أصبح"غوغل"، وكان مقره، أول الأمر، قبواً أو مرأباً، منذ أقل من سبع سنوات، آلة مذهلة لجني الأموال. ولكن محرّك البحث الذي بدأ يغزو خدمات البريد الالكتروني، والهاتف الخلوي، ويسعى في انشاء مكتبة عالمية، بات يشبه"الأخ الأكبر"أي العين الراصدة التي وصفها جورج أورويل في روايته"1984"، فهل الخوف واجب؟ يثير الأميركي لاري بايج، والروسي سيرغي برين، وهما مؤسسا"غوغل"، القلق فوق ما يثيره أشرس اللاعبين في"وول ستريت". والسبب في ذلك، أولاً، هو قوة شركتهما التي ازدادت ثقلاً في بورصة الأسهم، بعد طرحها على التداول قبل نيّف وسنة فقط. وفاقت قيمتها السهمية قيمة شركتي"جنرال موتورز"وپ"وفورد"مجتمعتين. ولكن مبعث الخوف هو نزعة المؤسسين الى بسط"سيادتهما"على المعلومات العالمية. ويُنظر الى بايج وبرين على أنهما"الأخوان الأكبران"على المثال"الأوروبي"والستاليني نفسه. وثمة اعتقاد بأن"غوغل"قد يكون قادراً، في يوم من الأيام، على اطاحة"مايكروسوفت"، فيمسي القطب الأوحد في مجال تكنولوجيا المعلومات. وسطوته، الى اليوم، مذهلة: فهو متوافر في 116 لغة، ويُستخدم محرك بحث في أرجاء الكوكب القريبة والنائية. والى 2003، كان المحرك هدف نحو 250 مليون سؤال، نصفها من خارج الولاياتالمتحدة... ثم توقّف الاحصاء، جراء تعاظم الرقم. وضربت الصفحة الأولى صفحاً عن الإحصاء. غاية"غوغل"واضحة وبسيطة، انها الإلمام بكل شيء، وجمع معارف الدنيا كلها، وضبط ثمرة البحث المترامي من شبكة سرية من 175 ألف كومبيوتر محفوظة في أماكن مجهولة، ثم اتاحة الكنوز هذه كلها للناس جميعاً. ولا تقدر بثمن قيمة المعارف الكونية لدى المعلنين. وتظهر في الروابط التجارية، أي المدفوعة، التي تظهر مع كل صفحة على الشاشة. وتصل الروابط - الشركات والمؤسسات المعلنة مباشرة برواد الشبكة، في أثناء اجرائهم عمليات البحث. وبعد ان ابتلع"غوغل"مستندات الشبكة العالمية، يعتزم رقمنة الكتب المطبوعة كلها، وترتيبها في مكتبة"غوغل برينت". وتعتزم الشركة اخضاع تكنولوجيا الاتصالات، من هاتف وتلفزيون وفيديو الى هيمنتها المركزية. وييسر الأمر عليها جهل مشكلة الترجمة، وهدم حاجزها. وقد يضعف"غوغل"هيمنة"مايكروسوفت"اذا كان في مستطاعه بيع أجهزة، لقاء مئة دولار، تسمح لمستخدميها بعلاقة مباشرة بالانترنت. واطراد نجاحات"غوغل"وانتصاراته يقلق دعاة الحريات الفردية، الذين ينظرون الى الكم الهائل وغير المسبوق من المعلومات الشخصية المخزونة بعين الخشية والتوجس. فهذه المعلومات قد تقع بيد هيئات حكومية تستعملها في المراقبة عنوة. ومهما كانت المآخذ على مؤسسي الشركة قاسية، فهما ماضيان في شق طريقهما. وهما قد يكونان حسني الطوية، لكنهما يظنان بأن الاصغاء اليهما جدير بجعل العالم أفضل. وهذا مصدر القلق. فالرجلان لا يقرأان الصحف، ويزعمان أن ما يفعلانه على قدر من الخطورة لا يحتاجان معه الى معرفة ما الذي يحدث في العالم. فهما منشغلان في صنع الدنيا من جديد، على قولهما. وقلما يتجرّأ أحد على تناول"غوغل"سلباً في"سيليكون فالي"وادي الصناعات الالكترونية والمعلوماتية في ولاية كاليفورنيا. فالشركة تحوطها هالة المنشأة العظيمة، وهي توظف نحو 100 شخص جديد وعالي التأهيل في الأسبوع. ويأمل كثر في أن يعملوا في محرك البحث أو أن يتعاقدوا مع رافد من روافده. عن لوبوان الفرنسية 3/11.2005