لم يخطر في بالي، قط، أن أكتب عن محرّك البحث والتفتيش "غوغل"، Google. فالكتابة عنه صعبة، بالنسبة إليّ، كالكتابة عن الأشياء اليومية والخصوصية والحميمة، والتي يعزّ عليّ البوح بها. وعندما أكشفها أمام الآخرين، أشعر كأنّي تخلّيت عنها أو خنتها، ولو عادت بالنفع عليهم. وفي هذا السياق، أعترف بأني سبق لي أن "خنتُ" صديقي "غوغل"، مرّات عدّة قبل هذا المقال. فأثناء تبادل الأحاديث في شأن البحث عن معلومات في الإنترنت، مع زملاء في مكاتب "الحياة"، وجدتُ نفسي أدلّهم إلى "غوغل"، وأشرح منافعه لمن لا يعرفه، وأحثّهم على استخدامه، كموقع بحث أول. ثم أني راقبتُ علامات الدهشة ترتسم على وجوه البعض، عندما كانوا يلاحظون الوقت الضئيل الذي يستغرقه "غوغل" ليعود بنتائج البحث الوافرة، أياً يكن موضوع البحث، ويبسطها على الشاشة في أقل من نصف ثانية. ويرتّبها وفقاً لدرجة تطابقها مع عبارات البحث. ويميّز العبارات المطلوبة بأحرف سود سميكة، ضمن خلاصة مقتضبة، يستخرجها من محتوى الموقع المرصود. وباتت لفظة "غوغل"، التي لا معنى لها بالإنكليزية، فعلاً قابلاً للتصريف. وورد في بعض المصادر أن فعل google يعني استخدام محرّك بحث، كمثل google.com، للبحث "عن معلومات عن صديق جديد أو محتمل، أو صديقة جديدة أو محتملة". وفي مقال ورد في "شيكاغو تريبيون"، عدد 2 نيسان أبريل الماضي، جاء ما مفاده أن "غَوْغَلة"، googling، الحبيب المحتمل باتت عملية شائعة بين روّاد الإنترنت الشباب والمحترفين. وقد تصحّ عبارة "غوغلة"، بالعربية، إن جاز نسبها إلى الأصل الثلاثي "وَغَلَ". وعليه، ونظراً إلى قدرته على البحث ومزاياه الكثيرة، يمكن وصف محرّك "غوغل" بأنه يوغل في مواقع "ويب" غوغلةً، ويجوجل منها جوجلةً ما هو متطابق مع موضوع البحث، ويأتي بالنتائج. "غوغل" من الداخل من يدخل صفحة الاستقبال، لن يشعر بجبروت محرّك البحث. فهي صفحة متواضعة جداً، مُقلّة في محتواها، وتخفي وراءها رقياً تكنولوجياً. على رأسها شعار google بألوان زاهية، على خلفية بيضاء. يليه حيز كتابة، ذو إطار أزرق باهت رفيع. يظهر فوقه عدد الصفحات التي يستطلعها المحرّك، وقد وصلت، إلى حين إعداد هذا المقال، الى 1346966000، والعدد إلى ازدياد. ومن تحته زران: الأول google search بحث غوغل الذي يأتي بكل النتائج، والثاني I'm feeling lucky أو زر الحظ، ويأتي بأول موقع يحسبه محرّك أنه الأكثر تطابقاً مع موضوع البحث. وعن يمين حيّز الكتابة، وصلتان تُعتبران من مكامن قوة "غوغل". الأولى للبحث المتقدّم، advanced search، ومن شأنها حصر عملية البحث وتضييقها، من خلال تحديد العبارات واللغة، وأماكن ورودها في الصفحات، واستثناء المواقع غير المناسبة، فضلاً عن تحديد البحث السليم، لتفادي المواقع غير المرغوب فيها. وأضيفت إلى صفحة البحث المتقدّم ميزة جديدة، شاملة وفريدة من نوعها، للبحث عن الصور image search. وهي تأتي بصور ذات صلة مباشرة بموضوع البحث، تماماً كالنصوص وبمقدار غزارتها، إذ يبلغ عدد الصور المفهرسة في "غوغل" 150 مليوناً. وهي تظهر في صفحات النتائج مصغّرة، وعددها 20 في كل صفحة. وعندما تفتح إحداها، تظهر في رأس الصفحة، ويمكن تكبيرها، ومن تحتها صفحة الموقع الذي تنتمي إليه. أما الوصلة الثانية فللتفضيلات، preferences. وفي صفحتها، يمكن تحديد لغة واجهة الاستعمال من بين 50 لغة، وحصر موضوع البحث بلغة واحدة من بين 26، علماً أن "غوغل" معدّ أساساً ليأتي بنتائج البحث بكل اللغات. ويعمل الموقع، راهناً، على لغات أخرى، ليؤمّنها لواجهات الاستعمال وللبحث، ويصل مجموعها إلى 150 لغة، منها العربية. تعقيد وبساطة في آن عام 1998، أسس شركة "غوغل"، وعدد موظفيها الآن 200، لاري بايج، رئيس مجلس الإدارة، وسيرغي برين، الرئيس. وكانا طالبي دكتوراه في جامعة ستانفورد، حيث طوّرا طريقة تكنولوجية متقدّمة لإيجاد المعلومات على الإنترنت. وتتلخّص مهمته في تنظيم معلومات العالم وجعلها ذات فائدة وفي متناول الجميع. وتحرص شركة "غوغل"، بقوة، على مساعدة روّاد الشبكة على إيجاد المعلومات سريعاً، عبر تكنولوجيات بحث متقدّمة وفاعلة، ترخّصها أيضاً لمواقع تجارية عامة. وأهم تلك التكنولوجيات: "بايج رانك"، PageRank، و"هابرتكست ماتشينغ أناليسيس"، Hypertext-Matching Analysis. وتأتيان في صميم عمل "غوغل". وعلى عكس تقنيات بحث تقليدية عدّة تسجّل مرات ورود عبارة البحث، keyword، في الموقع المرصود، يعمد محرّك "غوغل" إلى حلّ معادلة رياضية تتألّف من 500 مليون متغيّر وتحوي أكثر من بليوني عبارة، في أقل من نصف ثانية، ومن دون تدخّل بشري. كذلك، يحلّل محتوى كل صفحة "ويب" كاملاً، لناحية الأحرف والتقسيم ومواضع كل العبارات في الصفحة. وتسمح هذه التقنيات لناشري المواقع بتقديم خدمات البحث الشاملة هذه، من داخل مواقعهم. وهي تُستخدم في أكثر من 30 بلداً، وفي مواقع تابعة لكبرى الشركات، من مثل: "ياهوو" و"فيرجين" و"نتسكايب". كذلك، يمكن استخدامها للبحث عن معلومات ضمن مواقع معيّنة، وبين الشركات التي اعتمدت هذه التقنيات في مواقعها: "سيسكو"، و"ريدهات" و"كالديرا"، وهما من مطوّري نظم "لينوكس". عذراً صديقي المفتّش "غوغل". أشعر هذه المرّة، بأني خنتك جهاراً، لكنّي لن أتخلّى عنك أبداً. عنوان إنترنت ذو صلة: www.google.com [email protected]