وصف وزير الخارجية المغربي محمد بن عيسى مواقف الجزائر إزاء قضية الصحراء بأنها"لا تتلاءم والروح البناءة التي كانت وراء معاودة تفعيل الاتحاد المغاربي". واعرب عن دهشته حيال"التصريحات الحادة"في اشارة الى رسالة التهنئة الأخيرة من الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة الى زعيم جبهة"بوليساريو"محمد عبدالعزيز. ورأى مراقبون ان صعوبات حقيقية تكتنف اعمال القمة المغاربية في طرابلس بسبب تصعيد الخلافات بين المغرب والجزائر. وقال مسؤول مغربي ان تلك التصريحات تتزامن ومحاولات لانتهاك وقف النار، كان اشار اليها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان في تقريره الأخير الى مجلس الأمن، اضافة الى الكلام عن"صفقات وهمية"للتنقيب عن النفط، بحسب تعبيره، ما يعيد الوضع المغاربي الى نقطة الصفر. وارتبط تأسيس الاتحاد المغاربي وخطوات تفعيله، كما تعثراته وجموده، بدرجة العلاقة بين المغرب والجزائر. وشكلت زيارة الملك الراحل الحسن الثاني الى الجزائر عام 1988 منطلقاً للبحث في اقامة الاتحاد من خلال المشاركة في اجتماع"زيرالدة"في حضور القادة المغاربيين. لكن زيارة الرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد الى المغرب مطلع 1989 دفعت في اتجاه اختراق"الخطوط الحمر"، وأسفرت من جهة عن التزام البلدين إحياء اتفاق حسن الجوار وترسيم الحدود على خلفية حرب الرمال العام 1963. ومن جهة ثانية عن اجتماع الملك الراحل مع قياديين في جبهة"بوليساريو"في مقدمهم البشير مصطفى السيد الرجل الثاني في الجبهة وقتذاك، ما أدى بحسب مراقبين لتطورات العلاقة المغربية الجزائرية وقتذاك الى فصل ملف الصحراء عن آفاق البناء المغاربي. لكن إقرار المعاهدة التأسيسية للاتحاد المغاربي في قمة مراكش العام 1989 والتي نصت على بناء اتحاد يضم خمس دول تلتزم صون استقلال كل دولة من الدول الاعضاء وحدتها، اعتبر كسباً للمغرب، في حين كان انتقال ملف الصحراء من اختصاصات منظمة الوحدة الافريقية بعد اعترافها ب"الجمهورية الصحراوية"عام 1984 في قمة اديس ابابا الى الأممالمتحدة، في طريقه لأن يبلور خطة الاستفتاء التي أقرتها الأممالمتحدة عام 1991 وقضت بتنظيم استفتاء تقرير المصير وفق اجراءات تحديد لهوية المؤهلين في الاقتراع وبدء وقف اطلاق النار واطلاق الأسرى والمعتقلين. وكما أن عوامل عسكرية دفعت جبهة"بوليساريو"الى قبول الخطة، وفي مقدمها اكمال القوات المغربية بناء الجدار الدفاعي الذي يسيج الصحراء، فإن رغبة المغرب في تجاوز المأزق الذي آل اليه تعاطي منظمة الوحدة الافريقية دفعه الى الامتثال لخطة الأممالمتحدة، بينما كانت أوضاع الجزائر الداخلية لا تسمح لها، على اثر تنامي نفوذ"جبهة الانقاذ الاسلامية"وانتقال الصراع السياسي على السلطة الى مواجهة، بالانشغال بملفات خارجية، وتحديداً ما يطاول العلاقة مع الجار المغربي. ومن المفارقات أن الملك الحسن الثاني لدى زيارته الجزائر عام 1991 وحرصه على الاجتماع بقادة الأحزاب السياسية والعسكريين الجزائريين، في خطوة لبناء الثقة وفتح نوافذ أخرى للحوار لا تقتصر على القيادة السياسية، لكن ذهاب الرئيس بن جديد، ثم اغتيال خلفه الرئيس محمد بوضياف الذي توجه الى الجزائر من مدينة القنيطرة المغربية، وتأثير الأزمة الداخلية في الجزائر وقتذاك، كانت كلها عوامل لم تساعد في انجاح مشروع الوفاق المغربي