لا يسع من يمر بضريح الرئيس الراحل رفيق الحريري في باحة مسجد محمد الامين الا ان يتوقف عند"المخيم"الذي نشأ بسرعة الى جانبه. فحول ساحة الشهداء المجاورة نصبت نحو 50 خيمة يراوح حجمها بين صغير لا يتسع الا لشخص او اثنين وكبير يمكن أن يضم أكثر من عشرة أشخاص. سُوّر المخيم بقطع خشب وحبال تحسباً من ان يدخله"متطفلون يحاولون خرق الصفوف". هؤلاء المتطفلون صار سكان المخيم يعرفونهم. تتكرر وجوههم يومياً يحاولون التقرب منهم والاستماع الى أحاديثهم ونقل بعضها في شكل مغلوط. لكن شباب المخيم حوّلوا تطفلهم الى تسلية فراحوا يتندرون حولهم بحضورهم. سكان تلك الخيم يتناوبون على شغلها. فهم طلاب جامعات يحضرون المحاضرات المهمة ويغيبون عن الأخرى"أما الفتيات فلا يأتين الا في المساء لانهن لا يفوّتن الدروس". وفي المساء يبلغ العدد الاجمالي أكثر من 400 شخص، خصوصاً خلال سهرة النار التي يتحلق حولها الجميع وينشدون الأغاني الوطنية. التيارات الحزبية متداخلة، فخيم"الاشتراكيين"تجاور خيم"العونيين"و"القواتيين"والمستقلين وخيم طلاب الجامعة اليسوعية. وانشغل أفراد من التجمعات المدنية بضرب خيمة كبيرة ستكون بمثابة"صالون"مفتوح للجميع. "مخيم الانتفاضة والاستقلال"كما أطلق عليه سكّانه يخضع لتنظيم دقيق. فهذا المجتمع الشبابي الذي نشأ فجأة أبدى روح تضامن قوية يمكن رصدها من خلال مساعدة بعضهم بعضاً في نصب خيمة ما أو إيقاظ أحد النائمين لشرب القهوة. وعبر شاب من"الاحرار"عن سعادته بهذا الشعور المستجد فقال انه لم يختلط في السابق بشاب اشتراكي واذا حدث وصادفه في الجامعة فلم يجمعهما حديث. أما اليوم فهم أصدقاء. وانتدب كل تجمع أو تيار حزبي ممثلاً عنه. فتجتمع الهيئة التنظيمية يومياً لأخذ قرارات بنوع الشعارات والأعلام التي سترفع فوق الخيم، وهي اقتصرت على العلم اللبناني والشعارات المنددة بالاغتيال والمطالبة بالكشف عن الحقيقة, بعد أن رفعت صور قادة لبنانيين وشعارات حزبية خاصة أثارت حفيظة البعض. وثمة كذلك توافق على وجوب اطلاع الهيئة على أسماء المناوبين والغائبين تفادياً لمحاولات الاختراق. وعلى من يرغب بنصب خيمة له أن يعلم المنظمين ليحسبوا حسابه في الطعام. فأهم ما يقوم به الشباب غير وجودهم 24 ساعة في الموقع هو احضار وجبات الطعام وتأمين مياه الشرب. وهم إذا اضطروا يشترون الضروريات من مصروفهم الشخصي ويجرون الاتصالات لتنسيق مواعيدهم"وهذا هو الاسوأ"، يقول أحدهم:"لأننا أنفقنا موازنة الشهر في أسبوع". كذلك يترتب على ممثلي التيارات أن يقرأوا الصحف اليومية ويلصقوا القصاصات التي يرونها مهمة على قاعدة نصب الشهداء, لتصبح بمثابة نشرة يومية للجميع. ويتناوب الشباب أيضاً على تنظيف المكان بالتعاون مع شركة"سوكلين"التي وافقت على منحهم مستوعبات للنفايات وارسال عمال نظافة يساعدونهم حتى تنتهي فترة تخييمهم. وبعيداً من الخيم, قرب مبنى"فيرجين"وضعت ثلاث حجرات بلاستيك هي عبارة عن"حمامات موقتة"تشبه تلك التي في الطائرات. ويقول الشباب انها احضرت منذ يوم التشييع. مجتمع المخيم ذاك أمن لنفسه كل ظروف البقاء أو على الأقل أكثرها ضرورة, فقرر أفراده البقاء الى أن تنكشف لهم الحقيقة وهو ما قد لا يكون قريباً. فليس لديهم ما يخسرونه. حتى سيارة الشرطة التي راحت تجوب المكان وتطالب بابعاد السيارات عن الشارع, وعزلت المخيم ضمن طوق أمني لم تُضعف عزيمتهم. لا بل راحوا يتصرفون كأنهم في بيتهم. يستقبلون الزوار بفنجان قهوة ويجولون بهم في المكان كمرشدين سياحيين.