تبدو نتيجة السباق الرئاسي الأول الذي تشهده مصر في السابع من أيلول سبتمبر المقبل محسومة لمصلحة الرئيس الحالي حسني مبارك. على أن طريقة"إخراج"الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم وحكومته لهذا الفوز لم تتضح ملامحها بعد. من الممكن أن يعمد الحزب الحاكم إلى طريقة"الحرس القديم"في إدارة المنافسة في الاستحقاق الرئاسي وإخراج نتائجه، فتتجاوز نسبة فوز مبارك 85 في المئة بعد تدخل بعض كوادر الحزب وحكومته لتعديل النتيجة الحقيقية التي لن ترضي قواعد الحزب في القرى والمدن والكفور والنجوع بعدما اعتادت هذه القواعد خلال الأعوام الخمسين الماضية أن يفوز الرئيس، أي رئيس، بنسبة لا تقل عن 99 في المئة. وفي المقابل، قد يتوسل الحزب طريق"التيار الإصلاحي"والفكر الجديد الذي يقوده نجل الرئيس أمين لجنة سياسات الحزب جمال مبارك، فتخرج النتائج الحقيقية بفوز مبارك بنحو 70 في المئة من الأصوات، وهي النسبة التي يستطيع الحصول عليها من دون تزوير أو تدخلات. ولن يحصد رئيس حزب"الغد"الدكتور أيمن نور، ورئيس حزب"الوفد"الدكتور نعمان جمعة، أبرز"منافسي"مبارك سوى نسبة ضئيلة من أصوات الناخبين لاعتبارات عدة. فالحزب الحاكم سخر آلته الدعائية الشرسة لمحاربة نور إعلامياً والإجهاز عليه كمنافس قد يمثل خطورة على النظام في الانتخابات الرئاسية المقبلة في العام 2011، كما أن معظم المثقفين لا يثقون في شخص نور، على رغم أن بعضهم سيختاره"دعماً للتجربة الديموقراطية الجديدة". يضاف إلى ذلك، الأسلوب الذي يستخدمه رئيس"الغد"في جريدته وطريقة هجومه على الآخرين، ما يستفز كثيرين من الراغبين في الانضمام إليه، خصوصاً مع ضم حزبه بعض الأسماء المثيرة للجدل التي لا تحظى بقبول كثيرين في أوساط القوى السياسية والمجتمع المدني. ويعتقد على نطاق واسع أن أنصار الحزب الحاكم لن يفسحوا المجال أمام نور ليصول ويجول في محافظات مصر، تنفيذاً لحملة"طرق الأبواب"التي قال إنه سيقوم بها خلال فترة الحملات الرئاسية. بل ربما لن يتردد بعض كوادر الحزب في القضاء عليه كي لا تقوم له قائمة. ولا يتبقى لنور سوى بعض المؤمنين بشجاعته وبسالته غير المسبوقة في مواجهة النظام. ويعقد هؤلاء آمالاً كبيرة على نور في حل مشكلات أساسية كالقضاء على البطالة وإصلاح الأوضاع الاقتصادية، وقد يستميتون في حشد المؤيدين له، لكن هؤلاء لن تتجاوز نسبتهم 5 في المئة. أما مرشح"الوفد"ورئيسه الدكتور نعمان جمعة، فلن يحصل هو الآخر على أكثر من 8 في المئة، بحسب أكثر المراقبين تفاؤلاً، على رغم أنه رئيس أقدم حزب في تاريخ الحياة السياسية والنيابية المصرية قام على أكتاف رموز كزعيم الأمة سعد زغلول، ومصطفى النحاس، وفؤاد باشا سراج الدين. ويُشاع أن جمعة الذي أعلن في ما مضى مقاطعته للانتخابات قبل أن يفاجئ الجميع بتقديم أوراق ترشحه للرئاسة، نجح في عقد صفقة مع الحزب الحاكم. وتقول التكهنات إن الصفقة تقضي بترشح رئيس الوفد لضمان إخراج أفضل للانتخابات الرئاسية، وكي لا يصبح نور"منافسًا حقيقياً"وحيداً للرئيس مبارك. وفي المقابل، يحصل"الوفد"على عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني نوفمبر المقبل يتراوح بين 30 أو 40 مقعداً في مجلسي الشعب والشورى، ما يؤهله ليصبح قطب المعارضة الأبرز بدلاً من نور ومجموعة"المشاغبين"الذين لا يرغب النظام في التعامل معهم. ولا يحتاج استقراء موقف مرشحي الأحزاب السبعة الأخرى التي تخوض الانتخابات الرئاسية إلى كثير من الحنكة، فعلى الأرجح لن يحصل أي منهم على أكثر من نصف المليون جنيه التي منحتها الدولة لمصروفات حملات المرشحين الانتخابية، إضافة إلى نحو 2 في المئة من الأصوات يحصلون عليها مجتمعين، إذ إنهم بلا تاريخ سياسي أو برامج مقنعة، كما لا يعرف أسماءهم أحد. عودة إلى مبارك، الذي سيحصد أكثر من 70 في المئة من الأصوات الصحيحة من دون تزوير، وهو الفائز الحقيقي في هذه الانتخابات. وتدعمه في السباق الرئاسي عوامل عدة، أبرزها: أولاً: بسطاء المصريين الذي تتجاوز نسبتهم 65 في المئة من مجموع السكان، قانعون بمبارك الذي يمثل لهم صمام الأمان والاستقرار، فوسائل الإعلام الرئيسة التي يشاهدها ويسمعها ويقرؤها هؤلاء، خاضعة للسيطرة الحكومية. ونجحت الإذاعة والتلفزيون والصحف والمجلات الحكومية في أن تجعل صورة مبارك في قلوب هؤلاء الملايين بمثابة السند والملجأ الذي يوفر لهم الأمن والأمان. ثانياً: النخبة الاقتصادية المصرية استفادت كثيراً في عهد مبارك، ما يجعله المرشح الأفضل لدى رجال الأعمال والمال والاقتصاد، ويدفعهم إلى دعمه إلى الحد الأقصى، لينأى بهم عن"الشعارات المخيفة"التي يرددها المرشحون الآخرون. ثالثاً: يدل تاريخ مبارك على أنه شخص عاقل ومتزن وحكيم، إضافة إلى تاريخه السياسي والعسكري، في مقابل تجارب منافسيه. ولعل هذا ما سيدعم حظوظه لدى المصريين الذين يفضلون العمل بالمثل القائل"اللي تعرفه أفضل من اللي ما تعرفوش". وبالتالي يفوز مبارك بنسبة لن تقل عن 70 في المئة، في حال اعتماد الشفافية في العملية الانتخابية، وعدم تدخل أجهزة الدولة فيها بالتلاعب أو التزوير. أخيراً، فإن نصيحتي للحزب الحاكم، إذا جازت النصيحة له ولحكومته، ألا يتدخلا بأي صورة من صور التزوير التي شهدناها في انتخابات واستفتاءات سابقة، فمصلحة الرئيس مبارك ومصلحة مصر أن تمر أول تجربة ديموقراطية حقيقية في البلاد من دون أن تشوبها شائبة، حتى وإن فاز بنسبة 55 في المئة من الأصوات. * كاتب مصري.