الجزائري. لكن عام 1994، أي بعد انعقاد ست قمم مغاربية، إضافة الى القمة التأسيسية، سيعرف تدهوراً أكبر في علاقات البلدين. ففي صيف العام ذاته تعرض فندق أطلس أسني في مراكش الى هجمات اتهم المغرب من خلالها الاستخبارات الجزائرية بالضلوع في التخطيط للحادث عبر تجنيد عملاء يتحدرون من أصول جزائرية. وربط ذلك بما وصفه ب"خطة تدويل الإرهاب". ولجأ في غضون ذلك الى فرض التأشيرة على الرعايا المتحدرين من أصول جزائرية. وردت الجزائر على قرار المغرب باغلاق الحدود البرية الذي ما زال مفعوله سارياً الى اليوم. وخلال اجتماعات الأممالمتحدة لدرس ملف الصحراء دخلت الديبلوماسيتان المغربية والجزائرية في مواجهة مفتوحة، ما حدا بالمغرب الى طلب تعليق مؤسسات الاتحاد إثر آخر قمة مغاربية استضافتها تونس عام 1994. ومنذ وقتذاك لم تلتئم أي قمة مغاربية فيما كان التناوب على القمة يقضي بانتقالها الى الجزائر. ولم تعرف العلاقات المغربية الجزائرية أي حوار على مستوى القمة في عهد الرؤساء المتعاقبين بعد الشاذلي بن جديد، لكن بوادر الانفتاح ظهرت مجدداً بعد انتخاب عبدالعزيز بوتفليقة رئيساً للجزائر. وجرى في غضون ذلك التخطيط لعقد قمة كانت ستجمع بوتفليقة والملك الراحل الحسن الثاني لولا أن غيبه الموت قبل اسابيع من انضاج المبادرة على نار خفيفة. وفي الوقت الذي بدا فيه ان العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الجزائري بوتفليقة في امكانهما فتح حوار، خصوصاً بعد مجيء بوتفليقة الى المغرب للمشاركة في تشييع جنازة الراحل الحسن الثاني، انفجرت من جديد قضية بني ونيف على الحدود المشتركة بين البلدين، وصدرت اتهامات من الجزائر ضد المغرب بأنه"يؤوي"الاسلاميين الجزائريين المتورطين في تلك المذبحة التي ذهب ضحيتها أبرياء جزائريون. غير أن المغرب رفض تلك الاتهامات بشدة واحتاج الموقف الى وساطات عربية ودولية لتأمين عقد أول اجتماع بين العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس بوتفليقة للمرة الأولى على هامش اجتماعات الأممالمتحدة في نيويورك قبل عامين. اذ تم الاتفاق على تشكيل لجنة خبراء للبحث في ملفات التعاون ذات الارتباط بالتهريب والهجرة غير الشرعية. لكن مواجهات في الأممالمتحدة نفسها بسبب تباين المواقف من قضية الصحراء دفعت في اتجاه تصعيد خطر العام الماضي، واتهم المغرب الجزائر للمرة الأولى بالضلوع في حرب الصحراء من خلال مواجهتين مع القوات المغربية في"أمغالا"في الصحراء. لكن مشاركة العاهل المغربي في القمة العربية في الجزائر في آذار مارس الماضي، كانت خطوة متقدمة على طريق تجاوز التصعيد في غضون توالي وساطات عدة. وفي الوقت الذي ألغى المغرب التأشيرة على الرعايا الجزائريين في صيف العام الماضي، احتاج الأمر شهوراً عدة لترد الجزائر بالمثل، لكن من دون معاودة فتح الحدود. وكان لافتاً انه في الوقت الذي أعلنت فيه الجزائر الغاء التأشيرة على الرعايا المغاربة أعلن في الرباط انشاء"وكالة لتنمية المحافظاتالشرقية"على الحدود المشتركة مع الجزائر، في اشارة الى عدم انتظار معاودة فتح الحدود لانعاش تلك المنطقة. لكن التصريحات الأخيرة للرئيس الجزائري المؤيدة ل"بوليساريو"اعادت علاقات البلدين الجارين الى نقطة الصفر، كون الاتفاق يقضي بإبعاد ملف الصحراء عن العلاقات الثنائية، لكن مع التزام دعم جهود الأممالمتحدة في التسوية السلمية.