ثمة حركة تتسارع على"الساحة"المحلية. هناك أمور كثيرة وفقت بين السياسة الفرنسية والسياسة الأميركية. ولكن عملية اغتيال الشهيد رفيق الحريري دفعت التحركات السابقة الى الأمام، لأن الرئيسين جورج بوش وجاك شيراك يجدان نفسيهما ازاء تحدٍّ مشترك من قِبَل سورية. شاء البلدان قبلاً تطويع سورية لإرادتهما. أراد أحدهما حملها على الانسحاب من الأراضي اللبنانية، ورمى الآخر الى حظر عبور"المجاهدين"الأراضي السورية الى العراق. لم تكن أولوياتهما متماثلة، ولكنها لم تكن متناقضة، فضلاً عن أن الدولتين، على ما يبدو، متعبتان من سياسة الرئيس السوري. لم تودا بعد أن ترياه يعزز النزاعات الاقليمية بغية مبادلته، ذات يوم، تكريس الوجود السوري في لبنان، بدعمه حل البلبلة السائدة في العراق والصراع العربي ? الاسرائيلي. عليه، تضافرت جهود باريس وواشنطن لحمل مجلس الأمن، في أيلول سبتمبر الفائت، على اعتماد قرار يقضي بانسحاب القوات الغريبة من لبنان. وكانت المرة الأولى التي يتكلم فيها الفرنسيون والأميركيون بصوت واحد. ولقد حثوا، بوجه مواز، الرئيس الشهيد على جمع المعارضة اللبنانية توصلاً الى الفوز بانتخابات الربيع المقبل، ثم الى المطالبة برحيل السوريين، وهو أساس ما جاء في اتفاق الطائف الذي حيّنه وسرّعه قرار 1559 الدولي. سعى الرئيس الحريري رحمه الله بفضل مكانته المادية والمعنوية التوفيقية، وكذلك بفضل الدعم السالف الذكر، لتحقيق ذاك المسار. وكانت حظوظ نجاحه كبيرة. حتى"حزب الله"تبنى المسار في سبيل كسبه دوراً سياسياً الى جانب خطه المقاوم. إلا ان عملية الاغتيال قد حرمت جورج بوش وجاك شيراك من"الورقة"الحريرية المعتدلة بامتياز. يبدو ان النظام السوري قد حضّ الرجلين، من خلال مسؤوليته المباشرة أو غير المباشرة عن الجريمة النكراء، على رفع التحدي الذي يواجه البلدين، فسرّع اختزال اختلافاتهما. ان فرنسا وأميركا، من المنظار التاريخي، ما زالتا متباعدتين. ان نزعتيهما الخلاصيتين الشموليتين ما برحتا تعارضهما. ولكن الأهداف تجمعهما. فالفرنسيون والأميركيون يودون ان يغتنموا فرصة بدء حوار بين محمود عباس وآرييل شارون، ويصبون الى اقناع الإيرانيين بعدم التجهز بالسلاح النووي، والحؤول دون اقامة دستور عراقي يمزق علاقات الأخوة بين الشيعة والسنّة... بيروت - د. جهاد نعمان