في لفتة بارزة الدلالة، قالت مصادر رسمية في الرباط ان العاهل المغربي الملك محمد السادس سيكون في مقدم المتوجهين الى الجزائر بعد غد الاثنين قبل بدء اعمال القمة العربية. وعزت ذلك الى رغبة المغرب في الإفساح في المجال أمام الاتصالات الجارية لعقد قمة تجمعه والرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، خصوصاً وان العاهل المغربي كان أول من أعلن عن مشاركته في القمة. وقاد الملك، في غضون ذلك، جولة ثانية من الوساطة بين ليبيا وموريتانيا لدى زيارته نواكشوط بهدف تأمين عقد قمة مغاربية على هامش القمة العربية. وشبه ديبلوماسي مغربي خطوات انفتاح الرباط على الجزائر بأنها تلتقي عند أول مبادرة كان قام بها الملك الراحل الحسن الثاني الذي اختار ان يكون أول زعيم عربي يزور الجزائر منذ استقلالها، كما زار الجزائر مباشرة بعد نهاية حرب الرمال والمواجهة العسكرية بين البلدين على الحدود المشتركة في الستينات. ولكن مشاركته في قمة الجزائر لعام 1988 افسحت في المجال أمام تسريع البناء المغاربي الذي ترجم عملياً في قمة مراكش لعام 1989. وعلى رغم استمرار الخلافات بين الرباطوالجزائر حول الموقف من نزاع الصحراء وسريان مفعول اغلاق الحدود البرية بين البلدين منذ ما يزيد على عشر سنوات، فإن مجرد انعقاد قمة بين العاهل المغربي والرئيس بوتفليقة يدفع الى الاعتقاد في إمكان حدوث انفراج في العلاقات، خصوصاً وان الرباط تسعى الى تجاوز الانتقادات التي كانت توجهها الجزائر لجهة تسبب خلافات البلدين حول الصحراء في تجميد مؤسسات الاتحاد المغاربي منذ عام 1994. وسبق للعاهل المغربي والرئيس الجزائري ان التقيا في مدريد على هامش تخليد ذكرى تفجيرات قطارات مدريد. وان كان ذلك لم يدم طويلاً، غير انهما اتفقا لدى اجتماعهما في نيويورك قبل حوالي عام ونصف العام على التزام اجراءات التعاون في الملفات الأمنية ذات العلاقة بالحرب على الارهاب والهجرة غير الشرعية ورقابة الحدود والتصدي لتجارة المخدرات، الا ان تطورات نزاع الصحراء ألقت بظلال سلبية على ذلك التفاهم في خريف العام الماضي، حين تبادل البلدان اتهامات صريحة حول المسؤولية في اندلاع نزاع الصحراء. لكن وساطات عربية واجنبية اسهمت في التخفيف من حدة تلك الأزمة التي كادت تؤدي الى قطيعة. الى ذلك، عبر وزير الخارجية المغربي محمد بن عسى عن أمله بأن تتوصل قمة الجزائر الى"صوغ توجه للعمل العربي المشترك يتسم بالدينامية والواقعية ويصب في خانة اصلاح الوضع العربي ومواجهة التحديات والرهانات والاخطار التي تعتري الأمة". وقال في الجزائر امس:"نحن متفائلون. ونعتقد ان قمة الجزائر ستكون انطلاقة جديدة على طريق العمل العربي المشترك". وفي الجزائر، قالت مصادر ديبلوماسية جزائرية ومغربية، أمس، ان اللقاء المرتقب بين الرئيس بوتفليقة والملك محمد السادس، الثلثاء، سيكون"انطلاقة حقيقية"في مسار التعاون بين البلدين وأيضاً"خطوة لافتة"في جهود محاولات إنعاش العلاقات. وفي حين توقع محمد أزروال، المسؤول البارز في وزارة الخارجية المغربية، ل"الحياة"ان تنتج عن اللقاء"أشياء مفيدة للبلدين"، قدّر مصدر على صلة بالملف أن القمة التي ستجري في ثلاثة لقاءات على الأقل"ليست لها أجندة محددة لكنها مفتوحة على كل ما يخدم هدف تحسين العلاقات وطي صفحة الماضي". وسجل وزير الخارجية الجزائري عبدالعزيز بلخادم أن اللقاء سيكون"خطوة في تعزيز العلاقات المغاربية"، في حين لاحظ محللون أن القمة ستكرس التوجه القائم بين قيادتي البلدين نحو تحقيق المزيد من الاستقرار وتجنب هيمنة الملفات الخلافية على العلاقات الثنائية. وأكد أكثر من مصدر أن القمة"ليست لها أجندة محددة". غير ان ديبلوماسياً جزائرياً أوضح أن الرئيس بوتفليقة سيلتقي الملك محمد السادس ثلاث مرات على الأقل"وهي كلها فرص تساعد على تنقية الأجواء". وتتمسك الجزائر بموقفها الذي يؤكد ضرورة معالجة ملف الصحراء الغربية في إطار هيئة الأممالمتحدة من دون أن يؤثر ذلك على طبيعة علاقاتها مع المغرب الذي يتهم الجزائر بدعم جبهة"بوليساريو"، وهي الاتهامات التي ترفضها الجزائر"جملة وتفصيلاً". وعلى رغم أن زيارة الملك محمد السادس المقررة إلى الجزائر الاثنين سبقتها حملات إعلامية وسياسية مغربية ضد احتجاز جنودها على يد جبهة"بوليساريو"في منطقة تندوف الجزائرية على الحدود مع المغرب، إلا أن مراجع مغربية مطلعة أكدت ل"الحياة"ان هذه المواقف"لا تهدف إلى المساس بالجزائر ولا التشويش على جهود إنعاش العلاقات الثنائية". وتولي الصحف المحلية أهمية خاصة الى زيارة الملك نظراً إلى خصوصيتها في إطار العلاقات بين البلدين، خصوصاً أن العاهل المغربي رفض الانتقال إلى الجزائر مرتين لحضور اجتماعات قادة الدول المغاربية في حزيران يونيو 2002 وكانون الأول ديسمبر 2003. وتجتهد صحف في محاولة التعرف على مكان إقامة الملك محمد السادس وذهب بعضها إلى التأكيد أنه اختار الإقامة في باخرة ملكية على غرار ما قام به الملك الراحل الحسن الثاني في زيارته التاريخية إلى الجزائر. وذهبت صحف أخرى إلى المسارعة بطلب عقد لقاءات صحافية مع الملك محمد السادس في محاولة لإعطاء"إشارات إيجابية"للعلاقات الثنائية. ويأمل رعايا مغاربة في الجزائر أن تنتهي القمة بإعلان إلغاء التأشيرة التي لا تزال تفرضها الجزائر على الرعايا المغاربة بعدما كانت قررت الرباط رفع التأشيرة على الرعايا الجزائريين في تموز يوليو الماضي.