انعقاد قمة مغربية جزائرية ليس حدثاً عادياً، أقله أنها انعقدت تحت مظلة القمة العربية، وأنها تمهد للقمة المغاربية المؤجلة، لكنها جاءت على خلفية تصعيد خطر اعترى علاقات البلدين العام الماضي وتبادلا فيه اتهامات صريحة ومباشرة حول المسؤولية ازاء ما آلت اليه تطورات قضية الصحراء وارتفاع جدار انعدام الثقة. وربما يكون ما أنجزته القمة بصرف النظر عن تقارب أو تباعد وجهات النظر حيال الخلافات القائمة تكسيراً لحاجز التردد واختيار صيغة الحوار المباشر من دون موفدين أو وساطات. ويذكر للمغرب في هذا الصدد أنه كان سباقاً في معاودة العلاقات الديبلوماسية مع الجزائر في فترة القطيعة، من منطلق أن الحوار لا يكون مثمراً بين دول جارة لا تربط بينها علاقات ديبلوماسية. والحال أن كثيراً من الحساسيات الجزائرية أزيحت من الطريق، في مقدمها سريان مفعول اتفاق ترسيم الحدود وإلغاء المغرب نظام التأشيرة على الرعايا الجزائريين والتزامه التعاون مع الأممالمتحدة في التعاطي والتسوية السلمية لنزاع الصحراء. وساعد في حلحلة المواقف ان المغرب الذي كانت تؤاخذه جهات جزائرية على تساهله مع المتطرفين الإسلاميين، وجد نفسه منذ هجمات الدار البيضاء طرفاً في الحرب على الإرهاب، كونه أصبح يعاني منه وتحولت عدواه الى ظاهرة كونية. في التقاليد العربية أن"المجالس بالأمانات"لكن في حال القمة التي جمعت العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة كان الحوار على انفراد واستغرق ازيد من ساعتين. ميزته هذه المرة أن الرئيس الجزائري يتمتع في ولايته الثانية بشرعية ديموقراطية بينما العاهل المغربي يملك دستورياً صلاحية القرار في القضايا المرتبطة بالسيادة. وما حدث منذ اندلاع نزاع الصحراء أن أحداً لم يكلف نفسه عناء استشارة الشعبين المغربي والجزائري إذا كانا يرتضيان التباعد والقطيعة والتنكر لنسيج الروابط التاريخية والحضارية المشتركة. فالخلافات السياسية يمكن التعايش معها، لكن أن تصل الى القطيعة فذاك مرفوض لأنه يضرّ بالمصالح ويثير العواطف. ان تحظى قضية الصحراء بإجماع المغاربة، فذاك يعزى لخلفيات تاريخية اقرتها محكمة العدل الدولية في لاهاي، وقد شارك في المسيرة الخضراء لعام 1975 رعايا مغاربة من مختلف المحافظات والأعمار والطوائف السياسية. في المقابل يبدو وضع الجزائر مختلفاً، كونها تستند في اطروحاتها الى الدفاع عن مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، فلا أقل من اشراك الشعب الجزائري في قضية استنزفت أمواله وقدراته. وبالتالي فإن المخرج الديموقراطي من الأزمة يكون أجدى، طالما ان وصفة الديموقراطية تحولت الى حل سحري لكل الأزمات. وقبل أن يقول المغاربة والجزائريون على حد سواء انهم اختاروا اليقين الديموقراطي الذي يناهضون أن يفرض من الخارج، فإن عليهم أن يكونوا ديموقراطيين في معالجة أزماتهم. فالمغاربة في إمكانهم ان يستفتوا شعبياً حول الحل السياسي المقترح والجزائريون في وسعهم ان يستفتوا كذلك حول صيغة الحل الذي يرونه ملائماً لبناء علاقات ثقة جديدة مع جارهم المغربي. اما المتحدرون من اصول صحراوية فلا اقل من ان يقرروا ديموقراطياً من يمثلهم. ذلك ان مصدر التعقيد في قضية الصحراء ليس استمرار الخلافات الجوهرية بين المغرب والجزائر فقط، ولكنه الاذعان لفرضية مزقت السكان بين ولاءين: جبهة بوليساريو في مخيمات تيندوف والمغرب في المحافظات الواقعة تحت نفوذه. ولو ان الحسم في القضية بدأ من خلال الحسم في المشروعية التمثيلية المستندة الى الحقائق التاريخية والقانونية والميدانية لما ارتدى الموضوع ما آل اليه من تشعبات. في ايجابيات القمة المغربية الجزائرية التي التأمت بين قائدين ان كلاً منهما يمكن ان يحتمي بأنه ورث الملف الصحراوي، لكن الرئيس الجزائري تعاطى معه في فترات رئاسته الديبلوماسية الجزائرية"كما ان العاهل المغربي اجتمع الى قياديين في جبهة بوليساريو عندما كان ولياً للعهد. ولأن الاسلوب يمكن ان يختلف في التعاطي مع هذه القضية فإن الرهان على الخيار الديموقراطي يشكل قيمة مشتركة بين قائدي البلدين. حدث ان القمة التي كانت جمعت الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس الجزائري السابق الشاذلي بن جديد على هامش القمة العربية في الجزائر عام 1988، مهدت الطريق امام القمة المغاربية في زيرالدا ثم مراكش. بيد ان تعثر المسار المغاربي يعزى في جزء كبير منه الى غياب الآليات القانونية والاجرائية التي يمكن ان تصمد امام الهزات السياسية. السبب في ذلك ان المشروع ولد بهذه الحمولة الاستراتيجية ولم تشرك شعوب المنطقة في الاستفتاء حوله واقراره او رفضه. وطالما ان الاتحاد المغاربي يراهن على نفس جديد لمعاودة الانطلاق فقد يكون من الافضل ان يستند هذه المرة الى رافد الدعم الشعبي وفي حال تعذرت دعوة الشعبين المغربي والجزائري الى استفتاء حول ميثاق بناء علاقات الثقة، فقد يصبح البديل مغاربياً عبر استفتاء شعوب الشمال الافريقي حول الخيار المغاربي الذي يمكنه استيعاب باقي الخلافات واذابتها.