كتاب الرئيس السابق جورج بوش سطحي. مليء بالبلاهات. خالٍ من أي تحليل معمق لأحداث أشعلت حروباً مدمرة. لم يستطع المحرر إنقاذ الكتاب، لا في أسلوبه ولا في تبرير قرارات مصيرية تتعلق بشعوب، ومن بينها الشعب الأميركي، ولا في إعطائها بعداً فكرياً، عدا الشعارات الأيديولوجية اليمينية المعروفة. ما سبق كان بعضاً من آراء وتعليقات الصحف الأميركية والبريطانية على كتاب بوش «لحظات حاسمة». اتخذت هذه الصحف صدور الكتاب وظهور بوش مناسبة للتذكير بحروبه، وهذيانه، وعدم قدرته على استيعاب الأمور المعقدة. وأكدت أنه لم يأت بجديد. لكن احداً لم يلتفت إلى تكرار بوش مقولات ناتان شارانسكي في كتابه «دفاعاً عن الديموقراطية». هذا الإسرائيلي السوفياتي المنشق هاجر إلى إسرائيل، وأسس أول حزب للناطقين بالروسية، وأصبح وزيراً في عهد شارون، ثم استقال من حكومته احتجاجاً على الإنسحاب من غزة. شارانسكي كان ضد الإنتخابات الفلسطينية التي أتت ب «حماس» إلى السلطة. وكان ضد أي انتخابات في العالم العربي لأن مجتمعاته لم تنضج بعد، على ما نشر في كتابه. كان بوش يقول أن شارانسكي علمه معنى الديموقراطية. وأنه مرشده الروحي، وكتابه «دي إن إي رئاسته»، استشهدت به كوندوليزا رايس عندما وقفت أمام الكونغرس لإقرار اختيارها وزيرة للخارجية. أفكار هذا الصهيوني المتطرف نجدها الآن في خطب وتصريحات الروسي الآخر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، يكررها ب «عفوية» وسذاجة، مثلما يفعل بوش تماماً. المتطرفون العنصريون يشبه بعضهم بعضاً. أما أن الصحف البريطانية والأميركية لم تجد جديداً في الكتاب، فقد يكون ذلك صحيحاً. لكن القديم المتداول والمعروف غير موثق. للمثال فقط. موقف بوش من حرب تموز عام 2006. كلنا يعرف ان واشنطن هي التي أطالت أمد الحرب على أمل القضاء على «حزب الله». لكن أحداً قبل كتاب بوش لم يكن يملك دليلاً على ذلك، فجاء اعترافه بهذا السر المكشوف وثيقة تاريخية وشهادة أخرى على ارتباطه بإسرائيل. مثال آخر. يقول بوش عن مصالحته الشهيرة مع الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك: «أنا وشيراك لم نكن نتفق على أشياء كثيرة. هو عارض إطاحة صدام. وكان يعتبر ياسر عرفات رجلاً شجاعاً. لكننا وجدنا مساحة مشتركة. شرح لي شيراك معاناة لبنان في ظل الإحتلال السوري. واقترح أن نعمل معاً من أجل منع الهيمنة السورية على هذا البلد. وافقت على الفور». ويشرح بوش كيف أدى تعاونه مع شيراك إلى استصدار القرار الدولي 1559 ودعمه ل «ثورة الأرز» وانسحاب الجيش السوري، وإنشاء المحكمة الدولية بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، من دون أن يلتفت إلى الأزمة التي يعيشها اللبنانيون حتى الآن. يفخر بوش بهذا الإنجاز، وبما حققه في العراق وبانتخاب محمود عباس رئيساً، معتبراً ذلك بداية لتحرر المنطقة. ويقول: «لم يسبق أبداً أن حققت ثلاثة مجتمعات عربية هذا الحجم من التقدم نحو الديموقراطية». هذه الوقائع يسردها بوش في كتابه بتفاصيل كثيرة، اما عندما يفكر فيعود إلى نظريات شارانسكي، ملهمه في نشر الحرية والديموقراطية.