم التلفزيوني". وهو استطاع في شروط رأسمالية معينة أن ينافس ويقوى في مواجهة شركات انتاج سينمائية عريقة في بعض البلدان. ومع ذلك قد يبدو للوهلة الأولى أن السينمائيين السوريين على حق في تجاهلهم هذا المنتج، ولكن ليس في وسع أي منهم تجاهل فكرة الفضل التلفزيوني في اجتذاب ملايين المشاهدين نحو شاشة صغيرة، على رغم أنهم لم يعودوا يشاهدون السينما الخالصة. وكل ذلك يتم في عصر التلفزيون والكابلات والأقمار الاصطناعية ونقل الأفلام عبر الانترنت، حتى أن اللغة السينمائية تشوشت وربما أخذت تندحر أمام شماتة التلفزيون وتهديداته الجدية لها، وهي شماتة ليس مصدرها إلا السينما نفسها. روسيليني هو من يقول "ان السينما ليست مهددة من التلفزيون بل من السينما نفسها"، وهذه هي بعض مأساة السينمائيين السوريين الذين يتجاهلون هذه الشماتة فيغرق بعضهم في أشبار مياه سينما في تلفزيون. وهؤلاء أفقدوا السينما لباسها السحري بحديثهم الغامض، وأفقدوا التلفزيون مجاله الحيوي، فهو تحول مجرد أشكال عابرة على رغم طلاوة سيطرته على العائلة وطقوسها ومغالاته في عظمته الشكلانية، إذ أن بعض الوشاة السينمائيين وهم ليسوا نقاداً على أي حال، يعتقدون بوجوب مداعبة حية بين السينما والدراما التلفزيونية.
مثال فرنسا
يستشهد السينمائيون السوريون في "الورقة" بفرنسا التي تقدم دعماً سنوياً الى السينما بمقدار بليونين ونصف بليون فرنك فرنسي. ولكن في هذه الفرنسا انعقدت منذ مدة ندوة التلفزيون العمومي الأوروبي، ونوقش فيها امكان التأقلم مع المجتمع الاعلامي الشامل على صعيد الاتحاد الأوروبي ومنافسة القطاع الخاص عبر انتاج برامج ثقافية رفيعة المستوى مع احترام التعددية. وفي هذه البلدان الفائقة التطور، لاحظ الناقد السويدي سوند غرين أن أكثر التأثيرات أهمية للتلفزيون هي في طريقة اختيار مادة الفيلم. ولفته أن السينما السويدية التي ظلت رهينة انغمار برغمان، ولدت أجيالاً من المخرجين الذين توجهوا تلفزيونياً في شكل ملحوظ نحو المشكلات الاجتماعية والأخلاقية الصاخبة، ولم ينقصهم الخيال، لا بل إن قيمة الفيلم التسجيلي التلفزيوني ازدادت ولم تعد مقامات مسرة للمهرجانات فقط مع محبتنا لصبري مدلل ومحمد ملص.
على أي حال، تتحدث هذه التداعيات عن المجتمع الاعلامي الشامل، نندغم فيه رويداً رويداً، شئنا أم لم نشأ. وعليه، يصبح التلفزيون ناقلاً أدبياً لأفلام قد يقول عنها مخرجوها بعد عرضها تلفزيونياً: إنها ليست الأفلام نفسها التي صنعناها على رغم الموهبة الأكيدة لمخرجين يتقدم بهم دبيب العمر. وتبقى متشائمة صورة محمد ملص وأسامة محمد وعبداللطيف عبدالحميد ورياض شيا وآخرين متوارين وراء المسلسلات التلفزيونية مثل هيثم حقي، على رغم تعثر "ورقة العمل" في محاولة تظهير اللون فيها وتصحيحه. فنحن نريد أن نصفق لهم على ندرتنا، لكن الزمن يتغير ويوغل في مجاهل عصر اتصالي شامل قد تصبح فيه القطيعة أكبر والغربة أشد، ان لم نقبض على غرور السينمائي الذي لا يتنازل أو لا يرى شيئاً من حوله. وهذا خطر يشكل نهاية ربما لنهاية أخرى. فحتى رومانسية تلك الأيام تتشقق وتتآكل وتتوارى، تماماً، كما الروح لا يسعفها أرشيف الحياة، وحينئذ لن نجد من يدفع لنا أجر غرورنا عن شيء لم يتحقق ربما في أي يوم من الأيام.
* مخرج وناقد سينمائي فلسطيني مقيم في دمشق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.