"الإيدز" هو مرض نقص المناعة المكتسب أو "الطاعون الصامت" كما وصفه أحد الزعماء الاوروبيين. وعلى رغم تعدد التسميات، إلا أنها تشترك في النهاية المأسوية والحتمية لحامل فيروس المرض الخبيث... وهي في كل الأحوال تسميات طرقت أسماع الشباب الكردستاني لكنها لا تشغل حيزاً من نقاشاتهم ولا يجرى التحادث بها إلا نادراً أو عند سماع أخبار عن المرض، وعندها يكتفي بعضهم بالإنصات والاهتمام بمجريات المرض. فواجع إنسانية كثيرة مرت بالشعب الكردي وبشبابه خصوصاً. حروب طويلة، ودمار لا ينتهي. ثورات مسلحة واعتقالات وأنفال وقمع وترويع وإبادة جماعية... وقد تكون هذه المآسي هي التي منعت أمراضاً كالإيدز وجنون البقر وانفلونزا الطيور بسبب ما فرضته من حصار وعزلة. إلا أن ذلك لا يعلل "فقر المعلومات" الذي يعانيه الشباب الكردستاني حول مرض الإيدز وطرق انتقاله ومدة حضانة الجسم لفيروسه. فما يبدو ضئيلاً اليوم قد يغدو كثيراً إن تفاقمت الامور. وعلى رغم عدم وجود إحصاءات دقيقة لمعدلات الإدمان أو الإصابة بالإيدز اللذين يعتبران متلازمة ثنائية، إلا أن المؤسسات الطبية العراقية تعترف بوجود هذين الوباءين. وأكدت جمعية "الهلال الاحمر العراقي" في ايلول سبتمبر من العام الفائت، "وجود 300 حالة اصابة جديدة بمرض الإيدز اكتشفتها فرق البحث المتخصصة" ويضيف المسؤولون في الجمعية: "إنه عدد لا تمكن مقارنته بما لم يتم الكشف عنه الآن بسبب الظروف السيئة التي يمر بها العراق". وجاء في التقرير، تأييد مصدر مسؤول في وزارة الصحة العراقية طلب عدم ذكر أسمه أن هناك 94 أصابة في العاصمة بغداد وحدها، و73 إصابة في مدن إقليم كردستان أربيل والسليمانية ودهوك. الأمر الذي يصفه المسؤول الصحي ب"التهديد الخطير الذي يستوجب قرع ناقوس الخطر بدلاً من دفن الرؤوس في الرمال"، معزياً الاسباب الى الإهمال في اتخاذ الإجراءات الطبية الوقائية والعلاجية بسبب "تسيب" المؤسسات الصحية وتغليب المصالح الشخصية على الأمن الصحي للمواطنين. وأورد التقرير حالة من هذه الحالات وهي احدى المصابات بالمرض تسمى زينب وهي شابة في الحادية والعشرين من العمر، وتعيش في قرية صغيرة جنوب شرقي العراق. أصيبت زينب بالمرض بسبب زوجها الذي توفي متأثراً بإصابته بالفيروس بعد إدمانه على الهيرويين. زينب ام لطفلة واحدة تعيش مأساة مرض وتعاني جهل المجتمع. ويدافع أحمد علي حسين، أحد الناشطين في "جمعية الهلال الأحمر العراقي" عن صدقية نتائج المسح الذي أجرته الجمعية بقوله: "إن المسح الميداني الذي أجراه فريق طبي من الجمعية استند الى الوثائق المقدمة من عائلات المصابين وسجلات المستشفيات والعيادات الطبية الخاصة". لكن وزير الصحة في إقليم كردستان العراق الدكتور جمال عبدالحميد عباس ينفي الى "الحياة" وجود حالات إصابة بالإيدز في كردستان، ويبدي اندهاشه من الإحصاءات والأرقام التي أوردتها "جمعية الهلال الأحمر العراقية", مؤكداً على أنه، وخلال مسيرته الطبية التي بدأت قبل أكثر من خمسة وعشرين