يوم كتب القاص موسى كريدي روايته الأولى والوحيدة:"نهايات صيف"، تساءل كثيرون عما إذا كان "القاص الستيني"بعمله هذا - الذي حاز جائزة الرواية العراقية لعام 1994 - سيبدأ مسيرة أخرى من تميزه الابداعي، بالتحول من "القصة القصيرة" إلى "الرواية"؟ غير ان هذا الكاتب، الستيني جيلاً وانتماءً، لم يكن معنياً بالجواب عن سؤال كهذا. ما كان يعنيه، أكثر من أي شيء آخر، هو أن يبقى مستمراً في الحياة والكتابة على طريقته الخاصة. إلا انه بعد تلك الرواية بعامين، ونحو منتصف صيف العام 1996، رحل فجأة، ولم نعرف له عملاً أدبياً آخر إلى ما قبل ايام، حيث صدرت له في بغداد مجموعة قصصية جديدة بعنوان"الغابة". وإذا كان ما نعدّه تميزاً لكاتب القصة هو انفراد قصته بخصائصها الفنية والموضوعية، فإن لقصة موسى كريدي ما تتميز به وتميزه كاتباً بين كتاب جيله من القصاصين في الناحيتين الفنية والموضوعية: فنياً، تميزت قصته ببناء متماسك ولغة ذات ايقاع خاص، كثيراً ما يقترب بها من لغة الشعر الذي كان يكتبه أيضاً، ما جعل لهذه القصة مقوماتها الفنية المستمدة من اللغة، وأسلوب السرد، والبناء الفني. كانت مسيرة هذا القاص بدأت بمجموعة"أصوات في المدينة"1968، التي ستصدر له، من بعدها، بين العام 1970 والعام 1986، ثلاث مجموعات، ورواية واحدة"نهايات صيف"- 1994. ضمت المجموعة ثلاثين قصة، واحدة منها فقط تعود إلى العام 1978، أما بقية القصص فمكتوبة بين العام 1987 - وهو العام التالي على تاريخ صدور آخر مجموعة له، والعام 1996، عام رحيله. وإذا كان كريدي حرص في مجموعاته القصصية السابقة أن يجعل قصص كل مجموعة منها تنتظم في سياقات متقاربة، رؤية لموضوعه وفناً في كتابتها، فإن هذه المجموعة التي أحسب انها جمعت كل ما ترك من قصص ? جاءت على غير ما جاءت به مجموعاته السابقة من سياقات، فهي تجمع قصصاً لا تتقارب موضوعاً، بل تتوزع بين رؤية اجتماعية، وموقف انساني، وتأمل في ما يشكل أمامه"مشهداً"انسانياً يتميز بخصوصيته. وتوزعت قصص المجموعة بين القصة القصيرة جداً - التي اعتمد فيها عنصر المفارقة - والأخرى القصيرة والثالثة الأطول. وفي كل من هذه النماذج الثلاثة أخذ القاص منحاه الشخصي في كتابتها. - واذا كان في قصصه القصيرة جداً اعتمد"الحدث"او"الواقعة"، مع تكثيف بالغ في رؤيته، أو تمثله، فإن النمط الثاني من قصص المجموعة يقوم على السرد، في ما يدوّن من"سيرة"و"حدث"، او يسجل"واقعة"، يأخذ فيها الموضوع بخلاصته، ويعبّر عن الفكرة بمغزاها ودلالاتها، جاعلاً للشخصية ما تؤكد فيه حضورها، وان جاء في معظم قصص المجموعة، حضوراً"للموضوع"أكثر منه حضوراً ل"الشخصية"، بما لوجودها من مقومات. أما في النمط الثالث، الذي يأخذ مساحة أكبر وامتداداً أطول مما هو عليه في النمط السابق، فإن الحضور الأكبر فيها للشخصية، بما لها من موضوع أو قضية، يأخذ في طرحها وتمثيلها أبعاداً فنية تقوم على التناظر والحوار، ووجود أكثر من طرف يتداول الموضوع، أو القضية - محور وجود الشخصية، جاعلاً من هذا التنوع مصدر اثراء لقصته. ان صدور هذه المجموعة، بعد تسع سنوات على رحيل كاتبها هو بمثابة استعادة لهذا الكاتب، وتأكيد لحضوره الذي كان في المشهد الابداعي العراقي، وتذكير بمنجزه القصصي المتميز.