فور الاعلان عن فوز رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني غيرهارد شرودر في الانتخابات، بادر الرئيس الفرنسي جاك شيراك الى دعوته لزيارة فرنسا بأسرع وقت، فيما أعلن رئيس الحكومة الفرنسية ليونيل جوسبان أن إنتخاب شرودر قد يعطي دفعة جديدة لعلاقات فرنسية - المانية أصبحت روتينية. وأشادت الأوساط الفرنسية الرسمية كلها بالمستشار هلموت كول الذي خسر الانتخابات واصفة إياه بأنه كان "قائداً تاريخياً" أوصل بلاده الى الوحدة بعد انهيار جدار برلين، كما أنه جعل المانيا تتخلى عن عملتها الوطنية المارك الأقوى في أوروبا، لمصلحة العملة الاوروبية الموحدة الپ"يورو"، بالاضافة الى انه طيلة 16 عاماً أمضاها في الحكم، جعل من المحور الالماني - الفرنسي العمود الفقري لعملية بناء الوحدة الاوروبية. وجاء التطمين الاول على هذا الصعيد من خلفه الفائز شرودر في مقابلة أجرتها معه أمس إذاعة "أوروبا واحد" الفرنسية، إذ قال أن العلاقة الفرنسية - الالمانية القوية ما زالت من أولويات السياسة الالمانية الجديدة. كما أكدّ عزم المانيا على الاستمرار في بناء أوروبا والدخول في العملة الموحدة الپ"يورو" في الموعد المحدد، وهو كانون الثاني يناير 1999. وأجمعت الأوساط الرسمية الفرنسية على التعبير عن قناعتها باستمرارية السياسة الالمانية في ما يتعلّق ببناء أوروبا والعلاقة الفرنسية - الالمانية واقامة الپ"يورو". وقالت لپ"الحياة" الناطقة الرسمية باسم الرئاسة الفرنسية كاترين كولونا أن "الاستمرارية في التفكير بين فرنساوالمانيا ستنتصر على التغيير لأن طبيعة العلاقات الخاصة للتفاهم الفرنسي - الالماني هي عنصر أساسي في إطار بناء الوحدة الاوروبية، وأنها تتجاوز تغيير المسؤولين وتغيير شخصياتهم، فهكذا تتقدم أوروبا". وأضافت ان التقليد هو أنه كلما حصل انتخاب في أيّ من الدولتين يلتقي قائداالبلدين في أسرع وقت. والكل في فرنسا يعتقد انه يجب ان يكون الانتخاب مناسبة لتجديد العلاقات بين الدولتين". المثلث الأوروبي أما عن الديبلوماسية الأوروبية في الشرق الاوسط والمواقف الالمانية المعروفة بأنها أكثر قرباً من السياسة الاميركية، فقالت مصادر مطلعة لپ"الحياة" ان لا تغيير في ذلك مع مجيء شرودر لأن ذلك يعود الى تاريخ المانيا وماضيها المؤثر على علاقتها بالولايات المتحدة. أمّا بالنسبة لما يُقال عن احتمال اقامة "مثلث" الماني - بريطاني - فرنسي كون شرودر أقرب الى رئيس الحكومة البريطانية توني بلير منه الى المسؤولين الفرنسيين، قالت المصادر ان اقامة مثل هذا المثلث مشروطة بدخول بريطانيا الپ"يورو" وأن تصبح بريطانيا شريكة أوروبية كاملة، في حين ان لندن أعلنت انها لن تكون في موعد الپ"يورو" في كانون الثاني 1999. وعلى صعيد آخر، قال تأوساط فرنسية اقتصادية مطّلعة ان عملية توحيد المانيا التي قادها المستشار السابق هلموت كول، ضخّمت حجم المانيا ولكنها أضعفتها لأن سكان غرب المانيا يدفعون سنويا ما يعادل 500 بليون فرنك فرنسي منذ 8 سنوات على شكل ضرائب للمقاطعات في شرق المانيا، وأن ذلك سيستمر لسنوات طويلة، كما أن مستوى البطالة في غرب المانيا وشرقها من أعلى المستويات في أوروبا اذ طاول اكثر من أربعة ملايين شخص، في حين ان المانيا تواجه عبء دفع هذه الضريبة السنوية في سبيل شرق المانيا. وأضافت الأوساط الاقتصادية الفرنسية ان كلفة اليد العاملة في المانيا هي الأكثر ارتفاعاً في العالم. فالعامل الالماني يتلقى أفضل راتب في العالم بالمقارنة مع معدّل الرواتب العمالية الاوروبية فهو يفوق بنسبة 30 في المئة المعدل الاوروبي وبأكثر من نسبة 20 في المئة المعدّل الفرنسي. ورأت هذه الأوساط ان مهمة شرودر الاقتصادية ستكون مكافحة البطالة واجراء اصلاح ضريبي لجهة تخفيف الضرائب على الشركات العامة والشركات الكبرى. ولكنه ينوي فرض ضرائب أعلى على الثروات، منها ثروات الصناعيين. وقالت ان المانيا بحاجة الى المهاجرين، ذلك ان شرودر سيعمل على اعطاء الجنسيات للمقيمين الاجانب الذين يعملون فيها لأن مستوى الولادات في المانيا هو الاضعف في أوروبا فهو بنسبة 3،1 ولد لكل عائلة فيما في فرنسا هو 6،1 ولد لكل عائلة فيما عبء ضرائب التقاعد على العمال الالمان هو الأعلى في أوروبا. وأكدّ شرودر امس انه سيلبي دعوة شيراك في أسرع وقت. وتوقعت مصادر فرنسية مطلعة ان تتم زيارته الى باريس خلال الاسبوع الجاري. الموقف البريطاني وفي الوقت نفسه، تأمل لندن أ ف ب رغم موقفها المترقب من العملة الأوروبية "يورو" في ان يساهم انتخاب شرودر في قيام زعامة ثلاثية في أوروبا، تحل محل المحور التقليدي الالماني - الفرنسي. وما أن أظهرت الانتخابات الالمانية انتهاء عهد كول حتى عبر وزير الخارجية البريطاني روبن كوك بوضوح عن طموحات بلاده. وقال في تصريحات صباح أمس ان "شرودر ينتمي الى جيل جديد من القادة الالمان، وهو لم يشارك في المحور الفرنسي - الالماني ... وسيكون أكثر انفتاحاً على فكرة ان تلعب بريطانيا الآن دوراً رئيسياً في أوروبا". والواقع ان زعيم حزب العمال البريطاني توني بلير دشن منذ توليه رئاسة الحكومة قبل 16 شهراً مرحلة جديدة في العلاقات بين بلاده والاتحاد الأوروبي مساهماً في اخراجها من وحدتها بعد 18 عاماً من حكم المحافظين. وكان بلير مساء أول من أمس أول رئيس حكومة في الاتحاد الأوروبي يتصل هاتفياً بشرودر لتهنئته على "انتصاره الرائع". كما اعرب وقد بدت البهجة على وجهه عن الأمل في قيام حلف فرنسي - الماني - بريطاني لإعادة التوازن الى العلاقات داخل القارة الأوروبية، داعياً الى سياسة "الخط الثالث" التي تشكل الشعار الأول لرئيس الوزراء البريطاني. واعتبر رئيس الوزراء البريطاني ان حكومات من يسار الوسط "تشاطر الرؤيا ذاتها" تحكم اليوم في المانياوبريطانياوفرنسا، للمرة الأولى منذ سنوات عدة. وذهب بعض الصحف البريطانية أمس الى حد الإشارة الى "تحالف انكلو - ساكسوني" يحل محل حلف بون - باريس.