اختارت المستشارة الألمانية الجديدة أنغيلا مركل باريس،محطة اولى لجولة أوروبية بدأتها غداة انتخابها،برفقة وزير خارجيتها فرانك فالتر شتاينماير. وهدفت من اختيار باريس مستهلاً للجولة،الى طمأنة الجانب الفرنسي الى حرصها على المحور"الفرنسي - الألماني"الشهير الذي طالما اعتبر المحرك الرئيس لأوروبا. وانتقلت مركل من باريس الى بروكسيل لزيارة مقري الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي،على ان تتوجه بعدها الى لندن. ويتوقع أن تزور واشنطن قريباً. نجحت المستشارة الالمانية انغيلا مركل بزيارتها باريس امس،في تبديد تكهنات عن احتمال عدولها عن التقليد المتبع لدى اسلافها باختيار باريس،محطة اولى لجولاتهم الخارجية غداة انتخابهم. وحرصت بهذا الاختيار على عدم اضافة صدمة جديدة على الساحة الاوروبية المتصدعة أساساً منذ انهيار مشروع الدستور الاوروبي. ولقيت بادرة المستشارة الالمانية،صدى شديد الايجابية لدى الجانب الفرنسي،فأكد الرئيس الفرنسي جاك شيراك خلال مؤتمر صحافي عقده معها في قصر الاليزيه بأنه شعر"بالتقدير والشرف الذي تمنحه لنا اليوم"بمجيئها الى فرنسا. وقال ان الصداقة الفرنسية - الألمانية"مبنية اليوم،على القلب بقدر ما هي مبنية على الفكر"وانه ومركل يعتبران ان اوروبا بحاجة الى"محور فرنسي ألماني متين بالفعل"لتعمل في شكل حسن. لكن اللياقة التي أبداها شيراك حيال بادرة مركل الرمزية لا تلغي التباين الواسع بينهما في شأن مواضيع عدة،اوروبية ودولية،وذلك بخلاف سلفها غيرهارد شرودر الذي كان باستمرار على توافق تام مع الرئيس الفرنسي على الصعد كافة. وبخلاف الرئيس الفرنسي،فإن مركل من اتباع التوجه الليبرالي على المستوى الاقتصادي ومن اتباع التوجه الاطلسي على المستوى السياسي. وكانت مركل العازمة على تحقيق المصالحة بين برلينوواشنطن،أيدت الحرب على العراق،ما شكل السبب الرئيس للخلاف بين البلدين،كما اخذت على المحور الألماني - الفرنسي،في عهد شرودر تقاربه من روسيا وابتعاده عن الولاياتالمتحدة. وفي حين حرص الاتحاد الاوروبي،بوحي من المحور"الفرنسي - الألماني"على اقامة توازن دائم في الانفتاح على مشكلات العالم الثالث ودول اوروبا الشرقية،فإن مركل تعتبر ان الأولوية ينبغي ان تعطى الى هذه الدول الصغيرة الناشئة. اما على صعيد الملفات الاوروبية البحتة،فإن مواقف مركل حيالها،اقرب بكثير الى مواقف رئيس الحكومة البريطاني توني بلير،منها الى مواقف شيراك،خصوصاً في ما يتعلق بتحديث المؤسسات الاوروبية وتوزيع الموارد الاتحادية. وتراهن مركل على الارجح على النقاش وتبادل الآراء لتذليل التفاوت القائم بين وجهات نظرها ومواقفها،ووجهات نظر الرئيس الفرنسي. ولذا اكدت خلال المؤتمر الصحافي في قصر الاليزيه انها تريد الابقاء على وتيرة اللقاءات الفرنسية - الالمانية نفسها التي كانت قائمة في السنوات الماضية،داعية شيراك الى زيارة برلين مطلع الشهر المقبل. وأشارت الى ان لقاءها المقبل مع شيراك يهدف الى الحفاظ على لقاءات التشاور غير الرسمية،التي كانت متبعة بينه وبين شرودر. بروكسيل وبعد باريس،كانت في انتظار مركل ملفات مهمة في بروكسيل مع الاتحاد الأوروبي ومع حلف الاطلسي،اذ اجتمعت بعدد من قادتهما،كما ان اجتماعها اليوم مع رئيس الوزراء توني بلير في لندن،سيخصص بدوره لبحث سبل الخروج من الازمة المالية التي يتخبط فيها الاتحاد. والتقت مركل في بروكسيل مساء أمس،الأمين العام لحلف الاطلسي جاب دو هوب شيفر وبحثت معه العلاقات الاطلسية وضرورة تطويرها والدور المنتظر لألمانيا فيها،واجتمعت بعد ذلك مع رئيس البرلمان الأوروبي جوزيب بوريل ومع رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروزو الذي كان لها الفضل في اقتراحه وانتخابه على رأس المفوضية خلفاً لرومانو برودي. وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي إلمار بروك ألماني ان الاتحاد الأوروبي"ينتظر الكثير"من المستشارة الجديدة،ملاحظاً ان الاتحاد"بلا رأس قيادي حالياً وينتظر أن تساهم المستشارة في قيادته". العلاقات مع اميركا وعلى رغم ان الترحيب الأميركي بانتخاب مركل كان عادياً،فان المراقبين يرون ان الرئيس جورج بوش يعلق أهمية كبيرة على فتح صفحة جديدة من العلاقات مع مركل بعدما توترت مع سلفها غيرهارد شرودر بسبب حرب العراق. ولفت أمس المقال الذي كتبه السفير الاميركي لدى ألمانيا وليام تيمكن في جريدة"برلينر تسايتونغ"حول معاني انتخاب مركل،ذكر فيه انه يتوقع تعزيزاً لعلاقات البلدين. واعتبر السفير الأميركي ان النزاع الذي حصل بين واشنطنكوبرلين حول حرب العراق"أصبح من الماضي"،ملاحظاً ان البلدين"يدعمان الآن سوياً العراقيين لبناء الديموقراطية والاقتصاد". وخلال حفل تسلمه وزارة الخارجية في برلين من سلفه يوشكا فيشر،أكد وزير الخارجية الاشتراكي الديموقراطي شتاينماير ان حكومته"ستعتمد الاستمرارية في سياستها الخارجية"وأن"بإمكان الألمان التعاطي بعقلانية ازاء الاختلاف في العلاقات مع الولاياتالمتحدة".