قبل أكثر من عشر سنوات تلقى المخرج اللبناني وسيم طبارة إنذاراً من قلبه بأنه بدأ يتعب. لم يعره أهمية ولم يوقف السهر والتدخين والساعات الطويلة جداً خلف شاشة الكومبيوتر. ويبدو أن طبارة نجح في التغلب على"الذبحة"القديمة طوال السنوات الأخيرة، بالانقطاع الى حديقته وطيوره في بيته في كفرحباب شرق بيروت حتى قرر ذاك القلب"التوقف"بعد ظهر أمس عن عمر شارف على الستين، ويمنعه من العودة الى مسرح"القوالين"والى جمهوره العريض في مسرحية اطلق عليها اسماً:"حلس ميلس". ولم يستغرب عارفو طبارة لجوءه الى اسم قاضي التحقيق الدولي في اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري ليكون موضوعاً لمسرحيته، اذ انه منذ ان جاء الراحل الى الحكم في لبنان العام 1992 كان موضوع مسرحياته. فتارة كان يسمي مسرحية"ناموا ع حريري"وطوراً"الرفيق وقت الضيق"و"سبق الفضل"مستمداً من اسم الوزير السابق الفضل شلق. ومعروف ان مسرح"القوالين"يتركز على الشؤون السياسية في أساسه. فمنذ ان عاد طبارة الى لبنان في الستينات متخرجاً في الولاياتالمتحدة في الإخراج، أسس مع الفنانة الراحلة أيفت سرسق مسرح"الشونسونيه"وشاركهما رفيقه الفنان محمد شبارو. وهم قدموا في مسرحهم كل الأحداث السياسية والأمنية التي عصفت بلبنان، في قالب فيه الكثير من النقد المباشر والواضح والجرأة ويحمل في طياته كثيراً من"الحزن"على الأوضاع التي وصل إليها البلد. ولم يتوقف طبارة وشبارو عن تقديم مسرحيات بمعدل كل سنة مسرحية، حتى نهاية التسعينات حين انفصلت الصداقة القديمة جداً ليسعى كل منهما وراء عمله الخاص في مجال الفن، ليتوقف بعدها طبارة أكثر من خمس سنوات عن تقديم مسرحيات. وكان طبارة الذي عزم على العودة الى الخشبة، ينظر الى مسرح"القوالين"بأهمية كبيرة. ولطالما ردد وسيم أمام سائليه من المثقفين والصحافيين قولاً مفاده أن"على من يرد كتابة تاريخ لبنان أن يعود الى مسرحياتنا"، فهو كان يعطي مسرحه أهمية ووقتاً كبيرين، وكان مستعداً دائماً لمناظرة أي شخص يدعي أن مسرح"القوالين"هو مسرح عابر. وكان يقول:"لو كان هذا المسرح الذي كانت بداياته في فرنسا، عابراً لما استطاع أن يستمر أكثر من 30 عاماً وخرّج جيلاً كاملاً من الممثلين والفنانين". كان وسيم طبارة"خلاقاً"وسباقاً في ابتكار الأفكار، فهو لم يكن محصوراً بخشبة المسرح التي أحبها الى درجة العشق وكانت الأفضل لديه، مخرجاً وممثلاً وكاتباً، بل كان مبدعاً في غير نوع من أنواع الفنون. فهو قدم كثيراً من البرامج التلفزيونية والترفيهية وعمل كثيراً في المجال الإعلاني وصولاً الى آخر ابتكاراته اطلاق مسابقة"ملكة جمال الانترنت"التي بدأ بها محليا وتبنتها دول كثيرة.