من تابع اعمال ماريو باسيل منذ البداية سيدرك التطور اللافت في تمثيله الذي ظهر في السنتين الأخيرتين. ويعترف ماريو ان مارك قديح يعمل كثيراً على الممثلين اضافة طبعاً الى النضج الذي يصيب الفنان بعد فترة البدايات التي تحمل عادة الكثير من "الشطحات". ولأن ماريو باسيل يعمل في مجال الإعلانات فقد استفاد ايضاً من هذه التجربة وخصوصيتها وفهِمَ بالتأكيد اللعبة الفنية من زواياها كافة سواء أكانت فنية ام تجارية ام ترويجية. أتى ماريو باسيل الى مسرح الشونسونييه من المسرح الكلاسيكي الذي اختبره وعمل عليه في الجامعة، وحتى اليوم قدّم مع مارك قديح مسرحيات عدة آخرها "بلا دَين" التي عرفت نجاحاً، ويخوضان معاً تجربة العمل التلفزيوني للمرة الأولى ويعترفان معاً ان الحلقة الأولى تضمنت ثغرات لكن الأمر تحسّن لاحقاً. ماريو باسيل الممثل اللامع والفكاهي يتحدث هنا: ثمة نسبة كبيرة من الجمهور لا تعرف عن كثب تجربتك وعن بداياتك ودراستك. ماذا عن هذه المرحلة؟ - درست وسائل الإتصال، اي الراديو والتلفزيون والسينما، في الكلية الأميركية اللبنانية ثم تابعت الدراسة وتخصصت في السينما في فرنسا. تجربتي المسرحية اكتسبتها في الجامعة، اذ اشتغلت في اكثر من 30 مسرحية لكبار المؤلفين من شكسبير الى بيكيت الى يونسكو، وأعمل منذ سنوات في مجال الإعلانات، اضافة طبعاً الى المسرح والآن التلفزيون. كيف بدأت العمل في مسرح الشونسونييه انت ومارك قديح؟ - انا ومارك صديقان منذ فترة طويلة، كنت انوي دراسة الكومبيوتر لكنه تمكن من اقناعي بدراسة الفن، وبعد عودتي من باريس أسّسنا فرقة وقدّمنا اول عمل وعنوانه "تي.في. أور نوت تي.في." ولقي نجاحاً مذهلاً. ربما لأن فرقتنا كانت تعبّر عن الجيل الجديد اذ لم يكن يومها سوى فرقة وسيم طبارة وفرقة مسرح الساعة العاشرة. هذا الامر اسهم في نجاح الفرقة بسرعة كما لعبت الدولة دوراً ولكن بصورة غير مباشرة في نجاحنا عندما منعت إعلاناً عن المسرحية بحجة انه اعلان فاحش وأقبل الجمهور بصورة واسعة على حضورها. ثم انفصلت عن مارك بعد نجاح المسرحية وأسّست فرقة وحدك لماذا؟ وماذا تقول عن هذه التجربة؟ - لم نختلف ولكن احببت ان اخوض التجربة وحدي وكانت اول مسرحية بعنوان "ميرسي كثير" ولقيت نجاحاً وتبعتها مسرحية "دار الفنون" وفشلت فشلاً ذريعاً. لماذا فشلت وكيف وجدت العمل بصورة منفردة؟ - فشلت لأنني تحملت كل المسؤوليات وحدي من الكتابة الى الإخراج الى الانتاج الى امور الصالة. وكان معي اشخاص شبه هواة وليس لديهم اي خبرة. التجربة كتجربة لم تفشل، أعطتني خبرة وزادتني نضجاً، وربما اثّرت على عملي وتجربتي مع مارك وأضرّتني قليلاً وفي اماكن محددة وأفادتني في امكنة اخرى. هل كان للغرور دور ما في هذا الإنفصال كما يحصل دائماً مع فرق الشونسونييه حيث نرى العناصر تتفرق وتشكل فرقاً لا تلبث ان تفشل وتتوقف؟ - عندما يصفق لك اكثر من 50 الف شخص هم مجموع الذين شاهدوا عملنا الأول، من الطبيعي ان تفقد توازنك، ومن يدّعي العكس يكون كاذباً. وبقيت فترة افتش عن ذاتي لكي تستقيم الامور من جديد. ثم عدت الى مارك قديح. ماذا عن هذه العودة؟ - أقنعني مارك بأمر وهو انني ممثّل قبل ان اكون مخرجاً وبالتالي يجب ان اركّز على التمثيل وأترك له الإخراج لأن خبرته اكبر. واقترح عليّ ان اشكل فرقة وأخرج لها الأعمال ويقوم بمساعدتي اذا كانت مسألة الإخراج اساسية بالنسبة لي. اقتنعت بالفكرة خصوصاً وأن تجربتي اكدت لي ان العمل الفردي في هذا الزمن سقط وحلّ العمل الجماعي في القضايا الفنية عموماً والمسرحية بشكل خاص. عدنا إذاً الى العمل معاً وبصراحة سعى مارك الى "تنظيف" صورتي وتوضيبها، وبمعنى آخر في البداية لم يكن لدينا خبرة، كنا متهوّرين وأصابنا شيء من الغرور. تقول انك كنت متهوّراً كيف؟ وماذا تعني؟ - للمسألة وجوه عدة. انا متأثر كثيراً بالفنان انطونان ارثو الذي أسّس مسرحاً يقوم على صدم المشاهد وتحريك مشاعره بكل الوسائل، وهو في الحقيقة لعب دوراً في تغيير مجرى الفن في فرنسا انه منظر كبير للمسرح ولمسرح "القسوة" بخاصة. الصدم يقود الى اكتشاف حقيقة الحياة، هذا كان شعاره. عندنا كان الجانب السياسي والجنسي من اكثر المواضيع التي تحرّك مشاعر الجمهور فركّزت على هاتين المسألتين، وطبعاً كان بعض الجمهور ينزعج من هذه الأمور واعتبرني البعض وقحاً. على كل حال الجمهور احياناً يحيّرك فهو يصفّق لك ويضحك لعملك ويفرح وتراه لاحقاً يشتمك. لا يجوز للفنان ان ينقاد وراء الجمهور وعليه ان يحافظ على افكاره. ثمة افكار لدى الفنان يعجز عن التعبير عنها كتابة ربما لأنه لا يحسن الكتابة. ترى هل يحصل الأمر ذاته على صعيد التمثيل او المواقف العامة على المسرح؟ - هذا عذابي. ثمة امور كثيرة اود ان اكتبها لكنني اعجز لأنني لا اعرف ان اعبّر عنها. قد اجد الإيقاع والفكرة ولكن الكلمات تهرب. بالنسبة الى التمثيل ثمة عذاب ايضاً يشبه العذاب في الكتابة لأن طموح الفنان دائماً ان يقدّم الأفضل. ماذا عن الشكل الخارجي للفنان ومحاولة استغلاله أكان الشكل قبيحاً ام جميلاً؟ - الشكل يساعد الفنان لكن الأمور لا تقف هنا. ثمة اناس جميلون لكنهم لم يستمروا في التمثيل وهناك اشخاص قبيحون لم ينجحوا. المسألة اكبر من ذلك وثمة امور اخرى اساسية هي الخيال والروح لدى الفنان. التجارب التي عاشها. ليس لديّ اي مشكلة اذا تحدث احد عن شكلي على المسرح من خلال النص او من خلال الشخصية. اما خارج النص فأن الأمر يصبح مزعجاً. خضت اخيراً مع مارك قديح تجربة العمل التلفزيوني، ويعرض لكم حالياً برنامج "مُنعَ في لبنان" كيف تقوّم هذه التجربة؟ - التلفزيون مختلف تماماً عن المسرح. على التفزيون تتقدّم كممثل بسرعة لأنك تؤدي في حلقة واحدة شخصيات عدة قد لا تقدمها خلال سنة على المسرح. التفزيون يفجّر فيك الافكار والعطاء. هو مسرحية مستمرة دائمة لا تتوقف عن تقديم الجديد لحظة. ثم ان الجمهور يعرفك بسرعة على عكس سنوات من العمل في المسرح.