عاماً في بغداد، لم يسمع عن أي حالة إصابة بالإيدز. ويضيف: "إن الإيدز لم يجد مكاناً له في العراق بسبب متانة العلاقات الاجتماعية وعادات البلد وتقاليده" . ويتابع الوزير قائلاً: "بعد انتفاضة العام 1991 وغزو الكويت، بدأنا نسمع بوجود حالات إصابة بفيروس HIV +، ولكننا لم نسمع بوجود أشخاص مصابين بالإيدز في الإقليم". ويقول إنه لم يواجه أي حالة إصابة بالفيروس في كردستان حتى الآن. ويرتكز الوزير في كلامه على عمليات فحص الدم الجارية للمتبرعين وبخاصة للعاملين في مصارف الدم وغسل الكلى والأسنان. ويؤكد على أن وضع الإقليم أفضل بما لا يقاس مقارنةً بالمناطق التي استشرى فيها المرض كثيراً، حاصداً آلاف الضحايا من المواطنين. ويشير الى صعوبة تطبيق الفحص الطبي اللازم اجراؤه للوافدين الى الاقليم من دول أخرى، لكنهم يُطالبون بتقرير من الدول التي قدموا منها، يؤيد خلو أجسامهم من الفيروس المسبب للمرض. وعلى سؤال "الحياة" عن الخطوات المتخذة في الإقليم لتدارك المرض قبل الإصابة به يجيب: "هناك الكثير من اللقاءات التي أجريناها مع شرائح مختلفة من المجتمع الكردستاني، ضمت رجال دين وباحثين اجتماعيين بغية شرح طبيعة المرض بالتركيز على جوانبه الصحية والنفسية والدينية، كما أن بعضاً من تلك اللقاءات عقد داخل الأسوار الجامعية، على رغم أنها لا تزال تعاني فقراً حاداً". وعن تأثير الظروف التي يمر بها العراق الآن على انتشار المرض قال: "إن العراق مر بظروف أقسى وأصعب كثيراً مما هو عليه الآن، إلا أن التماسك الاجتماعي ومتانة الحياة الاجتماعية ورصانة العادات والتقاليد، جعلت البلد كالدرع الحصينة بمواجهة هذا النوع من المخاطر، كما أننا لم نلاحظ الخطورة التي نتوقعها". وأوضح أن "الظروف الحالية قد تكون مهيأة لجلب الأنظار غير الشرعية إليها، لكنها ليست في المستوى الذي يساعد على إنعاش التجارة بالمخدرات والدعارة". وفي ما يخص كردستان، أكد الوزير على استحالة دخول أي شركة أو منظمة أجنبية الى الإقليم إلا رسمياً وبعد الحصول على كل الموافقات الخاصة بشأن دخولها المنطقة التي تمر بدورها في مراحل متعددة. وعلى رغم تباين الآراء والمواقف ازاء وجود المرض أو عدمه في العراق، إلا أن كل المؤشرات والآراء تتفق على وجود نسبة إصابة خفيضة جداً بالمرض، مقارنةً بالنسب الهائلة للمناطق الأكثر تضرراً بالإيدز والمتمثلة في دول جنوب الصحراء الأفريقية ودول جنوب شرقي آسيا وأميركا الجنوبية. سعيد هوشيار 22 عاماً طالب جامعي، يتحدث باستحياء عن المرض فيقول:" أعرف أن المرض ينتقل من طريق الاتصال الجنسي، وأن الفيروس المسبب له يمر في فترة حضانة في جسم الانسان قبل ظهور علامات المرض عليه وموته أخيراً". ويقول سعيد إن أصدقاءه يعلمون عن المرض معلوماته نفسها وهم يتبادلونها في مجالسهم الشبابية... ويضيف انه لم يحصل أو يسمع بلقاء أو ندوة خاصة عقدت للشباب حول المرض وأسبابه وطرق انتقاله والوقاية من الإصابة به... ويتمنى ان يحصل ذلك قريباً.